مريم شهاب
لم تعرف البشرية زماناً كان الناس فيه ملائكة تسودهم علاقات العطف والحب والعدل والمثالية. ولكن منذ قديم الزمان والناس يشكون زمانهم وينعون الماضي الجميل.
ولو قرأت بعض النصوص الفرعونية القديمة لوجدت فيها قصيدة لشاعرٍ فرعوني يقول فيها: لمن أتحدث اليوم، والأخوان أشرار، والأصدقاء هجر قلوبهم الحب والبيوت خلت من المودة، وكل رجلٍ يسرق ما لجاره.
وفي النصوص الرومانية الكثير الكثير عن «تدهور الأخلاق» قياساً إلى «الماضي السعيد» الذي كان الناس فيه ناساً، والبشر بشراً. والمغزى من كل ذلك هو أنه ليس هناك زمان لم يشكُ منه أهله ولم ينعوا فيه تدهور الأخلاق قياساً على ماضٍ أكثر مثالية، وهي شكوى مبالغ فيها دائماً ولو صحَّت تماماً لتوقفت الحياة منذ أمد طويل. ففي الحياة دائماً خيرٌ وشر وأخيار وأشرار، وأسباب للسعادة وأسباب للشقاء، والأخيار هم دائماً الأغلبية العظمى الصامتة من البشر في كل زمان ومكان، لكن صوت الشر عالٍ لأنه شديد الإزعاج لمن حوله.
لذلك ليس منطقياً الإنسحاب واالنكوص عن المشاركة في مباراة الحياة تخوفاً من نتائجها. ولا بد للإنسان دائماً من المشاركة وتوطين النفس على تقبل النتائج والتعامل معها بواقعية وتكرار التجربة مرَّة بعد مرَّة إلى أن يقتنص ما يريد من السعادة ويتمسك بها ويحقق ما يهدف إليه في هذه الدنيا.
ومن يدرك أن نيل المطالب بالتمني، فهو خاطِئ، وتنطبق عليه قصة الحكيم الإغريقي «أيسوب» الذي عاش قبل الميلاد وكتب مجموعة من الحكايات والخرافات الحكيمة. وقد روى في إحداها أن أحد الأثرياء كان يقوم برحلة مع مجموعة من المسافرين على سفينة، وحدث أن هبت عواصف أدت إلى غرقها، فراح الجميع يحاولون السباحة إلى الشاطِئ. وظلَّ الرجل الثري في موضعه في الماء يتضرَّع إلى الإله «أثينا» أن تنقذه من الغرق وينذر نذوراً إن نجا من الموت أن يقدِّم لها قرابين ثمينة، فصاح به أحد رفاق السفينة الغارقة وهو يسبح بقوة متوجهاً إلى الشاطِئ: لا تترك الأمر كله للإله «أثينا» وإنما استخدم ذراعيك أيضاً!
والمغزى واضح ولا يحتاج إلى بيان. وهذا ما يسعى إليه العديد من شباب وشابات أهلنا وأحبتنا هنا في ديربورن. لأن جاليتنا لا تزال بخير والكثير من شبابها بخير، وما نراه في صفحات الحوادث وعلى مواقع التواصل الإجتماعي من أن معظم الشباب العربي طائش وعابث هو خاطِئ وغير صحيح.
من خلال الاقتراب والتواصل والإختلاط مع شريحة كبيرة من الشباب، تلمس مدى تقديرهم وامتنانهم لآبائهم لما فعلوه من أجلهم. وتسمع منهم كلاماً يدل عن فهمٍ عميق وإدراك واعٍ لما يدور هنا في مجتمعنا الأميركي والسعي الدؤوب لتجنب فيروسات التعصب ومهازل الشرق.
والذي يدعو للاعتزاز والفخر في الكثير من شبابنا، هو عملهم وسعيهم الدؤوب نحو النجاح في غياب الرواد الموثوقين والقادة الشرفاء في الجالية ودون الإلتفات إلى المتحسرين بلوعة على الأجيال السابقة. وفي الأسبوع القادم سوف أكتب لكم عن بعض النماذج الشبابية الحيَّة هنا في ديربورن.
Leave a Reply