• خليل إسماعيل رمَّال
عادت أخبار وطن الصفة المشبَّهة لدينا تحتل الصدارة متخطيةً أخبار دونالد ترامب وتغريداته الشبقة ليلاً نهاراً (فقط)، بحيث حوَّل بتهريجاته، الرئاسة الأميركية إلى مزحة كبيرة.
ففي وطن النجوم الأعجوبة (على أساس أنَّ لا نجوم في باقي العالم)، حلَّ عيد المعلٍّم والعيد العالمي للمرأة معاً في يومٍ واحد والمؤسِف أنَّ حقوق المعلم والمرأة هي أكثر هدراً في لبنان من باقي دول العالم، في بلدٍ يتغنَّى بأنَّه ديمقراطي صدَّر الأبجدية إلى العالم وبأنه كان عاصمة القانون أيام الرومان، الخ.. (المصدر: تاريخ لبنان المزوَّر). في البلدان المتخلِّفَة وممالك القهر (والاستخراء، حسب تعبير أحد الحكَّام) التي تنعدم فيها كرامة الإنسان بشكل عام، عدا عن المعلم أو المرأة حيث يُنْظَر للأخيرة بأنها عورة ولا يحق لها قيادة السيَّارة، لا عتب على هذه الأنظمة الهمجية البربرية لأنها لا تخفي جهلها. أمَّا في شبه الوطن، الذي يستهزيء بكل الشعوب ويدَّعي في العلم فلسفةً ويركِّب نكاتاً ما أنزل الله بها من سلطان على الحماصنة والحوارنة والمصريين وغيرهم، حتَّى الأمس القريب فقط أدخل المرأة إلى مجلس النوَّاب وبالكاد إلى مجلس الوزراء بينما المرأة في سوريا سبقت نظيراتها اللبنانيات بسنين ضوئية في الحكم والإدارة وسوريا الأسد التي يستخف بها فينيقيو وعنصريو بئس الوطن تحولَّت لدولة إقليمية مؤثرة إلى أنّْ جاءتها المؤامرة الكونية لتدفيعها ثمن مواقفها في نصرة فلسطين والقضايا العربية العادلة ضد إسرائيل والتآمر الغربي. كم رفع سياسيو لبنان شعارات فارغة حول الكوتا النسائية؟ وكم إنطلقت مطالب منذ أنّْ خُلق جيلنا نحن وما قبل، بإقامة نظام تعليمي إلزامي مجَّاني كباقي دول العالم وإنشاء لامركزية إدارية وإلغاء الطائفية السياسية، وهي مطالب أشعلت حرباً أهليةً كبرى لكنَّها مع ذلك ذهبت أدراج الرياح والبلد يسير في عهد أمراء الحرب من سيئ إلى أسوأ؟
النظام اللبناني هو من أكثر الأنظمة رجعيةً في العالم رغم تشدُّقه البرلماني الفارغ والبوتكس التجميلي الذي يخفي به قباحته. فمجلس نوابه مَدد لنفسه مرَّتين من دون مبرِّر وتسبَّب بفراغ رئاسي استغرق سنتين وأفشل الحوار عدة مرَّاتٍ بعد إخماد الحراك المدني الشعبي ولم يتمكن طوال هذه السنوات من إقرار موازنة لمدة 12 عاماً ولا إقرار سلسلة الرتب والرواتب وإنصاف المعلمين. بل أكثر من ذلك، تبيَّن أنَّ معظم نوَّاب الأمة لا يعرفون نوع الضرائب المفروضة على الشعب! أهذا معقول؟ هذا المجلس لم يتمكن من وضع قانون انتخاب عصري يعتمد النسبية العادلة وبذلك لا يستحق أنّْ يبقى النوَّاب في البرلمان بعد أنْ فقدوا صفتهم التمثيلية ولم يُنجٍزوا شيئاً يُذكَرْ ما عدا إقرار زيادة رواتبهم ولو وُجِّهَتْ اليوم دعوة لهؤلاء النوَّاب ليحضروا جلسة منحهم زيادة أخرى على رواتبهم أو التمديد لهم مجدَّداً –لنجاحهم الباهر– لهبّوا جميعهم إلى الحضور وأقروا الزيادة من دون نقصان ولا لجان ولا تأخير وفي جلسة واحدة بينما هم يماطلون منذ سنتين وأكثر ويتهربون من إقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين والعسكريين والأساتذة وغيرهم من صغار الموظفين. وحتَّى اليوم، المماطلة مستمرة عبر دفن قضية السلسلة في مقبرة اللجان بعيداًعن مجلس الوزراء. هؤلاء لا يستحقون لقب ممثلي الشعب والفراغ النيابي أفضل منهم عندما نرى النفايات في الشوارع وعندما نرى المرضى يموتون على اعتاب المستشفيات كما حصل لأحدهم هذا الأسبوع.
في أيسلندا، المعلّم هو الأكثر أجراً واحتراماً في البلد كله لأنه يعلم الأجيال ولذلك يتفوق طلاب أيسلندا على كل دول العالم، وكذلك في اليابان. أمَّا عندنا… فحدِّث ولا حرَج حيث المعلم هو من أكثر فئات الشعب «شحاراً» و«تعتيراً» بينما المفروض فيه أنّْ يكون مرتاحاً مادياً ونفسياً حتَّى يعدَّ التلاميذ لقيادة المستقبل، ونِعمَ هكذا مستقبل على هذه الحالة. حتَّى وظائف الفئة الأولى تخضع للمحاصصة الطائفية وسط تصفيق وتهليل الشعب المنوَّم مغناطيسياً وكأنه مستفيد من هكذا تعيينات فلا سير ذاتية ولا من يحزنون تُقدَّم عن المعيَّنين لنعرف مؤهلاتهم التي يبدو إنها تقتصر فقط على قربهم من الزعيم، ولا تُطرَح أسماء نساء مؤهلات لاحتلال مواقع مسؤولة مهمة في الدولة إلا ما ندر واذا اختيرت إمرأة ما تكون على شاكلة أليس شبطيني.
لكن كل هذا لا يهم فلبنان هو من الدول الأولى في العالم عبر مرتبتين: الفساد وعدم وقوع حادث واحد في قطارات السككك الحديدية! هذه ليست نكتة فعندنا في لبنان موظفون للسكك الحديدية ما زالوا يقبضون رواتبهم رغم توقف السكة والقطارات منذ الستينيات!
مبروك للمعلم والمرأة عيدهما في لبنان ونقول لهما ولكل الموظفين والعسكريين الذين يسعون وراء لقمة عيشهم أنَّ لهم الله ورسله والمؤمنون!
Leave a Reply