على هامش الانتخابات الرئاسية الحامية الوطيس، يتخوف بعض العرب والمسلمين الأميركيين على مصيرهم في هذه البلاد في حال فوز ترامب.
ومع أن ترامب -للأمانة- ليس من الذين أسسوا لهذه الظاهرة، أو من نفخوا في نيرانها حتى الحد الأعلى، إلا أنه في الواقع أحد نتائجها، أو ضحاياها..
ومثل هذه التصورات ليست مجرد خيالات، أو أضغاث أحلام، كما أنها لا تدور في أذهان بعض المتعصبين والمصاببن بالرهاب العرقي فقط، وإنما هي أفكار تدور في أذهان صنّأع الدراما الأميركية الذين يضعون ضمن أولوياتهم قدرة الأعمال الدرامية، كالأفلام والمسلسلات المتلفزة، على جذب عشرات ملايين المشاهدين، كما حصل مؤخرا مع مسلسل «الناجي المكلف» التي يكرس نهجاً هوليودياً في شيطنة العرب والمسلمين وتهميشهم وعزلهم.
السلسلة التي تبث على شاشة «أي بي سي» في الساعة العاشرة من مساء كل أربعاء، قدمت مدينة ديربورن في حلقتين من حلقاتها، على أنها بيئة حاضنة للمسلمين المتشددين، تقوم شرطة المدينة بقمعهم والتنكيل بهم من أجل حماية الأميركيين الآخرين من خطرهم، ولولا شفاعة المخبرين وحنكة الرئيس الأميركي (الذي يلعب الممثل كيفر ساذرلاند دوره) لاستمر اعتقالهم لفترة غير محدودة بحجة حفظ أمن البلاد.
ورغم أن بث هذه السلسلة ما يزال في بدايته، إلا أنها تستقطب جمهوراً واسعاً من مشاهدي التلفزيون وتحقق نسب مشاهدة عالية، فاق بعض المسلسلات الذائعة الصيت مثل «إمباير» و«ذا فويس» و«بيغ بانغ ثيوري»، وهو أمر لافت للانتباه ومثير للتخوف في ذات الوقت كونه ينم عن قابلية المشاهد الأميركي لمتابعة هكذا أعمال درامية، دون أن ننسى تأثيرات الماكينة الهوليودية التي أسست ذائقة الجمهور الأميركي على قاعدة «هذا الفيلم مبني على قصة حقيقية»!
و«قصة ديربورن» في المسلسل مرت بدون أن يلتفت لها أحد، أو يحذر من خطورتها، كونها تؤسس لتخويف الأميركيين من مواطنيهم المسلمين في مدينة ديربورن. وكان ناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني أول من لفت إلى خطورة هذه السلسلة في لقاء تلفزيوني مع «القناة السابعة» التابعة لشبكة «أي بي سي».
وتبعه في انتقاد تلك السلسلة رئيس بلدية وستلاند بيل وايلد مؤكدا أن مدينة ديربورن تنعم بالإزدهار على عكس ما أظهر العمل الدرامي المثير للانقسامات، وأشار في مقال رأي له بصحيفة «ديترويت فري برس» إلى أن هوليود دأبت منذ ولادتها إلى تشويه صورة العرب منذ حقبة الأفلام الصامتة.
والمثير.. أن لا أحد من مسؤولي مدينة ديربورن علّق على تلك السلسلة الدرامية، بمن فيهم رئيس بلدية المدينة جاك أورايلي الذي بادرت «صدى الوطن» إلى الاتصال للوقوف على رأيه في هذه المسألة.
أورايلي نفى علمه بداية بشأن تفاصيل المسلسل الدرامي واكتفى مبدئا بإبراق رسالة احتجاج إلى الشركات المنتجة للعمل التلفزيوني. ورغم أن الحلقات الأولى قد أشارت صراحة، وبالإسم إلى مدينة ديربورن، إلا أنه قال: إنهم لا يتحدثون عن مدينتنا.. إنهم يتحدثون عن مدينة متخيلة، مضيفا أنه «لا يمكننا مقاضاتهم لأنهم لم يقوموا بالتشهير بنا»!
وأشار إلى أن أحداً من أبناء الجالية المسلمة بالمدينة لم يطالبه باتخاذ أي موقف، على خلاف المرات السابقة التي تعرضت خلالها المدينة لبعض الممارسات التي حاولت تشويه صورتها بدعوى أنها مدينة تطبق الشريعة الإسلامية، كما زعم القس المتعصب تيري جونز.
وفي الوقت الذي لا يمكننا أن نعذر لأورايلي تقصيره في «الدفاع» عن مدينته، وتقديم صورتها الحقيقية والناصعة في وسائل الإعلام الأميركية، كذلك لا يمكننا أن نعذر المؤسسات الحقوقية والمسؤولين العرب والمسلمين في المواقع الرسمية في المدينة لالتزامهم الصمت وكأن ديربورن جزيرة معزولة عن محيطها، مثل «غيتو» يذكر بأحياء اليهود في المدن الأوروبية في بدايات القرن العشرين.
وكما أن أورايلي لا علم له بالمسلسل، ولا بقصته، كذلك فإن أغلب العرب والمسلمين ليسوا على الأرجح على علم به، فهم منشغلون بمتابعة القنوات العربية حول أخبار الصراعات والحروب في العالم العربي، من دون أن يدركوا، أن الخطر هنا يمكن أن يهدد وجودهم ومستقبلهم في أية لحظة، ما لم يبادروا إلى الانخراط والتواصل مع المجتمع الأميركي الكبير وفهم حساسياته وتوازناته وقيمه.
Leave a Reply