عماد مرمل – «صدى الوطن»
«السلّة».. مصطلح جديد دخل بقوة الى سوق التداول السياسي في لبنان، وصار مؤخراً جزءاً من أدبيات التخاطب اليومي. البعض معها والبعض الآخر ضدها، وما بين الـ«مع» والـ«ضد» يكاد يضيع محتواها الأصلي الذي غطاه غبار المناكفات والنكايات.
ويمكن القول أن «براءة الاختراع» تعود الى الرئيس نبيه بري الذي كان أول من أطلق مفهوم «سلّة التفاهمات الوطنية»، انطلاقاً من جدول أعمال طاولة الحوار الوطني، قبل أن يتعرض هذا المفهوم لاحقاً لسيل من الاجتهادات والتأويلات التي شوهته وأفرغته من مضمونه..
قبل أيام، أتصل رئيس تحرير إحدى الصحف اللبنانية ببري وسأله عن قصة السلّة، فأجابه بري مبتسماً: إنه موسم التين والعنب والتفاح والموز، فهل هناك أجمل من أن تجمع هذه الفاكهة في سلة..
اصطدام مع بكركي
لكن بالنسبة الى آخرين، هذه ليست سوى سلة أشواك سياسية، تتجاوز الدستور وتهدف الى النيل من صلاحيات رئيس الجمهورية، عبر محاولة فرض شروط والتزامات مسبقة عليه، تتصل بقانون الانتخاب وشكل الحكومة الجديدة ورئاستها. ضرب هذا التفسير على الوتر الحساس للشارع المسيحي، فيما سارع البطريرك الماروني بشارة الراعي الى رفع سقف الاعتراض حتى الحد الاقصى، معتبراً أن السلة غير دستورية وأن من يقبل بها هو بلا كرامة.
أصاب الراعي بموقفه بري مباشرة، وحاول بطريقة غير مباشرة احراج ميشال عون أو أي مرشح رئاسي آخر يمكن أن يبدي استعداداً لمناقشة بنود السلة المقترحة، ما استدعى رداً مدروساً من رئيس المجلس النيابي اعتبر فيه أن موافقة بكركي في السابق على حصر الترشيحات الرئاسية بأشخاص محددين (الأقطاب الأربعة) هو أكبر مخالفة للدستور.
تحرك الوسطاء سريعاً على خط عين التينة-بكركي سعياً الى تطويق التوتر ومنع استفحاله، خصوصاً أن المرجعيتين تختزنان من الرمزية والحيثية ما يستوجب الحؤول دون أي احتكاك في اسلاكهما السياسية، بالنظر الى التداعيات التي يمكن ان تترتب على ذلك، علماً أن طلائع هذه التداعيات لاحت مع الاجتماع الذي عُقد بين الراعي ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ما أوحى بشيء من الاصطفاف الطائفي في مواجهة طرح بري.
وقد تبرع لتأدية الدور التوفيقي بين عين التينة والبطريركية المارونية كل من وزير الاتصالات بطرس حرب والنائب السابق فريد الخازن ومدير «المركز الكاثوليكي للإعلام» الأب عبده أبو كسم، وهؤلاء جميعاً التقوا البطريرك ورئيس المجلس في زيارات مكوكية، سعياً الى ترطيب الاجواء وتوضيح الالتباسات.
والمفارقة، أن البطريركية المارونية أبلغت الوسطاء المتطوعين أن بري لم يكن مقصوداً بالاسم من موقف الراعي وبالتالي لا وجود لاستهداف شخصي له، وهو توضيح لم يقنع كثيراً رئيس المجلس الذي يرى أنه ليس صعباً الاستنتاج بأن الرسالة كانت موجهة إليه بالدرجة الأولى. والمفارقة الأخرى، أن شروحات رئيس المجلس لمحتوى «السلة» التي يقترحها أظهرت أن بكركي لم تكن مطلعة بدقة على حقيقة مقاصده ونياته، ما أدى الى نوع من «سوء التفاهم».
كعك العباس
ولاحقا، أطلق المطارنة الموارنة بعد اجتماعهم برئاسة الراعي في بكركي «نداء» هو في العادة أعلى رتبة ومرتبة من البيان الشهري الذي يصدره المطارنة دورياً. وقد تضمن هذا النداء مقاربة شاملة لرئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب والمصالحة الوطنية ومفهوم الميثاقية، وهي مقاربة لاقاها بإيجابية بري الذي سارع خلال لقاء الأربعاء النيابي الى توزيع سلة من كعك العباس على النواب الحاضرين، تعبيرا عن تقديره لما انتهى اليه اجتماع بكركي.
ويؤكد بري لـ«صدى الوطن» أن ما يطرحه لا ينطوي على أي انتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية، بل العكس هو الصحيح. إذ أن التفاهمات المسبقة المقترحة ترمي الى تحصينه وتأمين انطلاقة قوية له، لئلا تنهكه سريعاً الخلافات والانقسامات الداخلية التي ستواجهه فور انتهائه من تلقي التهاني بانتخابه، وبالتالي المباشرة في تشكيل حكومته.
لا تعدٍ على صلاحيات الرئيس
ويلفت بري الانتباه الى أن السلة المتكاملة لا تتضمن أي بند يندرج في إطار صلاحيات الرئيس، بدءا من انتخاب رئيس الجمهورية نفسه ووضع قانون الانتخابات النيابية وهاتان الوظيفتان هما أصلا من اختصاص مجلس النواب، وصولاً الى كيفية تشكل الحكومة لجهة طبيعة تركيبتها وتوازناتها وهذا أمر يخضع في العادة لتوافق عام مسبق كما حصل في مؤتمر الدوحة حين تم إقرار مبدأ تأليف حكومة وحدة وطنية ثم تُركت تفاصيل التشكيل وتوزيع الحقائب للتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. ولعل الغريب في المشهد السياسي الحالي أن بعض المعترضين على «السلة» يتصرفون من وحيها، عن قصد أو غير قصد، بحكم الواقع اللبناني وضروراته التي كثيراً ما تبيح المحظورات، إذ أن العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري على سبيل المثال تناولا تلقائياً خلال المفاوضات بينهما مسائل واردة في السلة أو تلامسها، في إطار محاولة كل منهما تقديم التطمينات الى الآخر والى القوى السياسية، مع ما يعنيه ذلك من استباق للآليات الدستورية وتصويت النواب سواء في ما خص رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة الذي تسميه الاستشارات النيابية الملزمة.
Leave a Reply