مريم شهاب
لي صديقة ذكية جداً، عكسي تماماً، أنا التي تنتمي إلى أمة الغباء. ذهبت لأزورها، فوجدت زوجها جالساً إلى طاولة واسعة، ممعناً النظر إلى أمامه، مهتماً ناصباً أذنيه محركاً إحدى يديه، فظننت أنَّه يكتب على «الآي باد» مقالاً، مثل بعض المقالات الهزيلة التي تضيِّع وقتك عند قراءتها، يدوِّن به رأياً يراه في تصريح فصيح لأحد «الناشطين»، أدلى به شتماً لأحد خصومه «السياسيين» كما يحدث يومياً في أيامنا هذه بين المتنافسين في خدمة الناس في الوطن الأم وسائر المهجر.
ولكن سرعان ما خاب ظنِّي، عندما دنوت منه فرأيته ينقِّي أوراق الملوخية ويقشِّر الثوم ويفرم الكزبرة للطبخ، فقلت له: لا علم لي أن عزيزتي مهى مسافرة، مما يضطرك أن تطبخ ملوخية وتعد طعامك بنفسك! فقال: لا، لم تسافر، إنها هنا. فقلت: وأين هي؟ هل هي مريضة ترتاح في سريرها؟ قال: هي في اجتماع نسائي مع زميلات لها لمناقشة دعم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وتمكينها للوصول إلى البيت الأبيض. هذا إلى جانب مشاركتها في نقاشات إذاعية كثيرة ومناظرات «فيسبوكية» يتداول فيها ديوك التطور ودجاجات التقدم حقوق المرأة وما تلاها من انفعالات وتأويلات جاد بها الناشطون السياسيون في صف السيدة كلينتون والمرأة عموماً.
وفيما كنت أشجعه وأشكره على إتقانه للأعمال المنزلية، حتى يفسح في المجال أمام زوجته مهى لحضور الحفلات والصبحيات والسهريات الانتخابية وهي بكامل أناقتها ومكياجها مع زميلاتها الستات، لتكون صورهن مشرقة على «فيسبوك» و«انستاغرام» و«بنت جبيل دوت أورغ»، أطلَّت صديقتي الذكية وفي يدها سيجارة وفي اليد الأخرى «الآي فون»، وعلى جسدها الممشوق فستان يرتفع عن ركبتها أكثر من شبر. فسلَّمت وتكلمت وضحكت والتفتت إلى زوجها وكأنها تأمره بأن يواصل عمله لإعداد الطعام من دون الإهتمام بما سوف نتحدث به -هي وأنا- لأن موضوع الحديث فوق ما تتسع له مداركه، فسمع وأطاع.
تفاءلت مهى بوصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا في جمهورية لبنان الكبير، لأنه صبَرَ وظفر، وهذا ما تتوقعه لهيلاري كلينتون التي سبق وترشحت للرئاسة من قبل في سنة 2008.
دار حديثي مع مهى، بأن مسألة الرئاسة ليست منافسة بين الرجل والمرأة، المهم هو من الأكفأ والمستعد لخدمة الناس. والتاريخ يحدثنا حين تكثر الصفقات والسرقات والفضائح والقبائح والضرائب النازلة على نافوخ الشعب، تُخترع المناسبات الملائمة للإلهاء والتغطية وصرف اهتمام المواطن من جهة إلى جهة أخرى تشغل الناس وتلهيهم عن تلك الويلات إلى حين.
وهذا ما نراه ونسمعه الآن، بدل التركيز عن المرشح الأكفأ للرئاسة والقيادة، تنهال علينا وسائل الإعلام ليل نهار عن فضائح ونقائص المرشحين. ونحن الشرق أوسطيون نصفق ونطبل دون أن نعي إننا سنبكي في الحالتين، سواء فازت كلينتون أو فاز ترامب.
في النهاية تفاجأت مهى عندما قلت لها أنني سوف انتخب ترامب. وبصوتها العالي صاحت: إنه مجنون! فأجبتها، لا بأس لنأخذ الحكمة من أفواه المجانين. ومن هو العاقل في هذا الزمن؟ أربع سنوات وتمضي، أما السيدة كلينتون فهي منذ ولاية زوجها السيد بيل كلينتون وهي تحكمنا، وآن لها أن تتقاعد وترتاح، وأن يتعلم زوجها بيل أصول تنقية أوراق الملوخية.
Leave a Reply