خليل إسماعيل رمَّال
إذا تحققت المعجزة في بلد الخردة السياسية ووصل العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، تكون هذه أول مرة في هذا الكيان المصطنع، تجري فيها انتخابات رئاسة الجمهورية بقرار لبناني فقط، بعد أنْ تم بنجاح كف يد الدول الإقليمية والدولية التي كانت سابقاً تُعطي كلمة السر للنواب فينفِّذ «خُدام الشعب» الأوامر طائعين صاغرين. هذه المرَّة فشلت الأم الحنون وأميركا وأوروبا وغيرها من الدول في فرض رئيس «روبوت»، بل لم تتجرأ على طرح اسم معين وظلت تتحدث في إطار العموميات مثل الأسلوب المراوغ لأنظمة العرب التي تتخبط خبط عشواء.
وفي الآونة الاخيرة عندما حسم سعد الحريري أمره بعد أنْ وصل الى طريق مسدود وظهره للحائط ولم يبق أمامه إلاَّ خيار عون، قيل الكثير عن وصول كلمة السر من آل سعود. وبئس هكذا بلد وسياسيين ينتظرون من هذه العائلة الحاكمة تزكية رئيسهم بعد أنْ كشفت «الأخبار» عن بصمات للإستخبارات السعودية في ستة تفجيرات إجرامية في لبنان نفذها التكفيريون الوهابيون. فيا ويلنا ويا سواد ليلنا لو كان لإيران ضلع ولو صغيراً في أي تفجير، أما مملكة العائلة فلها أنْ تفعل ما تشاء لدى أنصار «لبنان أولاً»!
لكن فوز عون رغماً عن أنف آل سعود، وهو يجب أن يفوز، سيكون إنجازاً لبنانياً نوعياً يُسجَّل له بسبب صموده وصبره وبسبب دعم حليف له هو من أوفى الأوفياء في هذا العالم، الذي هو ليس كحليفه المعرابي الذي يُعلن عكس ما يضمر حول رئاسة عون. كما يُسجَّل لسعد الحريري (أخيراً) صفة الشجاعة هذا إذا حزم أمره وأعلن تأييده للجنرال والفرصة أمامه اليوم بعد أنْ تحرر من نير آل سعود الذين غدروه وشتتوا تراث والده الراحل.
كذلك الفرصة الذهبية أمام لبنان سانحة اليوم لتهريب الرئاسة وتحقيق الوفاق الداخلي بسبب انشغال الكبار في الحرب السورية، خصوصاً الجبارين اللذين مارسا سياسة حافة الهاوية التي تسترجع الحرب الباردة لكنها هذه المرَّة ستكون ساخنة جداً إذا ما قررا تصفية حساباتهم المفتوحة. فالرئيس الجبان الضعيف والبطة العرجاء في البيت الأبيض سلَّم ملف سوريا وروسيا للعسكريتاريا والمحفل الصناعي العسكري متأملاً أنْ تقود أي مواجهة مع الروس في دمشق إلى زف صديقته هيلاري كلينتون زفَّاً إلى البيت الأبيض. لكن في المقابل فإن أي انتكاسة أميركية في الشرق الأوسط قد تطيح بحظوظها نهائياً.
من ناحيتهم الروس مستعدون لكل الاحتمالات وبوتين لم يحضر قطعاته العسكرية الإستراتيجية لكي يخسر في سوريا وهو يريد الحسم في حلب لأنها أم المعارك وقد تضع أوزار الحرب على سوريا. لذا فتموضع الروس أفضل من التموضع الأميركي الذي ظهر وكأنه يريد عدم إبادة التكفيريين رغم حربه المفترضة على «داعش»، بدليل معارضته الفصل بين الإرهابيين والمعتدلين كما تريد موسكو وهذا منطق صحيح. ولذلك لا يُعوَّل كثيراً على التهويل الأميركي والتهديدات المتبادلة لأن خطوط اللعبة محددة بين الطرفين ويدي أوباما مكبَّلتان.
ومع ذلك على لبنان تحصين جبهته الداخلية، ومن هنا يبدو أنَّ انتخاب عون ضروري جداً بسبب وفائه للمقاومة وتحويل الرأي العام المسيحي الماروني تجاهها، خصوصاً بعد الفضائح التي كشفها أسعد أبو خليل عبر كتاب أميركي جديد مستقى من التقارير المُلخَّصة لرؤساء أميركا وأرشيف الإستخبارات والخارجية، وتتضمن مؤامرات رؤساء الجمهورية ومن بينهم شارل حلو الذي كنَّا نظن أنه المثقف الصحفي الوحيد بينهم لكنه طلع أشراً متآمراً سعى حثيثاً لتسليح المليشيات اليمينية التي تسبّبت بالحرب الأهلية العبثية. لأجل ذلك لا عجب كم يكن الشعب المقاوم للعماد المقاوم أميل لحُّود تقديراً عالياً ويحمل في قلبه منزلة خاصة له ولو كره الحاقدون!
Leave a Reply