زهراء فرحات – «صدى الوطن»
حتى يومنا هذا، ما يزال بعض الآباء والأمهات في الجالية العربية الأميركية يعتبرون الحديث عن الأمراض النفسية والعقلية وكأنها نوع من المحرمات (تابو) ويتعاملون مع العلامات التي تدل عليها عند الأطفال وكأنها أعراض طارئة سوف تزول بمجرد تجاهلها ومرور الوقت.
ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟
الإجابة عن ذلك هي أن النتائج المترتبة على عاتق الآباء بسبب عدم التدقيق في سلوك أطفالهم وعواطفهم وقدراتهم العقلية عند ملاحظتهم لأعراض غير طبيعية تبدو عليهم، يمكن أن يتسبب بالمزيد من الضرر لمستقبل الطفل بشكل أكثر مما يُتوقع.
وفي هذا السياق، تساءلت الطبيبة النفسية هدى أمين (التي تعمل مع مركز «أبيكس» للصحة السلوكية Apex Behavioral Health Western Wayne: إذا كان الأهالي يعتقدون أن الحديث والاعتراف بإصابة أولادهم بأمراض نفسية وعقلية هو من المحرمات، فهل هذا هو التصرف السليم؟ أليس من الأفضل لهم أن يأخذوا بأيدي أطفالهم إلى برّ الأمان؟
وتضيف أمين في هذا السياق أن معظم الآباء والأمهات في الجالية العربية لا يمكنهم تمييز أعراض اعتلال الصحة العقلية لدى الأطفال وغالباً ما يظنون أنهم يعانون من مشكلة بدنية. وأضافت «إذا مر أطفالهم بنوع من الأرق والاكتئاب أو القلق، فإن أول شيء يتبادر إلى أذهانهم هو أن أطفالهم يعانون من مشكلة جسدية، وبمجرد ما يستبعد الطبيب ذلك ويحيل الطفل لرؤية طبيب نفسي، هنا أظهر أنا في الصورة».
وتقول أمين إنها بعد إجراء التقييم يمكنها التوصل الى تحديد بعض المشاكل التي يعاني منها الطفل.
وتشير إلى أنه في بعض الأحيان يخفف الآباء من حجم المشكلة ويتنكرون لحقيقة أن طفلهم بحاجة إلى مساعدة لأنهم يخشون على سمعة العائلة، ولهذا فإنهم يعتصمون بالنكران التام.
تساؤل صحي
من ناحيتها، قالت زينب بوصي، وهي مالكة وعاملة اجتماعية في عيادة «كلاريتي» Clarity Therapy للصحة النفسية بمدينة ديربورن: إن الأعراض النفسية عند الأولاد يمكن أن تكون مجرد حالة مرحلية يمرّ بها الأطفال، لكن ليس عندما تكون تلك الأعراض بالغة التأثير على حياتهم اليومية.
وأضافت الأخصائية الاجتماعية المجازة في العلاج النفسي العيادي، «نعم، قد تكون مجرد مرحلة عابرة، وبشكل عام.. فإن الأطفال بطبعهم مرنون وقادرون على التعامل مع المهارات التي لديهم. ومع ذلك، إذا كان ذلك يؤثر على أدائهم اليومي، يمكن بعد ذلك أن يؤدي هذا إلى مشاكل أكثر خطورة لاحقاً، مثل الاكتئاب والقلق وحتى الإنتحار».
وشجعت بوصي الآباء والأمهات على مواجهة مثل تلك الحالات، مؤكدة أن التساؤل فيما إذا كان طفلي بحاجة الى علاج نفسي، ليس تساؤلاً خاطئاً على الإطلاق. وأضافت أنه «في بعض الحالات، فإنه ليس من السهل معرفة الأسباب التي تدفع الأطفال إلى الانزواء فجأة، أو ما الذي يجعلهم يشعرون بالقلق والحزن أو البكاء، ولكن إذا كنت تشعر أن طفلك يتعرَّض لمشكلة عاطفية أو سلوكية أو يحتاج إلى مساعدة للتأقلم مع أحداث الحياة الصعبة، فكن شجاعاً واعرضه على الطبيب».
وأشارت إلى أن «العديد من الأطفال يعانون من التوتر، وهذا يمكن أن يكون صحياً إذا كان من النوع الذي يحافظ على تركيزهم، ولكن الكثير منه يمكن أن يكون عبئاً وضاغطاً، وبمقدور الآباء والأمهات رصد التوتر عند أبنائهم عن طريق مراقبة التغيرات السلبية في السلوك والتفاعل مع الآخرين، كظهور علامات اهتزاز الثقة بالنفس أو إذا استمروا بالشعور بالمرض».
قادرون ثقافياً
وفقاً لأمين وبوصي، يمكن أن تلعب الثقافة دوراً في قرارات الأهل العرب الأميركيين، وزادت أمين بالقول إن «بعض الآباء يريدون من المعالج أن يكون «قادرا ثقافياً» على فهم أسلوب حياة طفلهم وثقافته، وأحياناً حتى الخرافات والأساطير التي قد تكون مصدر خوفهم.
وكشفت بوصي أن الكثير من زبائنها يشعرون بالارتياح عندما يدركون أنها مطلعة على الثقافة العربية والأميركية «بما أنني تربيت في بيت مسلم عربي أميركي سمح لي هذا أن أقدر وأضع في اعتباري الجوانب الحساسة والصعبة أمام الذين يعيشون في بيئتين ثقافيتين متباينتين على ما يبدو.. وهذا يجلب الطمأنينة للكثير من زبائني وعائلاتهم».
وأكدت بوصي أيضاً أن الأطفال هم في حاجة إلى الوالدين، والى الدعم غير المادي. وقالت: «لا أحد يأخذ دور أحد الوالدين ويعرف خصوصيات وعموميات تربية الطفل.. إن تقديم الدعم هو أمر بالغ الأهمية في تربية الأطفال، وعندما أقول الدعم، فأنا لا أتحدث عن الدعم المادي، إن المال هو مجرد زينة في الحياة.. ادعموا أطفالكم عبر الاستماع إلى همومهم، ورعايتهم، وتقديم الدعم العاطفي لهم».
وبدورها، دعت أمين الآباء إلى الاهتمام بأطفاهم في سن مبكرة، والاطلاع عن كثب على بيئته المحيطة والأماكن التي يذهب اليها، وقالت إن هناك العديد من التأثيرات الخارجية التي تسبب مشاكل حقيقية للأطفال مثل ضغط الأقران والاصحاب وتحدي الاندماج بالمجموعة. محذرة من التأثير السلبي للألعاب الإلكترونية التي تقلل من حجم التفاعلات الأسرية والعائلية.
لذلك، تنصح أمين الأهل بوضع قواعد بشأن استخدامها كما تدعو الأمهات تحديداً الى التقرب من أبنائهن وعدم إخافتهم دائماً بالعقاب. وأضافت «الطفل يثق بأمه أكثر مما يثق بأبيه.. دعوهم يتحدثون إليكن، وإذا كانوا في ورطة ساعدوهم على الخروج منها.. إنهم بحاجة للشعور بالثقة، وهم بحاجة إلى أن يكونوا محبوبين من دون قيد أو شرط.. قد لا تروق لكم تصرفاتهم، ولكن لا تقولوا لهم إنكم لا تحبونهم».
وأوضحت أن أي نصيحة يعطيها الآباء لأبنائهم تجعلهم مسؤولين عنها، ولكنها في نفس الوقت، تضمن لهم حرية عدم التقيد بها دون أن يتعرضوا لأية ضغوط أو أضرار محتملة.
Leave a Reply