بلال شرارة
النبأ الأهم بالنسبة لي في هذه الظروف اليمنية الاستثنائية والحساسة هو اغتيال الصحافي والشاعر محمد عبده العبسي (اليمني من مدينة تعز) الذي قتل مسموماً ومختنقاً بحسب ما أثبتت التحقيقات، حيث أعلن فريق متابعة قضية وفاة العبسي أن الإعلامي البارز فارق الحياة بسبب التسمم والاختناق بغاز أول أوكسيد الكربون.
لقد لفت نظري أن يجري اغتيال هذا الشاب بالسم رغم الموت اليمني اليومي المتوفر على محاور الحرب أو على جبهات القصف بكرات النار الجوية أو الصاروخية.
أنا لا أعرفه شخصياً، ولم يكن يجمع بيننا أي اتصال، أو أية خطوط تماس، أو منابر متقابلة، ولم يكن يفرقنا أي قاسم مشترك ولم يسبق لي أن تحدثت عنه أو معه، لكنني سمعت بالتواتر عن أدواره على أعلى سدة المنابر الثقافية والاعلامية إذ شغل منصب محرر الصفحة الثقافية في صحيفة الثورة اليمنية منذ العام 2004.
وأنا لا أعرف فيما إذا كان منحازاً إلى أي طرف من أطراف الصراع. هو لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر، وأحد الشعراء الشباب الذين يستحقون أن نتداول معهم السلطة الشعرية، حيث أصدر مجموعته الشعرية «وحيدا كالقطرة جميعاً كالأمطار»، إضافة إلى دواوين شعريه أخرى تحت الطبع.
لماذا محمد عبده العبسي؟ الجواب باختصار: لأنه صحفي استقصائي كثير الأسئلة والبحث ويعمل على كشف الفساد في قطاعي النفط والغاز في اليمن بالإضافة إلى تقارير استقصائية سابقة عن الفساد في المؤسسة العسكرية خلال أعوام سابقة.
لقد أسس الراحل وترأس منذ العام 2010 التحالف الوطني لمناهضة صفقة الغاز المسال. باختصار محمد عبده قتل لأن أحداً لم يتحمل -رغم كل ضجيج الحرب- أن يتمكن هذا الشاعر من أن يعمم اعتقاداً أن سبب الحرب هو التنافس على تقاسم مغانم السلطة وأن اليمن تم وضعها أمام الاختيار بين السيء والأسوأ، والفاسد والأكثر فساداً، وليس أمام خيارات ديمقراطية حقيقية.
محمد عبده شهيداً خارج كل الاعتبارات الحربية. هو شهيد المجتمع اليمني المدني الذي يريد وحدة الأرض والشعب والمؤسسات والمشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل يمني في جهات الوطن الأربع، ومن كل عشائره وقبائله ومدنه وأريافه.
السؤال ليس عن كشف الحقيقة وعن مصير التحقيقات وعما إذا كان محمد عبده العبسي قد قتل أو مات، فاليمن كل اليمن يُقتل الآن على كل نحو، ولكن السؤال: من هو القاتل؟ وهل ستستعيد اليمن استقرارها يوماً ما؟ وهل ستستثمر ثروات اليمن البشرية والطبيعية، خصوصاً النفط والغاز، في التنمية أم أنها ستكون ضحية الفساد؟
ومن سيحمل راية شهيد اليمن محمد عبده العبسي؟
Leave a Reply