وصلت الكراهية على أساس الدين أو العرق إلى مستوى غير مسبوق بات ينذر بالخطر، فيما يسارع الكثير من السياسيين إلى استغلال آفة انتشار العنف في أنحاء العالم، بجعل العرب والمسلمين الأميركيين أكباش فداء.
التعصب الذي يتجلى مؤسساتيا من خلال السياسات الحكومية والأمنية غير العادلة، يتجلى أيضاً في المجتمع الأميركي الذي ارتفعت فيه مناسيب العداء والكراهية ضد العرب والمسلمين، ومن يبدون على هيئتهم، بسبب تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا التي عمل أصحابها على نشرها على مدی العقود الماضية.
ولعبت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية الى جانب هوليود دوراً أساسياً في تعميق الصور النمطية التي تم ترويجها عن المسلمين في الولايات المتحدة والغرب عموماً، فبادر العديد من السياسيين على المستويين المحلي والوطني، الى تلقف هذه الظاهرة واستثمارها سياسياً عبر تبني التصورات والأطروحات التي لا تهدد حقوق العرب والمسلمين في الولايات المتتحدة وحسب، بل تهدد وجودهم أيضاً.
ولكن في هذه الأوقات العصيبة، كثف أصدقاء المجتمعات العربية والإسلامية جهودهم للدفاع عن القيم الأميركية وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول «الآخر» الذين يشكل جزءاً جوهرياً من المجتمع الأميركي الكبير والمتنوع.
وإذا كنا قد انتقدنا في الماضي هؤلاء الذين يقومون بتأجيج الإسلاموفوبيا، فمن المناسب والضروري أن نعرب عن امتناننا للذين وقفوا إلى جانب مجتمعنا في محنته المستمرة، مع عتبنا على أولئك الذين التزموا الصمت.
وفي هذا السياق نتذكر مقولة قائد حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ التي تقول: في النهاية لن نتذكر كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا.
وللحقيقة، لم يلتزم جميع أصدقائنا الصمت، فالكثير منهم رفعوا أصواتهم للتعبير عن التضامن معنا ومساندتنا خارج نطاق المصالح الانتخابية، وإنما انحيازاً للروح الأميركية الحقيقية وانتصارا للإنصاف والعدالة.
ولعل صانعي السلسلة المصورة، التي حملت عنوان «مسلمون أميركيون وطنيون»، هم أفضل مثال على ذلك.
وبالتالي فإن من واجبنا أن نشكر العاملين في «القناة السابعة» التابعة لشبكة «أي بي سي» التي بثت عبر موقعها الإلكتروني حلقات سلطت الضوء على مسلمين وعرب أميركيين ناجحين وبارزين في مجالات متعددة، بطريقة من شأنها أن تدحض التصورات السلبية حول المسلمين الأميركيين.
ولقد حصدت السلسلة تحت عنوان «مسلم أميركي: في مجتمع ميشيغن المتنامي» مئات آلاف المشاهدات خلال فترة قصيرة، وقدمت فرصة ثمينة لمن يتوخون الحقائق ويتحمسون لمعرفة الآخرين من دون اعتبار للقوالب الجاهزة والتصورات النمطية.
وعلى الرغم من وجود بعض التعليقات السلبية على الحلقات، فلا شك أن مثل هذه البرامج سوف تساهم في كسر الحصار الذي أحاط بصورة العرب والمسلمين على مر العقود بتأثير السياسيين المتطرفين والبرامج الحوارية وأفلام هوليود.
والأهم من هذا كله، أن تلك الحلقات قد أتاحت للمسلمين أن يتكلموا بالأصالة عن أنفسهم، بعد أن كان الآخرون يتكلمون بالنيابة عنهم.
ففي هذه السلسلة.. ثمة مسلمون يرسمون صورهم بأنفسهم!
وكانت «القناة الرابعة» التابعة لشبكة «أن بي سي» قد قامت أيضاً هذا العام بعرض برنامج مماثل قدّم صوراً حقيقية عن العرب الأميركيين، تحت عنوان «عربي في أميركا».
ولا بد في هذا السياق، من أن نشكر النائب في الكونغرس الأميركي ديبي دينغل التي وقفت مدافعة عن العرب والمسلمين تحت قبة الكابيتول، وحاربت التمييز الواقع ضدهم، كما طالبت الحكومة الأميركية القيام بواجبها القانوني وإجلاء اليمنيين الأميركيين الذين تقطعت بهم السبل في اليمن.
دينغل دعت أيضاً إلى إجراء تحقيق شامل في حادثة وفاة مجند البحرية الأميركية المسلم راحيل صديقي، وكانت قبل ذلك قد واجهت مشروع قانون تمييزي كان من شأنه أن يمنع الناس من أصول عربية وإسلامية من الاستفادة من «برنامج الإعفاء من تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة».
وفي الأسبوع الماضي، لعبت دينغل دوراً محورياً في توجيه رسالة من الكونغرس الأميركي إلى وزير الأمن الداخلي تسائله عن توضيحات بشأن لائحة «حظر السفر جواً» التي تستهدف عرباً ومسلمين أميركيين من دون وجه حق. وبالرغم من أننا لا نتفق مع دينغل بجميع مواقفها، لكنها تبقى أحد أقرب حلفائنا تحت قبة الكابيتول.
كذلك، كانت بعض الأقليات العرقية والدينية داعمة لنا، فعلى سبيل المثال رفض العديد من القياديين السيخ التعصّب والتمييز ضد المسلمين، لاسيما وأن مجتمعاتهم تعرضت لموجة من الكراهية في مناخ الإسلاموفوبيا السائد في البلاد، وذلك ظنا من المتعصبين أنهم مسلمون، ولم تدفع تلك الحوادث بالسيخ للتنصل من المسلمين، بل على العكس دفعتهم إلى التضامن معهم والدفاع عن حقوقهم الدستورية أسوة بباقي مواطني الولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار، قال مدير السياسة والقانون في «تحالف السيخ بواشنطن» أرجون سينغ سيثي لصحيفة «صدى الوطن» في آب (أغسطس) الماضي: إن السيخ يقفون إلى جانب المسلمين في محاربة التعصب وعنف الكراهية.
وبالمثل، عبر العديد من النشطاء والقادة الأفارقة الأميركيين عن مساندتهم للعرب والمسلمين الأميركيين، وهذا الأمر ليس بالمفاجئ كون المسلمين السود هم من أكبر الجماعات في المجتمع الإسلامي الأميركي.
وكذلك قام السود من غير المسلمين بالدفاع عن العرب والمسلمين الأميركيين، مثل منظمي حركة «حياة السود مهمة» وأيقونة الحقوق المدنية القس جيسي جاكسون، وآخرين.
«مركز الجنوب لدراسات الفقر» قام أيضاً بعمل رائع، حين قام برصد الجماعات والأفراد المعادين للمسلمين في الولايات المتحدة.
وفي الختام، فإننا نشجع فعالياتنا ونشطائنا من العرب والمسلمين على التواصل مع المحيط الكبير ومد الجسور وبناء التحالفات مع مختلف الشرائح والمكونات الأميركية. إن الأيام العصيبة لم تصبح وراء ظهورنا بعد، ولكن يجب على الذين يؤمنون أن أميركا هي أرض الحريات لجميع مواطنيها، أن يبقوا موحدين، وأن لا يلوذوا بالصمت حين تمس الحقوق المدنية!
Leave a Reply