عماد مرمل – «صدى الوطن»
تكثر المشاريع الانتخابية المقترحة في لبنان، ولكن لا تفاهم بعد، حول قانون يمكن أن تتم على أساسه الانتخابات النيابية، المقررة في مطلع الصيف المقبل، ما لم تخضع لتأجيل قسري.
هو حوار طرشان، يراوح مكانه، بفعل إصرار كل طرف أو زعيم على حماية مصالحه ومحاكاة هواجسه بالدرجة الأولى، سعياً إلى تأمين أفضل تمثيل له، وليس لمجموع الناس الذين يذهبون «فرق عملة» في صفقات انتخابية يجري تجميلها بإلباسها لبوس التسوية.
وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن جميع الأقطاب يتعاطون مع قانون الانتخاب باعتباره تحدياً وجودياً، يتوقف عليه المستقبل السياسي، ليس فقط لهم بل للابناء والأحفاد الذين يشكلون امتداداً لـ«الذرّية السياسية».
ولذلك لا يستسهل أحد تقديم تنازلات جوهرية في هذا الملف الذي يبدو أشد تعقيداً من انتخاب رئيس الجمهورية أو تشكيل الحكومة، لأن قانون الانتخاب يتعلق بتكوين السلطة من خلال مجلس النواب، خصوصاً أن النظام اللبناني المعتمد هو نظام برلماني.
النسبية الكاملة، الأكثري الشامل، المختلط على أنواعه، الدائرة الفردية.. كلها مشاريع طُرحت في التداول السياسي، من دون أن يتم تحقيق توافق وطني حول أي منها حتى الآن. ومع محاصرة قانون الانتخاب بين «المقاصة» و«المقص»، حاول الأمين العام لحركة «مواطنون ومواطنات في دولة» الوزير السابق شربل نحاس كسر هذه الدوامة، عبر اقتراح صيغة عابرة للطوائف ومعبّرة عنها في الوقت ذاته.
ونحاس الذي اختاره العماد ميشال عون وزيراً للعمل، في احدى الحكومات السابقة قبل أن يفترقا لاحقاً، هو من أشد المعارضين للطائفية وأكثر المتحمسين للدولة المدنية في لبنان، وبالتالي فإن مشروعه ينطلق من هذه المعادلة، إنما مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوصول إلى بناء تلك الدولة يقتضي المرور في مرحلة انتقالية.
جوهر المشروع
ما هو هذا المشروع الذي يعتبره نحاس انقاذياً؟
تنشر «صدى الوطن» في ما يلي أبرز محتوياته:
تم تأجيل الانتخابات النيابية مرتين. مرة بحجة وضع قانون عصري وعادل للانتخابات، لم يناقش في الواقع، ومرة بحجة أوضاع أمنية، لم تحل في الواقع دون إجراء الانتخابات البلدية ولا انتخابات نيابية فرعية في قضاء جزين. انتخابات 2009 كانت نتائجها مقررة في الدوحة، والأغلبية التي حصدتها «14 آذار» كان ثمنها حكومة الوحدة الوطنية. قبل ذلك، منذ سنة 1992 تحت الوصاية السورية، وحتى سنة 2005 ضمناً، مع الاتفاق الرباعي، كانت الانتخابات تأتي بعد تحديد نتائجها، فتقسم الدوائر وتؤلف اللوائح لتأمين تلك النتائج. بين سنتي 1978 و1992، حصل تمديد متدحرج للمجلس الذي انتخب سنة 1972، وأتى التعيين سنة 1990. قبل ذلك، كانت الأمور أرحم، إنما لم يغب تدخل المال والسفارات يوماً عن الانتخابات في لبنان.
عبر هذه الحِقب كلها تبرز نقطتان ثابتتان:
– أولاً، أن الناخبين يقترعون وفق إحصاء سنة 1932، في أقلام تفرزهم بحسب طوائفهم وعائلاتهم، ما يسمح بضبط سلوكهم الانتخابي بدقة عبر «المفاتيح الانتخابية» الحاضرين ضمن كل عائلة أو فرع منها، والساهرين لرصد أي شذوذ ضمن العائلة عن الولاء للزعيم الذين يرتبطون به وينتظمون ضمن «ماكينته الانتخابية»، فتتولد بنتيجة استخدام مزيج متقن من توزيع المنافع والقمع والتهديد، «قدرة الزعيم التجييرية» التي تخوله إنجاح «البوسطة» واختيار ركابها، من الأتباع أو الممولين.
– ثانياً، أن المقاعد موزعة على الطوائف، مع مساعي أقطاب السلطة لتعظيم مردود «قدراتهم التجييرية»، وشكوى الأطراف الأضعف من انتخاب نواب الطائفة من قبل ناخبي الطوائف الأخرى».
ينتهي الأمر بمجلس نيابي لا يضم فعلياً إلا ما بين خمسة وعشرة زعماء. وهؤلاء هم بالذات من يدّعون إقرار قانون عصري وعادل للانتخابات، وهم الذين يطالبهم حسنو النيات بذلك. كأنما هناك أصلاً شيء اسمه قانون عصري وعادل للانتخابات. فسواء في لبنان أو في أية دولة في العالم، الأنظمة الانتخابية هي أدوات في يد السلطة لتجديد نفسها وتكييف هيمنتها مع المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية والسياسية.
منذ سنة 2005، تم تقديم عشرات المقترحات لقوانين الانتخاب، وألفت لجان، واستدعي خبراء، وصرفت أموال غزيرة، وإنما لا قانون انتخابات ولا انتخابات أصلاً.
وترى «حركة مواطنون ومواطنات في دولة» أن من واجبها مواجهة هذا التحدي وأن تتقدم بتصور لنظام للانتخابات التشريعية، لا يقفز فوق وقائع الاجتماع والسلوك السياسيين في لبنان وكأنها لم تكن، إنما يرسي أسس مستقبل سياسي للدولة اللبنانية يعزز مكانة مواطنيها ومواطناتها في حقهم بالعيش الكريم في دولتهم، وبالتالي يقترح على اللبنانيين، وعلى المنطقة العربية المشرقية، وعلى الإقليم والعالم، خارطة طريق للخروج من مأزق الهويات القلقة، وبالتالي المتصارعة، ومن ازدواجية النصوص والنفوس، إلى أفق الخيارات الشخصية الواعية والمسؤولة، والقابلة للتراكم الإيجابي.
وتشير الحركة إلى أنها تطمح وتعمل لبناء دولة قادرة وعادلة ومدنية وديمقراطية، «لكن ذلك لا يجيز لنا القفز فوق واقع المفاهيم والعواطف الطائفية، المترسخة تاريخياً في المجتمع والمتحكمة بسلوك العديد من الناخبين، لأن تجاهلها يهدد بحرف الديمقراطية وبتعزيز هذه المفاهيم وتأجيج هذه العواطف. لذا نرضى، وحصراً لمن اختار طوعاً استبقاء الواسطة الطائفية مع الدولة، وهو راشدٌ وعاقل قانوناً، أن يحتفظ بها إنما من ضمن ضوابط وتوازنات وضمانات تلجم الجموح الطائفي، فيكون هذا الخيار الصريح استثناءً من القاعدة العامة».
تفاصيل مقترح نحاس
وبناء على ما سبق، اقترحت حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» نظاماً للانتخابات التشريعية قائماً على اختيار المرشحين والمقترعين، الأساس الذي يريدون اعتماده للتمثيل البرلماني بين خيارين:
■ الأساس الوطني خارج التصنيف والانتماء الطائفيين.
■ أو النظام الطائفي النسبي حسب التوزيع الحالي للمقاعد بين الطوائف.
ويُحدد المرشح، عند ترشحه، الأساس الذي يترشح على أساسه، وتترتب على خياره المعلن كل التبعات القانونية الناجمة عنه، ولا سيما على صعيد نظام الأحوال الشخصية الذي يخضع له.
وعند الاقتراع يختار المُقترع أيضاً واحداً من الخيارين، ويقترع على أساسه.
عند انتهاء العملية الانتخابية، تحتسب نسبة الأصوات التي أُدلي بها في كل لبنان وفق كل من الخيارين إلى عدد مجمل المقترعين ويُوزع عدد المقاعد الإجمالي للمجلس النيابي بين نواب خارج الطوائف ونواب طائفيين وفق نسب الأصوات لكل من الخيارين وتبقى بالتالي المقاعد «الطائفية» موزعة، بين الطوائف، وفق القواعد المعهودة، بحيث تكون نسبة مقاعد كل طائفة إلى مجمل المقاعد الطائفية وإلى مقاعد كل من الطوائف الأخرى محفوظة، ومنها طبعا مقولة «المناصفة» بين مقاعد مجمل الطوائف «المسيحية» ومقاعد مجمل الطوائف «الإسلامية».
Leave a Reply