لا يخفى على أحد بأنّ الحريات الدينية مضمونة في أميركا بصورة أفضل مما هي عليه في الدول الأوروبية، لكن في المقابل علينا كمسلمين أن لا نغالي في تعصبنا إلى درجة التقيّد بعادات وتقاليد ليست لها علاقة بالدين من قريب أو من بعيد كإلزام المرأة بارتداء النقاب مثلاً.
والنقاب هو غير الحجاب، وقد اختلف علماء الدين في آرائهم حول الحجاب، إذ منهم من ثبته كفرض ديني تلتزم به المرأة، ومنهم من قال إنه ليس فرضاً بل هو عادة مكتسبة منذ القدم.
ومنذ فترة أصدر شيخ الأزهر في مصر فتوى مفادها أن لا دليل في الديانة الاسلامية يلزم المرأة بارتداء الحجاب، فأثارت جدلاً بين علماء ورجال الدين، وأصبحت المرأة في حيرة من أمرها، لا تعرف أي الرأيين هو الصواب.
أمّا التوشح بالنقاب فهو عادة قبلية لا علاقة لها بالدين، إذ لا يوجد نص يقضي بتغطية الوجه حسب تعاليم كل المذاهب الاسلامية، وقد ناقشت أحد العلماء حول ذلك فقال: اقرأوا التاريخ وأخبروني إن كان هناك ذكر لامرأة منقبة. والنقاب لا يمت للإسلام بصلة، وهو زي إيراني أفغاني جاء نتيجة التشدد في قمع حرية المرأة بحيث يجعلها مخبوءة وراء ستار أسود فرض عليها من قبل الزوج أو الأهل، هذا ما قاله رجل الدين.
أمّا الأجانب فقد رأيناهم يحتقرون من تتوشح بالنقاب، ولطالما سمعت تعليقاتهم التي تحتقر الفكر الذي يروّج له. ومنذ أيام قصدت محلاً لبيع الخضار وبينما أنا منهمكة بانتقاء ما أروم شراءه جاورتني سيدة أميركية لتسألني عن «الهندباء» كيف نطبخها، وفي تلك الأثناء وصلت سيدة منقبة قامت بمسك الصنف عينه المعروض على الطاولة بطريقة توحي بالمزاحمة، فما كان من السيدة الأميركية إلا أن انتفضت وراحت تدمدم تاركة ما انتقته. وقد استغربت لذلك التصرف على الرغم من أنني لا أحبذ النقاب، فسألتها عمّا دعاها لمثل ذلك التصرف، فأجابتني بأن منظر المنقبة يدعو إلى التقزز، ومن يقطع بأنها سيدة وهي الملتفة من رأسها إلى أخمص قدميها بهذا الغطاء الأسود، أليس من الممكن أن يكون رجلاً مجرماً يتخفى وراء هذا الرداء؟
فاستحضرتني في تلك اللحظة، الحادثة التي وقعت منذ فترة قصيرة في محل مختص بالمصوغات الذهبية يقع على شارع وورن حيث دخل من الباب الخلفي للمحل رجلان منقبان يخفيان سلاحاً وراء العباءة السوداء، وعندما فتح صاحب المحل لهما الباب لظنه بأنهما امرأتان، فما كان منهما إلا أن كشفا عن وجهيهما وأشهرا السلاح بوجهه، إذ قام كل واحد بدوره، فالأول ضرب صاحب المحل على عينه ورأسه حتى سقط أرضاً مضرجاً بدمائه، فيما قام الثاني بتنظيف المحل من محتوياته الذهبية، وهربا قبل وصول الشرطة حيث نقل صاحب المحل إلى المستشفى، ولم يُقبض على الجانيين لحد اليوم.
فالموضوع هنا هو أمني بامتياز، حيث إذا خرج المجرم بالنقاب سيكون من الصعب التعرف عليه، أليس من الممكن أن تجلس قرب شخص تخاله امرأة لأنه ملتف بالسواد فيقوم بارتكاب أي جريمة والهرب دون التعرف عليه؟ ومن هنا يجب عدم التجني على فرنسا عندما منعت النقاب حفاظاً على أمنها، وهنا لابد من الإشارة إلى عدم أحقيتها في منع الحجاب، ذلك لأن الحجاب شيء والنقاب شيء آخر، كما أن هناك إحصائيات تشير إلى أن معظم عمليات السطو كان خلالها المجرمون والمجرمات يغطون وجوههم.
هنا أعتقد أن على رجال الدين أن يأخذوا دورهم المهم في معالجة مشكلة النقاب، فإذا كانت المرأة مجبرة على ذلك من قبل زوجها أو الأهل فتكون مهمتهم بإعطاء محاضرات توجيهية إلى الرجال وإرشادهم إلى ما هو الأفضل والأكثر أمناً لمن حولهم وضرورة ترك العادات التي كانوا يمارسونها في بلدانهم الأم وعدم فرضها على مجتمع تختلف عاداته وتقاليده عنهم، أمّا إذا كانت المرأة هي الراغبة في هذا الزي، فعليها أن تعلم بأنها تجلب الكره لمجتمعنا بأسره، وهي ليست وحدها في نسيج المجتمع كي تفعل ما تشاء، إذ يتوجب عليها احترام مشاعر الآخرين وعدم وضع نفسها مكان الكره والاشمئزاز ممّن لا يطيقون تحمّل مثل هذا الوضع.
وهنا لابدّ من التصريح بأني لا أقول بخروج المرأة سافرة، فالحشمة مطلوبة كما الأدب، وكذلك احترام الدين شريطة عدم التعدّي لما هو مسموح به، وهو كشف الوجه والكفين، وذلك هو ما صرح به علماء الدين ونحن نلتزم بهذا الإتجاه.
Leave a Reply