لقد أطلق المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب تصريحات مسيئة وغير مسبوقة من السياسيين ضد المسلمين واللاجئين والمهاجرين، كما أن اقتراحاته وأحد عناوين حملته الانتخابية بمنع دخول المسلمين للبلاد هو الأكثر تطرفا من أي سياسة داخلية معادية للمسلمين تم اقتراحها من قبل مرشح جدي للرئاسة الأميركية.
ولكن بكل الأحوال فإن الملياردير النيويوركي ليس هو من اخترع ظاهرة الإسلاموفوبيا، كما أن الكثيرين ممن يتوجهون له بالانتقاد ويتهمونه اليوم بالتعصب والتحيز ضد الأقليات، كانوا صامتين صمت القبور أمام تلك العناوين الإعلامية الصاخبة والتهجمات السياسية على مجتمع المسلمين الأميركيين طوال السنوات السابقة.
قد يكون ترامب نبش الكراهية -التي زرعت في المجتمع الأميركي- واستفاد منها انتخابياً، حيث أظهرت نتائج الاستطلاعات خلال المنافسة التمهيدية ارتفاع شعبيته بعد مطالبته المثيرة للجدل في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 حول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
وربما استثمر ترامب حقا في التعصب وسوء الفهم الذي يتغلغل في المجتمع الأميركي منذ عقود، ولكنه من المثير للسخرية حقا أن يقوم المذيع والكوميدي بيل ماهر -على سبيل المثال- بانتقاد مرشح الحزب الجمهوري لمطالبته بحظر دخول المسلمين الى أميركا، وهو من ساهم «بهضامته» في تأجيج الكراهية ضد المسلمين في هذه البلاد، حيث لم يتردد الإعلامي الليبرالي الصهيوني ماهر في وصف الإسلام بـ«المافيا» التي تقتل كل من يقول شيئا لا ينبغي قوله.
لم يكن ترامب قد ظهر على المسرح السياسي حينها، عندما مررت سبع ولايات أميركية قوانين سخيفة لحظر قوانين الشريعة الإسلامية فيها، مكرسة مزاعم مفبركة ولا أساس لها من الصحة مفادها أن مسلمي تلك الولايات يعملون من أجل فرض قوانين الشريعة الإسلامية في مجتمعاتهم، مما يشكل تهديداً للدستور الأميركي الذي يقدسه مواطنو هذه البلاد.
كما أن ترامب مجرد منتج لثقافة الخوف، وليس سببا لها.
إن ترامب لا يتحكم باستديوهات الأخبار وهوليوود ولا بالوكالات الأمنية التي تنصب الأفخاخ للمسلمين وتستدرجهم الى الإرهاب، حتى صار الرأي العام الأميركي مهيئاً لاعتبار المسلمين في هذه البلاد خطراً على الأمن القومي، فعلى مدى سنوات أعقبت هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 دأب السياسيون الأميركيون على تناول المجتمعات الإسلامية في سياق حديثهم عن الأمن القومي الأميركي فيما لم يتردد مسلسل تلفزيوني جديد من القاء القبض جماعياً على مسلمي ديربورن لحماية أمن باقي السكان.
ويمر الأمر على الشاشة مرور الكرام.
حتى خصم ترامب، هيلاري كلينتون، قالت إن المجتمعات الإسلامية الأميركية تشكل خطوط الجبهة الأولى لمعرفة ومنع الهجمات الإرهابية.
ومن الصعب حقاً أن نفهم هذه التصريحات. هل هي إشادة ومديح بمسلمي أميركا أو أنها إدانة لهم كونها تأتي في سياق التنميط العنصري لهم.
التنديد بخطاب ترامب، لا يجدي نفعاً، وعلى مواطنينا الأميركيين الذين شجبوا مواقف ترامب أن يقفوا إلى جانب المسلمين ويشاركوهم بتفكيك مصادر الإسلاموفوبيا الموجودة داخل الثقافة الإستعلائية والعنصرية.
إنها معركة أكثر من ضرورية ولا بد من خوضها بعد انتهاء موسم الانتخابات الرئاسية، فترامب قد يخسر ويعتزل السياسة، لكن العنصرية ستبقى، ومع تلميح المرشح الجمهوري بعدم قبول نتائج الانتخابات في حال فوز كلينتون، فهذا سوف يزيد من غضب المتعصبين، بوتيرة ربما لم نشهدها من قبل.
على الأميركيين أن يرفعوا أصواتهم في مواجهة التعصب، في كل مكان، داخل عائلاتهم، وفي وسائل الإعلام، وعبر أصواتهم الانتخابية.. من القاعدة وصولاً إلى أعلى الهرم!
Leave a Reply