ديترويت – «صدى الوطن»
شكّل انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، الاثنين الماضي، بارقة أمل لكثير من اللبنانيين بعد ثلاثين شهراً من الشغور الرئاسي، شهدت خلالها المؤسسات الحكومية عطالة وعجزاً عن أداء الوظائف البيروقراطية التي انحدرت إلى أدنى مستوياتها في «أزمة النفايات». كما أن حدة التناقضات الحزبية بين الفريقين السياسيين «8» و«14 آذار»، وتباين المواقف السياسية على مختلف المسائل الداخلية والخارجية، دفعت الكثير من المراقبين إلى وصف تلك العلاقة المتشنجة بـ«الحرب الباردة» التي أدخلت بلد الأرز في «صقيع» تجمدت فيه المشاريع الحكومية والإدارية ودوائر الدولة منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان.
انتهت إذاً مناورات العض على الأصابع والمراهنة على الفراغ بشأن انتخاب رئيس جديد للبنان، وانتخب عون.. الذي كان صاحب لقب «الرئيس العتيد لمدة ربع قرن» والآن يتطلع اللبنانيون إلى إعادة تشغيل محرك الدولة اللبنانية لحلحلة القضايا العالقة، وتفريغ البلاد من الشحن السياسي، وتفعيل المؤسسات الخدماتية، وغيرها من الشؤون الأخرى. لكن في المقابل يرى البعض أن انتخاب عون لن يحل المعضلة لأن المشكلة في لبنان بنيوية، وهي جزء من طبيعة النظام السياسي، فضلا عن أن «العهد الجديد» لن يتمكن من مكافحة الفساد والمحسوبيات والمحاصصات، التي يتقاسمها الأفرقاء والأحزاب السياسية في المقام الأول، لاسيما وأن طريق بعبدا أمام عون، فتح من قبل أحد أبرز خصومه السياسيين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، الذي أمّن وصول الجنرال البرتقالي الى قصر الشعب.
تفاؤل
في الأثناء، لا يختلف اللبنانيون الأميركيون عن أبناء وطنهم الأم في مقاربتهم للمشهد السياسي وتشابكاته وتعقيداته، ويأمل معظمهم أن يخرج بلدهم فعلاً من المحنة الطاحنة التي تضغط على الناس في أمورهم الحياتية اليومية. وقد أكد معظم من تحدثت إليهم «صدى الوطن» من اللبنانيين المقيمين في منطقة مترو ديترويت أن انتخاب رئيس للبنان كان «خطوة جيدة وضرورية لإعادة إحياء مؤسسات الدولة وتفعليها»، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن الصراع بين الكتل النيابية والأحزاب السياسية سيعيق «عملية الإصلاح» المرجوة.
العماد ميشال عون خلال أدائه اليمين الدستوري |
رجل الأعمال علي جواد، مؤسس «النادي اللبناني الأميركي»، أعرب عن تفاؤله في انتخاب رئيس جديد لأن من شأن ذلك أن يستعيد فعالية المؤسسات الحكومية وضمان الاستقرار في بلد يقع في منطقة ملتهبة من الصراعات السياسية والعسكرية.
لكن جواد، مثل كثير من اللبنانيين، عبر عن قلقه الكبير من الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ولدى المسؤولين، غير أنه يعتقد أيضاً بأن عون -وقد غدا على رأس السلطة- سيدفع باتجاه تفعيل المؤسسات الخدماتية، وتأمين الكهرباء ومياه الشرب، والعمل على حل أزمة النفايات.
وأضاف: «إن على عون الاستقالة من منصبه إذا فشل بعد عامين من تحقيق الإصلاحات الضرورية للبلاد».
وبغض النظر عن طبيعة الصراع السياسي في بلد الأرز، حث جواد جميع اللبنانيين أن يضعوا الوحدة الوطنية نصب أعينهم في الاستحقاقات الانتخابية القادمة وفي مقدمتها وضع قانون انتخاب جديد.
أبعاد إقليمية
في المقلب الآخر، ورغم الآمال المعلقة على الرئيس الجديد، إلا أن بعض اللبنانيين الأميركيين يشككون في قدرة عون على وضع نهاية للفساد رغم مؤهلاته. وفي هذا السياق، رأى علي ياسين -وهو إداري في إحدى المدارس المحلية- أن انتخاب عون بواقع 83 صوتاً هو مسألة إيجابية، بالنظر الى أن نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة كانت تعد سلفاً بتأثير إقليمي ودولي.
واستدرك بالإشارة الى أن وصول الجنرال الى سدة الرئاسة أيضاً حمل في طياته أبعاداً إقليمية، فعون الذي تحالف مع «حزب الله» بعد عودته من منفاه الباريسي الذي استمر لعشر سنوات، كان خياراً موفقاً للحزب المدعوم من إيران، كما أن تكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة جاء بمباركة سعودية، على حد قوله.
وأضاف «لقد رحب المسؤولون الإيرانيون بانتخاب عون واعتبروه نصراً»، وإيران تتهيأ لتقوية الأواصر الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بحسب ما أخبر الرئيس الإيراني حسن روحاني نظيره اللبناني، خلال مكالمة هنأه فيها بالمنصب الجديد.
ووصف ياسين الجنرال عون بالمرشح «المؤهل ولديه القدرة على الإصلاح»، وقال إنه مثل الكثيرين يرغبون برؤية لبنان مستقراً، ولكن في الوقت نفسه لديه مخاوف حول الكثير من المسائل، مرجحا «عدم حصول تغيير كبير في الحياة اللبنانية السياسية».
توق الى الإصلاح
إن توق اللبنانيين إلى الإصلاح الحكومي وتحسين الخدمات هو من أبرز مطالب الشعب اللبناني بعامته، ولكن هؤلاء الذين احتفلوا بانتخاب عون يعتبرون أن الجنرال سيكون قادراً على إحداث تبديلات تدريجية، وفي هذا السياق، قال الناشط سليم ساسين (الذي يمثل التيار العوني في الولايات المتحدة) إن الرئيس قادر على إصلاح الحكم القائم -منذ عقود- على المحاصصات الطائفية والزعامات التقليدية.
وأضاف ساسين (وهو نائب رئيس المجلس الأميركي اللبناني للديمقراطية): «إن السياسيين اللبنانيين وعلى مدى 25 سنة عملوا على أن تكون الحكومة اللبنانية بمثابة «ناد خاص» لهم، وعون سوف يدفع بقوة لإعادة الحكومة إلى العمل لمصلحة الشعب المحبط إلى درجة كبيرة».
ووصف ساسين الفساد في لبنان أنه بمثابة الشجرة الضخمة والعميقة الجذور في حديقة المنزل الخلفية، وعلى مدى الـ25 سنة الماضية، تدلى منها الكثير من الأغصان والفروع، ولكي تتخلص منها عليك أن تقوم بتقليمها فرعا فرعا، قبل أن تقوم بقطع جذعها.
وشدد على أن «تحقيق النتائج التي يتطلع إليها اللبنانيون هو الأولوية في هذه المرحلة»، مشيداً بقدرة الجنرال صاحب التمثيل النيابي والشعبي الواسع على تحقيق وعوده التي قطعها في «خطاب القسم».
من جانبه، أبدى الصيدلي شادي سعد شكوكه في قدرة الرئيس الطاعن في السن (٨٣ عاماً) على إداره مهامه الرئاسية في بلد غارق بالمشاكل المحلية والاستقطابات الإقليمية. وأضاف بنبرة تعريضية: «ليس لديه القدرة العقلية لإدارة البلد.. عمره 83 عاما فقل لي: كرمال الله كيف بدو يدير البلد»؟
وفي الوقت الذي شدد فيه المؤيدون لعون على قدرته على إنجاز الإصلاحات، أكد سعد على عكس ذلك، وضرب مثالاً على ذلك بدعم الجنرال لصهره جبران باسيل الذي أضحى وزيرا لخارجية لبنان ورئيسا للتيار الوطني الحر، وتساءل عن مؤهلات باسيل عدا كونه صهرا للجنرال، مضيفاً «أن ممارسة الجنرال هي مثال حي وواضح على الفساد والمصالح الأسرية والعائلية ولو على حساب الوطن».
وأعاد سعد التذكير بأن عون قصف بيروت الغربية، في 1989، حين كان وقتها رئيسا للحكومة العسكرية بتكليف من الرئيس المنتهية ولايته أمين الجميل، وهي مرحلة يعرفها الجميع.
وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة التي يوجهها البعض للرئيس الجديد، إلا أن الكثير من اللبنانيين الأميركيين ينظرون له باعتباره فرصة للنهوض بلبنان من جديد، وهو ما اعتبره ناشط عربي أميركي (طلب عدم ذكر اسمه) ابتهاجا مبنياً على أسس طائفية، وقال: «هؤلاء يعتبرون وصول عون إلى الرئاسة انتصاراً». ولكن الناشط أقرّ بأن انتخاب عون «أهون الشرين»، وأن وجوده في بعبدا أفضل من شغور كرسي الرئاسة لاسيما وأن عون يمكن أن يلعب دوراً إصلاحياً وطنياً، على خلاف الكثير من السياسيين التقليدين الذين بنوا سلطانهم على أساس طائفي.
Leave a Reply