زهراء فرحات – «صدى الوطن»
لقد شتّت الحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط الكثير من الناس وهجرّتهم إلى المنافي والمهاجر، حيث أسسوا عائلات ومجتمعات لا تزال تتمسك بهويتها ولغتها وتبذل جهوداً كبيرة لتوريث ثقافتها وعاداتها الاجتماعية للأجيال الجديدة، من دون أن يعني ذلك أن هذا الأمر يتحقق بيسر وسلاسة، وبدون مشاكل أو عقبات.
ففي الولايات المتحدة، تواجه العائلات العربية مشكلة تعليم أطفالها اللغة العربية، وهي مشكلة تزداد صعوبة وتعقيداً بسبب الفروقات بين العربية الفصحى واللهجات العامية التي تختلف من بلد عربي إلى آخر، لاسيما وأن معظم مدارس اللغة العربية في الولايات المتحدة تعتمد الفصحى في تعليم النشئ والأطفال العرب الأميركيين. على هذه الخلفية، خطرت على بال الصحفية الفلسطينية ريم مخّول فكرة تأليف قصص للأطفال بالعامية الشامية، في محاولة منها لحل تلك المشكلة «التي يبدو فيها الأطفال الصغار كالبالغين، حين يتكلمون اللغة العربية الفصحى التي يتعلمونها في المدارس».
ولدت مخّول (36 عاماً) في منطقة الجليل الفلسطينية، ودرست الصحافة في القدس المحتلة، وفي العام 2006 كانت تغطي أخبار الحرب الإسرائيلية على لبنان، حين التقت بالصحفي الأميركي ستيفن فاريل -الذي كان بدوره يغطي أخبار العدوان الإسرائيلي- ثم انتقلت للعيش في أميركا بعد زواجها بفاريل، حيث عملت صحفية في الولايات المتحدة مع صحيفتي «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال».
وقد توفقت مؤقتاً عن العمل الصحفي لتتفرغ لتربية طفلتها الثانية نيروز (عام واحد)، ولتعمل في الوقت نفسه -مع زوجها- على تأليف قصص للأطفال باللهجات العربية العامة، خاصة وأنها عانت الكثير خلال تعليم طفلتها الأولى، شهرزاد (5 أعوام)، للغة العربية بالاعتماد على قصص الأطفال المكتوبة بالفصحى.
وفي حديث مع «صدى الوطن»، أكدت مخّول أنها كانت منذ طفولتها على وعي بهذه المشكلة، وقالت: «في طفولتي في الجليل، عندما كنت أقرأ قصص الأطفال، كانت جميعها مكتوبة بالعربية الفصحى، وكنت أشعر على الدوام عند قراءتها بأنها جافة، فشخصيات القصص، الأطفال وكذلك الحيوانات، يتحدثون مثل المحامين، وقد أصبحت هذه المشكلة ماثلة أمامي بعدما وضعت ابنتي الأولى وبدأت أقرأ لها تلك القصص».
لم ترق لمخّول فكرة الترجمة من الفصحى إلى العامية لتُفهم ابنتها محتوى القصص. وأضافت: «كانت القصص تفقد انسيابيتها.. وكنت أشعر بالتعب سريعاً.. وابنتي لم تكن تستمتع بها أيضاً».
بدأت حينها مخّول بالبحث عن قصص مكتوبة بالعامّية، «لكنني لم أجد شيئاً، فقررت أن أكتبها بنفسي».
أسست مخول وزوجها فاريل داراً للنشر في مدينة نيويورك تحت إسم «قصص» Ossass Stories، وبدأا بالعمل سوية على كتابة القصص التي رسم صورها الفنان فؤاد مزهر المقيم في بيروت، والذي لم يلتقيا به قط.
في هذا السياق تقول ريم: «إنه عصر التواصل الرقمي.. ولهذا بإمكاننا التواصل عبر الانترنت وإرسال مسودات القصص عبر الانترنت كما يمكننا النقاش في مجمل التفاصيل».
أول الغيث، كان صدور قصة -العام الماضي- بعنوان «البنت اللي ضيّعت خيالها»، وهي مكتوبة باللهجة الشامية التي يتحدثها الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون والأردنيون، ومن المنتظر أن تصدر نسخة أخرى عنها باللهجة المصرية، وربما بلهجات عربية أخرى في المستقبل.
وأكدت ريم أنها تعمل مع زوجها على كتاب ثان، بعنوان «وين بدّي أتخبّى؟» الذي سيصدر قبل نهاية العام الجاري، وهو أيضا مكتوب باللهجة الشامية، كما أنه سيصدر باللهجة المصرية في المستقبل القريب، بحسب ما يورد موقع القصص على الانترنت ossass-stories.com الذي يشير الى تفاصيل القصة الجديدة بالقول أن «شهرزاد راح تتعلم عن الأشكال والأرقام. راح يكون بالقصة رسومات وشخصيات ملونة مثل بالقصة الأولى».
ردود الفعل، حول التجربة، مشجعة للغاية، ومن جميع القراء العرب الذين يتكلمون بلهجات مختلفة، بحسب مخول التي أضافت: لقد بدأ بعضهم يطالبنا بإصدار نسخ باللهجات المغربية والتونسية والعراقية والخليجية.. هذا حلمنا وإننا نعمل على تحقيقه.
وتدور أحداث «البنت اللي ضيعت خيالها» حول طفلة عربية (شهرزاد) ضيّعت خيالها الخصب (الذي تم تصويره في القصة كشخصية)، ليبدأ كل منهما رحلة البحث عن صاحبه في مدينة نيويورك. وتستخدم القصة اللوحات والرسوم الملونة، بهدف تعريف الأطفال والتلاميذ على الكلمات (العربية) من أجل تعلمها واستخدامها.
أما القصة الثانية فسوف تكون حول الأشكال، والقصة الثالثة ستكون عن الحيوانات، وغير ذلك من المواضيع التي يحبها الأطفال.
مخّول تعرب عن تفهما لإحباط الآباء حين يشاهدون أطفالهم الصغار وهم يتحدثون الإنكليزية بسهولة على عكس تحدثهم بالعربية، ولكنها نصحتهم بعدم الاستسلام، وقالت: «إنه لأمر صعب ومحبط أن ترى أطفالك يتواصلون بالإنكليزية أو باللغات الأجنبية الأخرى بطلاقة.. لقد حصل هذا الأمر معي، ولهذا بدأت بالعمل على هذا المشروع عندما وضعت طفلتي.. لقد قررت أن أتحدث معها بالعربية.
وأكدت أن الكتاب لاقى استحسانا في المهاجر لأن الآباء يريدون أن يتحدث أطفالهم بلغتهم الأم. وقالت «لم نتلق أية أصداء سلبية على الإطلاق، وأعتقد أن معظم الناس يفهمون أننا لا نفعل ذلك للتقليل من شأن الفصحى، بل على العكس نحاول أن نجعل أطفالنا يحبون اللغة العربية وبالتالي يقدرون جميع أشكالها ولهجاتها». الكتاب متوفر على الموقع الإلكتروني ossass-stories.com ويمكن توصيله عبر البريد إلى كافة أنحاء العالم، كما أنه متواجد في جميع فروع المكتبات العامة في نيويورك وبروكلين، وكذلك في «المتحف الوطني العربي الأميركي» بديربورن، ومكتبة «الشرق الأوسط آند مور» بالعاصمة واشنطن، إضافة إلى توافره في بعض مكتبات العواصم الأوروبية والعربية، مثل لندن وأوسلو وباريس والقدس وجبيل.
Leave a Reply