نبيل هيثم – «صدى الوطن»
لا شك في أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد استقبل بفرح، الاتصال الهاتفي الذي أجراه معه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وربما يكون قد أغلق سماعة الهاتف بتفاؤل -حذر- بعد فترة ريبة سادت في القصر السلطاني، سواء خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت الانتخابات الأميركية، أو حتى خلال الأيام التي تلت دخول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض.
ربما كان بن علي يلدريم، رئيس وزراء أردوغان، أول من التقط الإشارات الصادرة من الولايات المتحدة، فصرّح بثقة بأنه لا توجد حاجة للتشاؤم بخصوص العلاقات بين أنقرة وواشنطن في ظل حكم دونالد ترامب، لا بل أضاف أن ثمة مؤشرات إيجابية من جانب الإدارة الجديدة.
ومع ذلك، فقد حدد يلدريم ما تطلبه تركيا من الولايات المتحدة، لجهة تسليم الداعية الإسلامي فتح الله غولن، المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة على رجب طيب أردوغان في تموز العام 2016، وإنهاء التحالف الأميركي مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي في سوريا، واتخاذ خطوات من أجل إصلاح الشعور المناهض للولايات المتحدة في تركيا.
الإشارات الإيجابية تلك ربما دفعت يلدريم إلى رفع سقف الخطاب الموجه إلى الولايات المتحدة بقوله «نتوقع تصحيح أخطاء الإدارة السابقة في جهود مكافحة الإرهاب وهزيمة تنظيم «داعش» في سوريا»، منتقداً إمداد الولايات المتحدة لــ«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي بمركبات مدرعة «لأنه منظمة إرهابية ولا يصح لبلد كبير كالولايات المتحدة التي تولي أهمية كبرى لمكافحة الإرهاب أن تتحرك جنباً إلى جنب مع منظمة إرهابية من أجل إلحاق الهزيمة بمنظمة إرهابية أخرى»!
المؤشرات الأولية للاتصال بين ترامب وأردوغان بدت مطمئنة للداخل التركي خصوصاً بعد الضبابية التي شهدتها الأسابيع الماضية، فالرئيس الجديد خيّب في البداية آمال مسؤولي نظام أردوغان، الذين راهنوا على تبدّل إيجابي في العلاقات الفاترة بالولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة من عهد أوباما، فقد فوجئوا بسلسلة خطوات ومواقف أثارت الريبة في نفوسهم، ومن بينها الخطاب التحريضي السائد في واشنطن ضد المسلمين، وما يحكى عن خطط لتعزيز الدعم الأميركي للأكراد في سوريا، والتوجه نحو ادراج جماعة «الاخوان المسلمين» على لائحة الإرهاب، فضلاً عن غياب أي إشارة من قبل الإدارة الجديدة على إمكانية تسليم غولن.
الاتصال الأول
على هذا الأساس، أتى الاتصال الأول ليبدد بعضاً من الهواجس التركية. الرئيس الأميركي أطرب السلطان العثماني ضعيف الجناح بعبارات من قبيل أن «تركيا حليف استراتيجي» ضمن الحلف الأطلسي، مذكراً بـ«العلاقات القائمة منذ زمن طويل بين الولايات المتحدة وتركيا، والتزامهما المشتركة بمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله”» لا بل أن ترامب قدّم شهادة كان يتلهف لها أردغان بـ«إسهامات تركيا في حملة التصدي لداعش».
وفي ما يتعدى عبارات الإطراء والمديح التي يتعطش إليها أردوغان، أقله منذ الانقلاب الفاشل على حكمه، وما عكسته تلك التطورات من توتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، فإن الاتصال الهاتفي مع ترامب، حمل أكثر من ذلك، فالرجلان، وبحسب الرئاسة التركية، اتفقا على «التحرك بشكل مشترك في مدينتي الباب والرقة» بسوريا الخاضعتين لتنظيم «داعش»، كما بحثا إقامة «منطقة آمنة في سوريا»، والموقف من الأكراد، وأزمة اللاجئين.
ومعروف أن الولايات المتحدة تدعم، منذ عهد أوباما، «وحدات حماية الشعب» الكردية في قتال «داعش» في سوريا، وهي سياسة لاقت انتقادات من تركيا على خلفية الهواجس التاريخية من النزعة الانفصالية الكردية، كما تتهم أنقرة الوحدات الكردية بتنفيذ اعتداءات داخل تركيا بالتعاون مع «حزب العمال الكردستاني»، فيما توفر واشنطن الدعم لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (وحدات كردية–عربية مشتركة) في عملية «غضب الفرات» التي انطلقت مؤخراً لتحرير مدينة الرقة.
في بالمقابل، تقود تركيا عملية عسكرية في سوريا منذ 24 آب (أغسطس) الماضي، حيث تقدم الدعم لفصائل معارضة سورية تخوض معاركَ عسكرية في الشمال السوري، بهدف تطهير المنطقة المحاذية لحدودها من تواجد «داعش» والأكراد معاً، وهي تطلب، لهذا الغرض، من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة دعماً جوياً للقوات التي تدعمها تركيا وتحاصر مدينة الباب الخاضعة لسيطرة تنظيم «داعش» دون أن تتمكن من اقتحامها حتى الآن.
استطلاع
وبصرف النظر عن الكلام الإيجابي، يبدو أن ترامب لا يزال في مرحلة الاستطلاع للسياسات التركية، التي لا يختلف اثنان على انها ساهمت في تنامي الإرهاب الشرق أوسطي العابر للقارات. ولهذا الغرض فقد أرسل مدير وكالة الاستخبارات المركزي الجديد مايك بومبيو إلى تركيا للتباحث في كل المسائل المطروحة، سواء الحرب على «داعش»، والعلاقة الأميركية–الكردية، وبطبيعة الحال ملف فتح الله غولن.
هذا الاستطلاع لا يقتصر على ما ستخرج به محادثات المسؤول الأمني الأميركي في زيارته لتركيا، فعلاوة على ذلك، يدرك ترامب أن استجابته للمطلبين الخاصين بالأكراد وغولن سيتسبب بمشكلة للإدارة الأميركية، بالنظر إلى ما يتمتع به الأكراد من دعم في الأوساط السياسية (سواء في البيت الأبيض أو في الكونغرس)، فضلاً عن أن كثيرين ينظرون إلى غولن باعتباره الرمز الإسلامي الأكثر ملاءمة لتلبية المصالح الأميركية، بالنظر إلى ليبراليته المناقضة للتوجهات شبه الراديكالية التي يحملها أردوغان.
علاوة على ذلك، لا يزال أمام البنتاغون أسابيع من انجاز المراجعة التي طلبها ترامب لاستراتيجيته في هزيمة «داعش» في العراق وسوريا، مع العلم أن الكثير من القادة العسكريين الأميركيين يضغطون باتجاه استمرار توفير الدعم الأميركي للأكراد الذين اظهروا أنهم الحليف المحلي الأكثر فعالية في مكافحة التنظيم الإرهابي، منذ معركة كوباني، وما تلاها.
وبانتظار ما ستتمخض عنه النقاشات الجارية على اكثر من خط ومستوى، ربما يجد ترامب نفسه ميالاً لخطة هجينة توازي بين الدعم الأميركي للأكراد وللأتراك على حد سواء، وهو ما تبدى في التقاط الرئيس الأميركي لفكرة «المناطق الآمنة» في سوريا –وهي فكرة تركية في الأساس– مع ادخال تعديلات على الخطة الاصلية، بما يطمئن روسيا من جهة، ولا يعطي «شيكاً على بياض» لتركيا في الشمال السوري.
التقارب مع موسكو
ولا بد من الإشارة في هذا السياق، إلى أن التقارب الحاصل بين واشنطن وأنقرة يجري بالتوازي مع التقارب الجاري بين واشنطن وموسكو. كما أن هذا التقارب المزدوج يأتي في سياق تقارب كبير شهدته الأشهر الماضية على مستوى العلاقات التركية – الروسية، لا سيما بعد اختلاط الأوراق كافة، غداة محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان، وما حكي عن دور أميركي غير مباشر في دعم الحركة الانقلابية، ودور روسي مباشر في إحباطها.
هذا التطوّر الدراماتيكي في العلاقات بين موسكو وأنقرة ظلّ حذراً خلال الفترة الماضية، رغم اجتماع أستانة، وذلك انطلاقاً من ظروف موضوعية مرتبطة بالسياسة التركية، المرتبطة عضوياً مع الغرب من خلال «الحلف الأطلسي»، والراغبة في الوقت ذاته في إيجاد سند إقليمي–دولي قوي يتمثل في روسيا.
وربما تكون الخطة الهجينة التي ستخرج بها مداولات ترامب الداخلية طوق نجاة لأردوغان، الذي سيكون في تلك الحالة قادراً على الاستفادة من دعم موسكو وواشنطن معاً.
معركة الباب
تتواصل المعارك في محيط مدينة الباب شمال سوريا بين مقاتلي «درع الفرات» المدعومين من الجيش التركي ومسلحي «داعش» وذلك بعد أسابيع من محاولة اقتحام المدينة التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي.
ولقي خمسة جنود أتراك مصرعهم وأصيب عشرة آخرون بجروح في اشتباكات مع «داعش» بمحيط المدينة يوم الأربعاء الماضي، لترتفع حصيلة قتلى الجيش التركي على أعتاب الباب إلى عشرات الجنود. وفي ظل التطورات السياسية الأخيرة، يسعى الجيش التركي إلى استعادة هيبته بعد هجوم فاشل مطلع العام الجاري كلّف القوات المهاجمة خسائر فادحة كانت الأكبر منذ إطلاق عملياتها في الشمال السوري.
وتحرك الجيش التركي ومقاتلو «درع الفرات»، الأربعاء الماضي، بسرعة نحو مدينة الباب مع وصول الجيش السوري إلى أعتاب المدينة الجنوبية، وإطلاق «التحالف الدولي» مرحلة جديدة من معركة الرقة مع «قوات سوريا الديمقراطية».
وتقدمت القوات من المحور الغربي للباب مستغلّة حصار تنظيم «داعش» في المدينة والبلدات المعدودة الملاصقة لها وانشغاله ضدها في جبهة بزاعة وضد الجيش السوري في جنوب تادف.
وكان الجيش السوري قد تمكن خلال الأسبوعين الماضيين من تحرير عدة قرى شمال شرقي حلب، ليضيق الخناق على التنظيم الإرهابي، دون الاحتكاك بالقوات التركية والمقاتلين معها.
ويأتي تقدم الجيش السوري نحو الباب، في سياق قطع الطريق على الأتراك والأكراد معاً وسيصبح المتحكم الرئيسي بمعركة الرقة القادمة أقله بالنسبة للأتراك، ويرسل اشارة إلى الأكراد حول قدرات الجيش وامكانياته ويبقي التماس القائم على شد الحبال بين الأكراد والأتراك.
إلى الرقة والموصل
توقع المتحدث باسم التحالف الدولي ضد «داعش» جون دوريان عزل مدينة الرقة معقل التنظيم في سوريا خلال أسابيع.
وأوضح دوريان أن المدينة لن تكون محاصرة تماماً إلا أنه سيصبح من الصعب جدا الدخول إليها أو الخروج منها.
في غضون ذلك تواصل قوات سوريا الديمقراطية استعداداتها للتقدم باتجاه الرقة، وكانت أعلنت هذه القوات الأسبوع الماضي بدء هجوم جديد ضد داعش من الجهة الشمالية للرقة.
وبالتوازي، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي عادل الجبير، أن «الهدف التالي» لقوات بلاده والفصائل العاملة معها في سوريا هو «عملية الرقة»، مشيراً إلى ضرورة «إشراك قواتنا الخاصة كبلدان في المنطقة وفي (التحالف)».
الإعلان الذي حمل طابعاً ثنائياً، يذكّر بعرض سعودي-تركي سابق على الرئيس السابق باراك أوباما، باستعداد قوات البلدين البرية للعمل تحت راية «التحالف» ضد «داعش». وهو عرض لم يجد طريقه إلى أجندة البيت الأبيض، التي حرّكت «قوات سوريا الديمقراطية» نحو الرقة.
قال عسكريون في التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» إنه من المنتظر أن تتم استعادة مدينتي الرقة والموصل في غضون ستة أشهر، وإن الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد عزل مدينة الرقة بالكامل تقريبا ثم التحرك باتجاهها.
وقال القائد العام للقوات المشتركة للتحالف الفريق ستيفن تاونسند الأربعاء الماضي أثناء جولة له شمال بغداد إنه خلال الأشهر الستة المقبلة «أعتقد أننا سنرى الموصل والرقة خارج سيطرة داعش».
ولفت تاونسند إلى أن الجيش العراقي بدأ بنشر جنوده استعدادا لعمليات تطهير الجانب الغربي من مدينة الموصل والتي من المتوقع أن تبدأ خلال أيام.
Leave a Reply