في عيد الشكر من كل عام تجتمع العائلات الأميركية لتناول وجبة الديك الرومي في تقليد سنوي يعكس امتنان الأميركيين بحصاد العام في هذا الوقت من الخريف. لكن طعم ديك العيد هذه المرة مختلف عن الأعياد السابقة، فهو لن يخلو من نكهة السياسة التي تحضر بقوة على المائدة الأكثر حميمية وشعبية في تقاليد الأميركيين. كيف لا والملياردير النيويوركي المثير للجدل دونالد ترامب قد أصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة.
طلاب عرب أميركيون يرحبون بموظفي الخدمات العامة في ديربورن هايتس خلال مأدبة عشاء أقامتها مدرسة «ستار أكاديمي» بمناسبة عيد الشكر .«صدى الوطن) |
وبالنسبة للمسلمين والعرب الأميركيين، الذين بدأت السياسة الأميركية تأخذ حيّزاً متزايداً من اهتماماتهم على وقع الصدمة الانتخابية الأخيرة التي هزت العالم ودبت القلق في نفوسهم، فهم بالتأكيد لن يكونوا بمعزل عن مناقشة نتائج السباق الرئاسي وانعكاساتها على مصيرهم في بلاد العم سام، حتى باتوا ينتظرون بفارغ الصبر انتقال السلطة إلى الرئيس المنتخب ليروا ما الذي ستؤول إليه أحوالهم على المستويين المحلي والوطني، بعد الشعارات المقلقة التي أطلقها ترامب بحقهم خلال السباق الانتخابي.
العرب والمسلمون ليسوا الأقلية الوحيدة المتوجسة في هذه المعمعة، فالكثيرون من أصدقائنا وجيراننا في المجتمعات المحيطة ينتابهم القلق مما سيحمله قادم الأيام.
المهاجرون والملونون وأبناء الأقليات الدينية والعرقية المتنوعة التي تشكل النسيج الأميركي الذي نفخر به، جميعهم متوجسون من السيد الجديد للبيت الأبيض: هل يصدق ترامب ويكون رئيساً لكل الأميركيين أم يصدق الرئيس باراك أوباما حين حذر الأميركيين من انتخاب ترامب الذي وصفه بالتهديد الجدي لمصير الجمهورية؟.
هل يحافظ الأميركيون على التعايش السلمي الذي بتنا نعتبره من المسلمات هنا، رغم أنه ثروة أميركا الحقيقية التي من واجب جميع الأميركيين الحفاظ عليه، أم تفتح الساحة الأميركية مجدداً لمواجهات عنصرية بدوافع سياسية؟
هي أسئلة كبيرة لم نعتد على طرحها في وطننا الجديد الذي عبرنا البحار السبعة من أجل الاستقرار فيه بحثاً عن السلم والأمان وكرامة العيش. لكنها أسئلة مشروعة في أذهان الناس الذين باتوا يشعرون بأنهم مهددون في بلدهم ويحتاجون الى تطمينات جدية من ترامب وإدارته التي لا تبشر بعض الأسماء فيها بالخير.
رغم حراجة الموقف وضبابيته، لا يسعنا في هذه الأيام – بالتزامن مع الاحتفال بعيد الشكر الأميركي – إلا أن نعبر، كعرب ومسلمين أميركيين، عن خالص شكرنا وامتناننا لهذه الأرض التي احتضنتنا والقوانين التي تضبط حياتنا والدستور الذي يحمينا، والشعب المخلص للقيم التي أسست عليها الولايات المتحدة الأميركية، أرض الأحرار ووطن الشجعان.
نشكر الله لأننا نعيش في بلد يحترم الدستور والقوانين، لا كالبلاد التي تركناها خلف البحار حيث تتلاعب أمزجة الحكام بمصائر الشعوب. وإذا كان أحدنا غير راض عن نتيجة الانتخابات العامة، فيمكنه أن ينخرط بشكل أكثر فعالية في العملية الديمقراطية وآلياتها التي تضمن إحداث التغيير الحقيقي عبر صناديق الاقتراع لا في الشارع والتحريض العنصري.
علينا أن نكون شكورين لأننا نعيش في بلد ما يزال مرحباً بالمهاجرين وصديقاً لهم، بالرغم من كل الأصوات والمجموعات المعادية لهم، والتي ما تزال بالرغم من كل شي بؤرا معزولة في المجتمع الأميركي، فالولايات المتحدة ماتزال بلدا تحتضن جميع المهاجرين بغض النظر عن ألوانهم ومعتقداتهم بل هم عماد أساسي لنهضة وتطور هذا البلد العظيم. والمهاجرون هنا محميون بموجب الدستور الأميركي وتتوفر لديهم الموارد والإمكانيات التي تساعدهم على إدراك الفرص التي تمكنهم من تحقيق الحلم الأميركي بالعيش الهانئ.
علينا أن نشعر بالغبطة والامتنان، لاسيما هنا في مترو ديترويت، لأننا نعيش وسط العديد من المجتمعات المنفتحة والصديقة التي وقفت إلى جانبنا في الماضي عندما ثارت علينا أمواج الكراهية والإسلاموفوبيا غير المسبوقة.
في الأسبوع الماضي، وجهت حوالي 200 منظمة حقوقية ومدنية ودينية، رسالة مشتركة إلى الرئيس باراك أوباما تدعو فيها إدارته إلى إلغاء برنامج الأمن القومي NSEERS وهو نظام تسجيل للدخول والخروج أسفر عن العديد من الانتهاكات للحريات المدنية دون أن ينجح في التوصل الى إدانة ولو شخص واحد بالإرهاب.
وهذا البرنامج هو من البرامج الأمنية العديدة التي تستهدف المجتمعات العربية والإسلامية في أميركا الى جانب لوائح حظر الطيران ومراقبة الإرهاب وغيرها من الممارسات الأمنية التي تحتاج الى إيضاحات وإصلاحات.
علينا أن نكون شكورين أيضاً لأن التعديل الأول في الدستور الأميركي يحمي حقوقنا في التعبير عن غضبنا وفرحنا بكل حرية، وبدون أية رقابة، كما يضمن لنا حرية ممارسة معتقداتنا الدينية بلا خوف أو تحسب للعواقب التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة أو المجموعات المنظمة.
عيد الشكر ليس مجرد مناسبة للتعبير عن امتناننا لما نملك وحسب، بل هو مناسبة لتقديم المساعدة للمحتاجين أيضاً، ولهذا فإننا نثمن مبادرة الأفراد والمجموعات في جاليتنا الذين ينتهزون هذه المناسبة في كل عام لتقديم الأطعمة والملابس للمحتاجين وتوفير المأوى للمشردين. هؤلاء الذين وصفهم القرآن الكريم بالقول: «ويطعمون الطعام على حبه يتيماً ومسكيناً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً» (سورة الإنسان)
في عيد الشكر هذا، لنتوحد حول القيم والنعم التي نتشاركها، الحرية والبلد الذي اخترناه وطنا بديلا وعملنا معنا من أجل نماء أمتنا لكي تكون أميركا مكانا أفضل للجميع.
كل عيد شكر وجميع الأميركيين بألف خير!
Leave a Reply