زهراء فرحات – «صدى الوطن»
زواج الأقارب –وخصوصاً أبناء الأعمام والعمات وأبناء الأخوال والخالات– كان سائداً في بلادنا العربية وما يزال، وَإِنْ بوتيرة أقل.. في الآونة الأخيرة. وقد كان هذا الموضوع مثار جدل ونقاش في الأوساط الاجتماعية والدينية، وكذلك في الدوائر العلمية التي حذرت من تزواج ذوي القربى، لما له من تأثير سلبي على الصحة الجسدية والنفسية للأجنة والأطفال، ولذلك فقد حظرته الكثير من الدول في مختلف أنحاء العالم، وكانت الولايات المتحدة الأميركية من بينها. وقد واجه العرب الأميركيون هذه المشكلة المترتبة على منع الولايات المتحدة لزواج الأقارب، لاسيما وأنه كان مقبولا ومفضلا في الكثير من المجتمعات العربية. ولكن.. ما هو رأي الجيل الجديد من العرب الأميركيين بهذا النوع من الزيجات التي غالبا ما تعقد تحصيلا لترتيبات عائلية معروفة، ثم ما هو رأي الشرع الإسلامي، وكذلك الديانة المسيحية في هذه المسألة الاجتماعية الأسرية الهامة؟
إن زواج أبناء العمومة والخؤولة مقبول ومرغوب بحسب التقاليد والأعراف الاجتماعية في العالم العربي، فهو لا يتعارض مع المنظومة الثقافية ولا مع الأحكام الدينية. ولكن مع ذلك، فقد باتت الأجيال الجديدة من العرب الأميركيين تعزف عنه تأثراً بالقيم والأعراف السائدة في وطنهم الجديد.
ولا شك أن العرب الأميركيين يحاولون التأقلم مع عالمين مختلفين وثقافتين متباينتين عبر التوفيق بين القيم والعادات التي تصل في بعض الأحيان إلى حد التناقض والتصادم. ولا شك أن ما خبروه من الثقافتين بإمكانه توضيح الصورة الكاملة وإيجاد أرضية مشتركة إزاء مختلف المواضيع والقضايا الاجتماعية، غير أن الجيل الجديد من العرب الأميركيين أخذ منحى أكثر قرباً للثقافة الأميركية في موضوع زواج أبناء العمومة حتى بات شباب الجالية ينبذون زواج الأقارب، بل حتى يتمردون عليه، مما يدفعهم الى الإعراض عن هذا التقليد الذي كان منتشرا على نطاق واسع حتى بين آبائهم وأمهاتهم، مخلفين وراءهم تاريخاً طويلاً وتقليداً عريقاً من هذا النوع من الزيجات.
طبقاً لبحث علمي، نشره المؤلفان ديان بول وهاميش سبنسر تحت عنوان «لا يهم، لسنا أبناء عمومة بصلة بالدم: الزواج بين أبناء العم وفق منظور تاريخي» فإن أبناء العمومة والخؤولة (من أبناء الجيل الأول) قد دأبوا على التزاوج فيما بينهم حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر في أوروبا وأميركا، كما أن تلك الزيجات كانت مفضلة جداً من قبل «النخبة»، إلا أنه وبعد الحرب الأهلية في الولايات المتحدة لم يعد متعارفا عليه ولا مقبولا به لدى الأميركيين كما كان عليه الحال في السابق.
وبحسب ما جاء في البحث فإنه «وخلافاً للأوضاع في بريطانيا وجزء كبير من أوروبا، فإن زواج أبناء العمومة والخؤولة (من الدرجة الأولى) في الولايات المتحدة لم يكن مرتبطاً بالنخبة الأرستقراطية ولا بالطبقة العليا المتوسطة، وإنما ارتبط بفئتي المهاجرين والفقراء الذين يعيشون في المناطق الريفية».
بين الحظر وتحذير العلم
وقد بدأت الولايات المتحدة بحظر زيجات الأقارب من الدرجة الأولى بعد الحرب الأهلية في محاولة لتحسين مستويات التعليم والصحة والأمن، وكانت ولاية كنساس في وسط البلاد هي السباقة إلى حظر زواج أبناء العمومة والخؤولة في الولايات المتحدة، حيث أقرت هذا الحظر في العام ١٨٥٨ وكانت الولاية الوحيدة التي تقدم على هذه الخطوة قبل اندلاع الحرب الأهلية الأميركية.
واليوم، لا يُسمَح لأبناء العمومة والخؤولة بالتزاوج في ولايات أركنسو وديلاوير وآيوا وأيداهو وكنساس وكنتاكي ولويزيانا وميشيغن ومينيسوتا وميزوري ومونتانا ونبراسكا ونيفادا ونيوهامبشر ونورث داكوتا وأوهايو وأوكلاهوما وأوريغون وبنسلفانيا وساوث داكوتا وتكساس وواشنطن وفيرجينيا الغربية.
ولكن لا يزال يسمح لهم بالتزاوج في 19 ولاية مع بعض القيود في ولايات معينة، هي أريزونا وإلينوي وإنديانا وماين ونورث كارولاينا ويوتا وويسكونسن.
ولا تفرض أي من هذه الولايات قيوداً على زواج أبناء العمومة والخؤولة، والأقارب من الدرجة الثانية والثالثة، في حين أن الحكومات في العالم العربي قد لا تحدد أية قيود على الزواج بين أبناء العمومة والخؤولة، إلا أن بعض الطوائف الدينية تقوم بفرض قواعد وأطر محددة.
ووفقا للأدلة العلمية، فهذا النوع من الزيجات قد يتسبب بولادة أطفال مشوهين خلقياً. وقد ناقشت الدكتورة حنان حمامي، وهي أستاذة في علم الوراثة البشرية –المرتبطة بقسم الطب الوراثي والتنمية في جامعة جنيف– هذه التشويهات في مقال لها، بعنوان «زيجات الأقارب» جاء فيه أن: «زواج الأقارب يساهم بزيادة خطر التشوهات الخلقية والأمراض الجسدية المتوارثة جينياً مع حدوث بعض الوفيات بعد الولادة في نسل أبناء العم المتزوجين، ولكن المعطيات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة، بحاجة إلى ضبطها بشكل جيد».
زواج الأقارب من المنظور الديني
الملل الإبراهيمية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، لا تحظر زواج الأقارب، غير أن الكثير من المسلمين يرتبطون من خلال هذا النوع من الزيجات، لذلك يعتقد الكثير من الأميركيين عموماً بأن هذا الزواج هو فقط المقبول به شرعاً لدى المسلمين، بحسب إحدى الصور النمطية السائدة عن الإسلام في الغرب.
«صدى الوطن» قامت باستفتاء رجال الدين المسلمين والمسيحيين حول هذا الموضوع، باعتبار أن غالبية العرب الأميركيين في مترو ديترويت هم من أتباع هاتين الديانتين، وذلك للاطلاع منهم على وجهة نظر الدين عندما يتعلق الأمر بالزواج من أبناء وبنات العم.
والبداية كانت مع السيِّد إبراهيم صالح –مفتي ميشيغن الجعفري المعيَّن من قبل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأحد الأئمة في المركز الإسلامي في أميركا– الذي ذكر أنَّ «زواج الأقارب غير مُفضَّل حسب الأحاديث الشريفة، ولكنه ليس محظوراً أيضاً».
وأوضح «أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حث في –حديث نبوي– المسلمين على تفادي الزواج بين الأقارب المتصلين بصلة بالدم لأنه يضعف الجنين، وهو ما أكدته الدراسات العلمية الحديثة».
من ناحيته، أكد الشيخ إبراهيم ياسين أن زواج أبناء العمومة والخؤولة ليس ممنوعاً في الإسلام، لكنه لا يذكر أن زوجين من العرب الأميركيين صدف أنهما قريبان من الدرجة الأولى قد أتيا إلى المركز لعقد قرانهما.
وقال إن الاكتشافات العلمية والانفتاحات الثقافية قد لعبت دوراً في تبديل وجهات النظر حول الموضوع وأن العرب الأميركيين يتبعون هذا العرف أقل من ذي قبل لكونهم قد نشأوا في بيئة ثقافية مختلفة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى «فإن بعض العيوب الخلقية التي أصابت أولاد الأقارب المتزوجين قد أخافت طالبي القرب وحملتهم على الابتعاد عن هذا النوع من الزواج».
ووفقاً للقس بوب مور، وهو من الكنيسة المعمدانية في مدينة ألن بارك، فإن الكتاب المقدس أيضاً لا يحظر الزواج بين أبناء العم «ولكن في حين أن الكتاب المقدس لا يحظر هذه الزيجات، إلا أن فهمي الخاص هو أن الروم الكاثوليك ممنوعون من الزواج من أقاربهم الذين تربطهم صلة الدم وفقاً لحكم بابوي».
كما أكد راعي كاتدرائية «سانت ماري» في مدينة ليفونيا الأب جورج شلهوب «أنه منذ حوالي عام 1920، أصدرت الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية أحكاماً ضد زواج أبناء العمومة والخؤولة الذي يتسبب بحسب الأدلة العلمية بعيوب وتشوهات خلقية في ذريتهم».
وأضاف بالقول «الزواج بين أبناء العم من الدرجة الثانية أو الثالثة مسموح به… ولكنني لا أنصح به أيضاً».
وأشار إلى «أنَّ المهاجرين القادمين إلى بلد جديد عادة لا يعرفون أشخاصاً غير أفراد أسرهم وأقاربهم، ولذلك يرغبون في الزواج من أبناء عمومتهم، إلا أن الجيل الجديد من العرب الذين ترعرعوا في أميركا ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف، ولأنهم يعيشون في بيئة ثقافية مختلفة، فإنهم ينظرون الى أبناء عمومتهم كأخوة وأخوات، وحسب تجربتي فإنني لم أرَ حدوث زواج بين أقارب من الجيل الثاني أو الثالث، والله أعلم، ربما منذ 30 عاماً».
تحديات ثقافية
إن أعدادا لا تحصى من العرب في البلدان العربية يتتبعون أخبار أبناء عمومتهم من العرب الأميركيين وذلك بغرض التعرف عليهم ثم احتمال الزواج بهم، لأسباب متعددة يأتي في مقدمتها رغبتهم بالحصول على الجنسية الأميركية والانتقال للعيش في الولايات المتحدة، لكن هذا الاهتمام غالباً ما يصطدم باختلاف الثقافة حيث لا يُظهِر الشباب العربي الأميركي أي إهتمام بالتقرب من أبناء جلدتهم المرتبطين معهم بصلة الدم، إلا في حال رغبتهم بالزواج من امرأة تربت على القيم في الوطن الأم لعدم رضاهم عن طريقة تنشئة الفتاة الأميركية فيلجأون الى الزواج من قريباتهم لمعرفتهم بتربيتهن. غير أن هذه الرغبة لا تبدو سائدة بين الشباب العربي المولود في الولايات المتحدة.
إحدى الفتيات العربيات الأميركيات (22 عاماً)، تحدثت لـ«صدى الوطن» عن تجربة زيارتها لأول مرة إلى الشرق الأوسط، وقالت الفتاة التي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها: «أسرَّ لي عمي عن نيته التقدم من والدي بطلب يدي لابنه، فشعرت بعدم الارتياح من فكرة الاقتران من أحد الأقارب ولم أكن أعتقد أن هذا ممكن الحدوث، وكنت أعرف أن والدي لم يكن ليوافق على أية حال، لأن طالب القرب هو إبن عمي».
وشككت في أن دوافع عمها وراء ذلك الزواج «هو ربَّما تحصيل ابنه للجنسية الأميركية. وقد حاول والدي تجاهل الطلب، ولكن أصبح التصدِّي للموضوع أمراً لا مفر منه نظراً لأن ابن عمي بدأ يلح في كل مرة على أبي بطلب موعد لزيارته».
وقالت الشابة «إنه لأمر مثير للسخرية مجرد التفكير بأن ليس في نيته الحصول على الجنسية الأميركية»، «فهذا ما يدفع معظم الشباب في الشرق الأوسط للتفكير بالزواج من مواطنة أميركية».
وأضافت «إن الأسر القريبة تزاوجت فيما بينها في الماضي البعيد بسبب القيم المشتركة وتقاسم الموارد المادية بينها لأنها أرادت توريث أموالها وأرزاقها إلى الأجيال اللاحقة، وبرأيي، فإن الحفاظ على الخط العائلي والنسب لدى تلك العائلات كان له علاقة أكثر بالماديات والمصالح، إذا جاز التعبير، وليس بسبب منع الغرباء من تشتيت الأسرة».
وأكدت أن مفهومها حول الزواج –بالنسبة لها ولأبناء جيلها– «يختلف عن مفهوم آبائنا وأجدادانا، فنحن نرى الزواج كرابط بين شخصين وأغلبية المتزوجين في العصر الحديث يعملون معاً لإعالة أسرهم، أما سابقاً فالزيجات كانت تقوم على معيل واحد وربة منزل فقط».
سميرة، وهي شابة عربية أميركية أخرى عمرها 25 سنة، فضلت عدم ذكر اسم عائلتها، أعربت عن رفضها لفكرة الزواج من ابن عمها، وقالت: «في الغالب، أبناء العمومة الذين يتزوجون من بعضهم البعض، معظمهم من الوطن الأم وزيجاتهم تمت بترتيب مسبق بين الأهل وأنا ضد هذه الطريقة تماماً».
وأشارت إلى أن العديد من خالاتها وعماتها وأعمامها تزوجوا من أبناء عمومتهم، «وأن بعض الأطفال ولدوا مشوهين بسبب ذلك».
وأضافت «معظم تلك الزيجات كانت مدبرة مسبقاً من قبل الأهل ولَم تكن ناجمة عن حب. بهذا العمل أنت لا تسمح بالدم والنسب أن يتوسع ويمتد إلى أسر أخرى، وبدلاً من ذلك تبقيه داخل العائلة، وهذا غير صحيح».
وختمت سميرة بالقول « شباب الجالية في الوقت الحاضر أصبحوا أكثر ليبرالية وأمام العرب الأميركيين المزيد من الفرص للزواج خارج نطاق أسرهم.. لقد أصبحنا ننظر الى أبناء عمومتنا وكأنهم أشقاؤنا وشقيقاتنا».
Leave a Reply