تعتبر ولاية ميشيغن ولاية ديمقراطية منذ ما يقارب ربع قرن، إذ صوّت ناخبوها خلال الدورات الرئاسية الستة الأخيرة لصالح المرشح الأزرق للبيت الأبيض، ولكن المشهد الانتخابي في ميشيغن يبدو للمرة الأولى منذ ذلك الحين متأرجحاً وغير محسوم لصالح أي من المرشحين، ما حدا بالمرشح الجمهوري دونالد ترامب بوعد مؤيديه بالحسم في ولايتنا.
ويبدو أن كلام الملياردير النيويوركي لا ينطلق من فراغ، أو أنه لمجرد المهاترات الانتخابية، فقد أظهره استطلاع أجرته قناة «فوكس 2» متأخراً بـ3.3 نقطة عن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، في حين تشير استطلاعات أخرى الى تضييق الهامش الى حد نقطة واحدة، وفي جميع الأحوال فإن الفارق بين المرشحين في استطلاعات الرأي الأخيرة يكاد ألا يتخطى هامش الخطأ.
ووفق هذا المعطى، تتعاظم أهمية الصوت الانتخابي في الولايات المتأرجحة، والتي أصبحت ميشيغن من ضمنها في هذه الدورة الانتخابية، كما تتعاظم -في هذا السياق- أهمية الصوت العربي سواء على مستوى الولاية أو على المستوى الوطني، وهو أمر أثبتته الانتخابات التمهيدية في ميشيغن التي مكنت المرشح بيرني سنايدر من تحقيق نصر تاريخي على كلينتون في آذار (مارس) الماضي، كما أهل الصوت العربي المرشح لعضوية مجلس نواب الولاية العربي الأميركي عبدالله حمود لاجتياز تمهيديات الحزب في آب (أغسطس) الماضي.
ومن هذا المنطلق، نكرر تأكيدنا للناخبين العرب الأميركيين، على أهمية مشاركتهم في العملية الانتخابية ترشيحاً وتصويتاً، فقد أظهرت التجارب السابقة، عاماً بعد آخر، أن مشاركتهم لا تندرج في إطار الشعارات، أو الأمنيات، أو أحلام اليقظة، وإنما أصبح «الصوت العربي» حقيقة ساطعة لا ينبغي تجاهلها أو إهدارها تحت أية ظروف.
وبناء على ذلك، فإن المشاركة الكثيفة للعرب الأميركيين في الإدلاء بأصواتهم سوف تمكنهم من إيصال المرشحين الذين يمثلونهم ويحمون مصالحهم، في جميع المواقع التشريعية والإدارية والقضائية والسياسية، وكذلك سيتمكنون عبر التوصيت من إقرار المقترحات المحلية التي ستساهم في ازدهار مستقبلهم ومستقبل أولادهم، فعلى المستوى المحلي هناك استفتاءان حيويان مطروحان للتصويت في منطقة ديترويت، الأول مقترح لإنشاء شبكة نقل عام إقليمية تربط مقاطعات وين وماكومب وأوكلاند وواشطنو،، والثاني مقترح لتمويل المدارس العامة في مقاطعة وين، وقد حثت «صدى الوطن» و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) الناخبين العرب الأميركيين على التصويت بـ«نعم» على كلا المقترحين، لما لذلك من فائدة تعود على المجتمع المحلي ومستقبل المنطقة.
وفي سياق آخر، على ناخبينا وقياداتنا العربية في منطقة مترو ديترويت ذات الكثافة العربية والإسلامية أن يتقنوا التعامل مع مسألة الانتخابات وأن يشاركوا فيها بعقلانية، ومن دون تهور وحماسة زائدة، أو من خلال فرض تصورات ضيقة لا تدرك التحديات المفروضة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية في الولايات المتحدة بعدما وصلت تأثيرات ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى مستويات غير مسبوقة، تنذر بالخطر.
لقد سمعنا عن بعض الحالات التي دعا خلالها بعض النشطاء إلى المشاركة الفعالة في العمليات الانتخابية والتصويت لصالح المرشحين المسلمين(!) دون أن يدركوا مغبة مثل هذه التصريحات، خاصة في هذه الأوقات الحرجة التي لا يتورع فيها الكثيرون عن تقديمنا كمجتمع منعزل يريد فرض قوانينه وثقافته الخاصة. وفي هذه المناسبة نرى أنه من الضروري التذكير بأننا نعيش ضمن المجتمع الأميركي الكبير، ولا بد بالتالي من الأخذ بعين الاعتبار خصائص هذا المجتمع ومزاجه الثقافي والديني. إذا كان البعض منا يدعو الناخبين للتصويت فقط لهؤلاء المرشحين المسلمين، فلماذا نتوقع من الآخرين -من الأديان الأخرى- أن يصوتوا لمرشحينا؟ لا شك أن مثل هذه الخطابات هي خطابات قاصرة النظر، ولا تدرك أننا نعيش في مجتمع متعدد الأديان والثقافات، وأن من مصلحتنا في نهاية الأمر أن نصوّت للمرشحين المؤهلين والكفوئين الذين يتفهمون قضايانا وحساسياتنا الثقافية، وذلك بغض النظر عن انتمائهم الديني أو الإثني.
يوم الثلاثاء، 8 نوفمبر، هو يوم حاسم ليس فقط لناحية الانتخابات المحلية وحجم مشاركتنا فيها، وإنما أيضا لناحية اختيار المرشحين الذين يستحقون ثقتنا وأصواتنا، لأن ذلك سيكشف -عبر طريق جانبية- عن فهمنا لأهمية الانتخابات وطبيعة وجودنا ضمن المجتمع الأميركي الكبير!
وعلاوة على ذلك، عندما يصوّت العرب الأميركيون بأعداد كبيرة فإنهم بذلك يرفعون من شأن الجالية العربية ودورها ككتلة انتخابية وازنة ومتنامية سيكون لها تأثير متصاعد في حسابات المرشحين السياسيين.
ولعل القراء يدركون أن جهود حملة كلينتون الكثيفة للوصول إلى الصوت العربي الانتخابي جاءت كنتيجة لإدراكها أن تجاهلها لذلك الصوت في الانتخابات التمهيدية قد تسبب بخسارة وزيرة الخارجية السابقة.
وقد يجد بعض المواطنين أن الحملات الانتخابية التي تستخدم الفضائح والشتائم غير مشجعة محليا ووطنيا، ومعهم كل الحق في ذلك. فالتصويت هو دليل على الرقي والكياسة، وأكثر من ذلك هو طريقة حضارية لمواجهة الحملات الانتخابية الرخيصة. وبالتالي فإن إيصال الرسائل -على تنوعها- لا يكون عبر الإحجام عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وإنما على العكس من ذلك، عبر الإصرار في الذهاب إلى مراكز الاقتراع، فجاليتنا تكبر باضطراد ولا بد لصناديق الاقتراع أن تعكس نمونا السكاني ودورنا الاقتصادي وخصوصيتنا الثقافية.
لقد أعلنت «صدى الوطن»، الأسبوع الماضي، عن دعمها 27 مرشحاً لكافة السباقات القضائية والإدارية والتشريعية (انظر الصفحة ١٣ في القسم الإنكليزي والصفحة 7 في القسم العربي)، وارتأت للمرة الأولى منذ تأسيسها عدم دعم أي من المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة، ولكن هذا لا يعني أننا غير معنيين بالتصويت لصالح أحد مرشحي الرئاسة في هذا السباق الذي يبدو تاريخيا ومصيرياً بسبب تناقضاته ودراماتيكته، وإذا كان الكثيرون ومنهم الرئيس باراك أوباما يرون في المرشح الجمهوري دونالد ترامب خطراً على مصير البلاد، فإن كلينتون بفسادها السياسي وفشلها الإداري ليست الخيار المثالي لسدة الرئاسة في البيت الأبيض.
السباقات الأخرى أيضاً لا تقل أهمية بما في ذلك مقعد ديربورن في مجلس نواب ولاية ميشيغن، فمع أن «الدائرة ١٥» شبه محسومة تقليدياً للديمقراطيين، فعلى العرب الأميركيين أن يتوافدوا بكثافة على مراكز الاقتراع والتصويت بكثافة لصالح المرشح عبد الله حمود، ليس فقط لأنه عربي، بل لأنه المرشح الأكفأ والأكثر تأهيلا لتمثيل المدينة تحت قبة الكابيتول مقارنة بمنافسه الجمهوري المصارع «راينو»! وكذلك التصويت لصالح المرشحين لعضوية مجلس ديربورن التربوي، المحامية فدوى حمود والناشط حسين بري لما يتمتعان به من كفاءة تؤهلهما للعمل على رفع مستوى المدارس العامة في عاصمة العرب الأميركيين.
كما ندعو الناخبين في المدينة إلى التصويت للمحامي جين هانت لشغل منصب قاضٍ في المحكمة ١٩ لما يتصف به من خبرة طويلة وسمعة طيبة في أوساط الجالية العربية.
ومرة أخرى، نؤكد على أن قناعاتنا الانتخابية لا يجب أن تبنى على حسابات أو تحيزات عرقية أو دينية، فنحن لا نعيش في جزيرة معزولة، وإنما ضمن محيط لنا فيه الكثير من الأصدقاء -من الإثنيات وأتباع الأديان الأخرى- الذين وقفوا إلى جانبنا في المحن التي واجهتنا والعواصف التي هبت علينا.
إن دعم أي مرشح عربي لمجرد أنه عربي يضر بصورتنا ومصالحنا، وكذلك تصويتنا لأي مرشح مسلم لمجرد أنه مسلم سيضر بصورتنا ومصالحنا، وإن النقطة الحاسمة تكمن في تصويتنا للمرشح صاحب الخبرة والكفاءة ممن يتفهم واقعنا وهواجسنا ومصالحنا ومستقبل أبنائنا.
لقد شجعنا – في «صدى الوطن» العرب الأميركيين دائما على الانخراط في المعتركات السياسية -ترشيحاً وتصويتاً- ويمكننا القول بكل تواضع أننا نجحنا في تلك المهمة إلى حد كبير، ولكننا نؤكد اليوم أن المشاركة الفعالة بناء على الكفاءة والخبرة والمؤهلات تعكس فهمنا الحضاري وعدالتنا الشخصية واحترامنا لأصواتنا. صحيح أن للعرب الأميركيين مصالح وحساسيات خاصة، لكن المرشحين المؤهلين لخدمة مجتمعنا هم الأجدر بتولي المسوؤليات والمناصب بغض النظر عن أعراقهم وأديانهم.
في النهاية، هذا رأينا، ولكم آراؤكم التي نقدر ونحترم، ولكننا ندعوكم في كل الأحول إلى التصويت بكثافة في 8 نوفمبر للمرشحين المؤهلين لنيل ثقتكم!
Leave a Reply