سامر حجازي – «صدى الوطن»
لم تظن رولا طه، وهي أم عربية أميركية تسكن في مدينة نورثفيل في ولاية ميشيغن، ولا لوهلة واحدة، أن رحلتها العائلية الثانية الى لبنان في حزيران (يونيو) الماضي برفقة زوجها وولديها، والتي كان من المفروض أن تدوم ١٧ يوماً فقط، قد تتحول الى كابوس مستمر نتيجة انقلاب زوجها عليها وسلبها ولديها في لبنان تاركاً إياها بلا حيلة ولا قوة ولا مال.
رولا التي نجحت في العودة الى الولايات المتحدة بعد تسللها بشكل غير قانوني الى خارج لبنان، عقب منعها من السفر بقرار من زوجها وفق ما تسمح به القوانين اللبنانية، هي اليوم في منزلها في ميشيغن حيث تتعاون مع السلطات الأمنية والحكومية لاسترجاع طفليها، حسين مانويل طه البالغ من العمر ٨ سنوات وحسن مانويل طه وعمره ٦ سنوات.
بعد عودتها تقدمت رولا بدعوى الطلاق من زوجها، الطبيب مانويل طه، وهو اختصاصي أشعة ومدير طبي، موجهةً له تهمة «الخطف الدولي». وبحصولها عليه مُنِحَت رولا حق الحضانة الكاملة لطفليها وملكية عقارين لهما في كانتون ونورثفيل. لكن قرارات المحكمة الصادرة لصالحها وكل أموال زوجها يبدو انها لن تقدم ولن تؤخر في الأزمة النفسية التي تعيشها نتيجة البعد عن طفليها وقلقها الدائم عليهما. فزوجها لا يزال متوارياً عن الأنظار مع الطفلين وبمساعدة من أعضاء في أسرته، كما تقول رولا.
قصة الزوجين تعود للعام ٢٠٠٧، حين التقى الشريكان لأول في مستشفى «هنري فورد» حيث كان والد رولا يتعالج هناك وكان مانويل طه اختصاصي الأشعة المٌعالج له. فأحبا بعضهما من اول نظرة وعقدا خطوبتهما بعد ايامٍ من لقائهما الأول قبل أن يتزوجا وينتقلاً للعيش في بلدة كانتون ثم نورثفيل لاحقاً.
وتصف رولا السنوات الاولى من زواجها من الدكتور الثري بأنها كانت سعيدة. وبينما كان مانويل منغمساً في عمله، كانت رولا مشغولة بعملها أيضاً كمختصة نفسية، ثم قررت لاحقاً تكريس وقتها لتربية طفليها.
إنذار أول
في العام الماضي، قرر الزوجان السفر في إجازة عائلية الى لبنان لقضاء ستة أشهر هناك. وخلال وجودهما هناك -تقول رولا- إن زوجها قام بإخفاء جوازات السفر الخاصة بها وبابنيها، وتوجه من دون إعلامها الى أميركا تاركاً إياها في لبنان مع ولديهما، فـ«كانت هذه المرَّة الاولى التي أظهر فيها خداعه».
«لقد كنَّا جداً سعداء، لكن عائلته لعبت بعقله»، تقول رولا، وتابعت ان خلافاً وقع بينهما حول المصاريف فما كان منه إلا أن «عاد الى الولايات المتحدة حيث بقي ٤٠ يوماً واستعان بأصدقائه للحصول على قرضين عقاريين غير قانونيين، بصفة رجل أعزب، ثم قام بتحويل الأموال إلى لبنان و«هذا كان مؤشراً أحمر بالنسبة لي».
ولأن رولا وطفليها مواطنون أميركيون لجأت الى السفارة الاميركية في بيروت وحصلت منها على جوازات مؤقتة سمحت لهم بمغادرة لبنان عائدين الى أميركا. وقد وطئوا الأراضي الاميركية بداية هذا العام.
وفي ميشيغن اكتشفت رولا أن زوجها «لم يكن صادقاً حيال جوانب عديدة» من حياتهما، منها ان زوجها كان يجني أموالاً طائلة اكثر بكثير مما كانت تتخيل وذلك بعد اطلاعها على وثائق تظهر تحويلات مالية بملايين الدولارات ارسلها الى أهله في لبنان كما أنها وجدت على هاتفه الجوَّال تطبيقاً لموقع مواعدة مما حملها على الاعتقاد بأنه كان يخونها.
فرصة ثانية
رغم ذلك أرادت، حسب قولها، ان تمنح زواجها فرصة ثانية وذلك رفقة بولديها اللذين كانا يرجونها للبقاء «مع البابا». وساعدها على اتخاذ هذا القرار ان زوجها اقسم يميناً معظماً بانه لن يقوم بأية ألاعيب أخرى ووعد أن يبقيها وطفليها في سعادة دائمة.
وهكذا عادت الأمور الى مجاريها ووافقت رولا على العودة الى لبنان مرة ثانية خلال الصيف الذي مضى، لقضاء ١٧ يوماً في عطلة عائلية.
«ذهبت مرة ثانية الى لبنان لأني أردت أن افسح المجال لتسوية زواجنا وإعادة بناء الثقة بيننا»، وتضيف «لقد حاولت فعلاً أن أنقذ هذا الزواج وأجعله يتجدد ولكني لم أتوقع منه ان يفعل هذا لأني اعتقدت انه إنسان مهني ومثقف ولديه الكثير ليخسره بفعلته هذه».
ولكن كما بينت الأيام كان ظن رولا خاطئاً وأن مانويل كان يحضر للقيام بفعلته الكبرى. فبعد مرور ١٣ يوماً من رحلتها الثانية الى لبنان، خلال شهر رمضان الماضي، فطرت العائلة معاً كالعادة مثل كل مساء، ثم ذهبت رولا لزيارة جارتها لاحتساء فنجان من القهوة، ولكنها عندما عادت الى المنزل لم تجد أثراً لمانويل ولا للطفلين.
عندما أدركت رولا الموقف أصيبت بصدمة كبيرة واردفت «عدت الى البيت.. لم يكن موجوداً وكذلك الأولاد.. أخذ كل الثياب والحقائب واختفى، فما كان مني الا ان هرعت الى منزل أهله لكنهم لم يعيروني اهتماماً وانا ليس لدي عائلة في لبنان».
وتزعم رولا أن زوجها قطع الكهرباء والماء عن البيت الذي كانوا يسكنوه معاً ولم يكن لديها حتى هاتف جوال ولا سيارة ولا مال. وعندما حاولت مغادرة لبنان أبلغت انها قيد المنع من السفر وأمرت بالمثول امام قاض تعرف أن له صلات مع زوجها. واستطردت ان القاضي ظل يماطل في قضيتها عبر تأجيل مواعيد المحكمة التي كان عليها أن تحضرها، زاعمة بأن زوجها رشا القاضي بمبلغ ٤٠ ألف دولار لإبقائها في لبنان لأطول مدة ممكنة.
ضاقت السبل في وجه رولا -على حد قولها- فقامت باقتراض المال من الجيران وبعض الأصدقاء، فتمكنت من توكيل محام رفع شكوى الخطف ضد زوجها. وبعد أسابيع من الصمت المطبق، تواصلت عائلة مانويل معها عبر البريد الالكتروني ليهددوها بعدم رؤية طفليها ابداً بعد اليوم اذا لم تُسقِط الدعوى.
وبعد مكوثها عدة أشهر في لبنان من دون احراز تقدم في قضيتها قررت رولا الهرب، فحصلت على هوية مزورة ولبست النقاب وتسلّلت الى خارج لبنان عبر الحدود السورية.
أريد أطفالي
في ٢٣ تشرين الاول (أكتوبر) الماضي وصلت رولا الى ميشيغن وقامت فوراً بتقديم شكوى ضد مانويل بتهمة الخطف الدولي، وقد قامت المؤسسة الطبية التي يعمل بها الزوج بتسريحه من وظيفته معللة ذلك بخرقه لعقد العمل.
وخلصت رولا الى القول إنها لم تحصل على أية أموال تعود لزوجها السابق ما عدا المنزلين (وكلاهما مملوكان للبنك)، مؤكدة أن المال لا يهمها بقدر ما يهمها مصلحة ولديها اللذين يشغلان تفكيرها وهي لم ترهما ولم تتحدث معهما منذ أربعة أشهر.
وتابعت «لقد كنت الراعية والحاضنة الاساسية لهما. ابني الأصغر كان ينام بقربي منذ ولادته. وكلاهما لا يحبان العيش في لبنان، انه بلد خطير وغير مستقر وانا قلقة عليهما من غسل الدماغ».
وأكدت رولا انها تتواصل مع عضو مجلس النوَّاب الاميركية ديبي دينغل ومع قسم الخطف الدولي التابع لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لاستعادة ابنيها. وقد أنهت رولا قصتها المحزنة لـ«صدى الوطن» بالتشديد على أن هدفها هو استعادة ولديها، «أنا لا ّأريد أن أؤذي زوجي ولا أريد ماله. فقط أريد اعادة طفلي إليّ».
خطف دولي أم نزاع على حضانة؟
تعليقاً على ملف قضية رولا طه، قال قنصل لبنان العام في ديترويت، بلال قبلان، إنه على علم بالأمر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن مكتب القنصلية لم يتلق أية شكوى رسمية منها، ولكنها تقدمت ببعض الوثائق التي تثبت علاقتها بزوجها، بحسب قبلان الذي أشار الى أن السيدة طه وكّلت محامياً عنها في لبنان لمتابعة القضية.
ولفت القنصل اللبناني العام الى أن الأحكام في القضايا المماثلة تتوقف على الجنسية التي يحملها الأطفال وعلى المكان الذي خطفوا فيه بعيداً عن ذويهم.
وأكد قبلان أن القوانين اللبنانية لا تعتبر ما قام به الزوج جريمة خطف بل نزاعاً حول حضانة الأولاد، بغض النظر عن التهم الموجه له في الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً الى أن القوانين اللبنانية تمنح الأب حق حضانة الأطفال.
وأضاف القنصل أنه يمكن اعتبار ما أقدم عليه الأب جريمة خطف في حال قام بأخذ الأولاد من أميركا من دون موافقة الأم.
ومن جانبها، قالت المحامية منى فضل الله إن الجاليات العربية والهندية في منطقة ديترويت غالباً ما تشهد قضايا مماثلة، ولا يمكن بسهولة إعادة الأطفال من البلدان العربية أو الهند الى الولايات المتحدة لأن دول الشرق الأوسط عموماً والهند كذلك غير موقعة على معاهدة «هايغ» الخاصة بإرجاع الأطفال المخطوفين الى ذويهم.
Leave a Reply