كمال ذبيان – «صدى الوطن»
تدخل الحرب على سوريا عامها السابع، وهي ربما الأطول زمناً، والأكثر دماراً. قيل إنها بدأت في حراك لأطفال في درعا كتبوا شعارات معادية للنظام، مواكبة لما كان يجري في دول عربية باسم «الربيع العربي» تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، إلا أنه تبيّن أن ما سُمي «ثورات عربية»، كان من صنع أميركي، على الرغم من أحقية المطالب التي رُفعت للتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد وسن قوانين تسمح بحرية الرأي وإنشاء أحزاب وإلغاء حالات الطوارئ التي تحتها كانت تتم عمليات التوقيف والتعذيب في السجون.
فسوريا التي كانت هدفاً دائماً للمؤامرات عليها بسبب مواقفها الصلبة من القضايا العربية، من قبل الإدارات الأميركية المتحالفة دائماً مع العدو الصهيوني، فإن المخطط من إشعال نار «الثورة» فيها، يختلف عنه في دول أخرى، إذ هي تحت المجهر الأميركي منذ عقود، للضغط عليها لتبديل موقفها من الصراع مع إسرائيل، والذي كانت حرب أكتوبر 1973، أحد العناوين الإستراتيجية التي وضعها الرئيس الراحل حافظ الأسد، لإقامة التوازن العسكري مع العدو الإسرائيلي، وإظهار قدرة الجيش العربي على تنفيذ ذلك، وهو ما تحقق في الميدان خلال الحرب، رداً على هزيمة حزيران 1967.
التآمر المستمر
لقد كانت سوريا مسرحاً لأحداث داخلية، منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، لإضعافها وإسقاطها من الداخل، فتمّ تحريك جماعة «الإخوان المسلمين» التي شنّت عمليات إرهابية ضد الجيش السوري، وخاضت معارك عسكرية معه كان أشدّها في أعوام 1980 و1981 و1982، في حلب وحماه ومدن أخرى، تمكّن خلالها النظام السوري من حسم المعركة لصالحه، وهي نفسها تتكرّر في ما يجري منذ 15 آذار 2011، إذ كما تحرك «الإخوان المسلمون» في تونس ومصر واليمن وليبيا، لقطف ثمار «الحراك الشعبي» والوصول إلى سدة الحكم، فهم تحركوا في سوريا، مستعيدين عقوداً مضت من المواجهة بينهم وبين الدولة السورية، وقد لعبت تركيا الدور الأساسي التي وصل إليها «حزب العدالة والتنمية» صاحب الفكر الإخواني إلى الحكم عام 2002 في دعم ما سمي «ثورات» ركب موجتها «الإخوان المسلمون»، وكان لتركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، العامل السلبي لا بل التدميري في دعم المسلحين من القوى الإسلامية المتطرفة، وتشكيل ممر لهم إلى سوريا، وإسقاط مناطق قريبة من الحدود معها، في إدلب وحلب.
فطيلة العام 2011، الذي خرجت خلاله التظاهرات تطالب بالإصلاح وتعديل قوانين وإجراء إنتخابات، فإن النظام فتح باب الحوار مع المعارضة المدنية والسلمية، وأقرّ لها بمطالب ترفعها، إلا أنه وبعد أشهر قليلة جداً، ومع مطلع عام 2012، كان الوضع بدأ يتعسكر، من خلال إقدام مجموعات من «الإخوان المسلمين» وقوى إسلامية أخرى متشددة، بدأت تهاجم مراكز أمنية وعسكرية ومؤسسات الدولة، واقتطاع مناطق وفرض سيطرة عليها، وبدأ التدخل الدولي والإقليمي يظهر بشكل واضح وعلني في دعم ما سمي «ثوار»، ولعب السفير الأميركي في سوريا ريتشارد فورد دوراً أساسياً في تحريك التظاهرات، ولاسيما زيارته الشهيرة إلى حماه، كما في تشجيع ضباط من الجيش السوري على الإنشقاق تحت إسم «الجيش السوري الحر» والذين احتضنتهم تركيا بشكل خاص ودول أخرى كالأردن وقطر والسعودية، وانتقلت محاولات الانشقاق إلى الجسم الحكومي ففرّ رئيس الحكومة رياض حجاب إلى عمان، ومساعد قائد الفرقة الرابعة في الجيش مناف طلاس، وهو ابن وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، الذي كان من أركان النظام السوري والداعمين للرئيس حافظ الأسد ونجله بشار، الذي كان مناف يُعتبر صديقه، لكن هذه المحاولات أضعفت النظام ولم تسقطه رغم الاستقالات من الحكومة أو إدارات الدولة، ومن أبرز الشخصيات جهاد مقدسي الذي كان ناطقاً رسمياً في وزارة الخارجية السورية، وأصبح كما غيره من رموز المعارضة في الخارج، لكن دون فعالية في الداخل، وعدم اغفال دور سلبي مارسه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في التحريض على الرئيس الأسد ونظامه، إضافة إلى دور سلبي لرفعت الأسد وأبنائه، في تشويه صورة نظام ابن شقيقه، وهو الذي كان طامحاً لوراثته كما خدام.
رهان فاشل
فمحاولات زعزعة النظام الذي راهن كثيرون على سقوطه بعد أسابيع من اندلاع الأزمة، فلم يكسبوا الرهان، وسعوا إلى عمليات اغتيال منها ما كان قاسياً على النظام هو التفجير الذي حصل لضباط من خلية الأزمة وهم وزير الدفاع جميل راجحة واللواء آصف شوكت واللواء سعيد تركماني، ونجا العميد ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة في الجيش.
فخلال السنوات الست، والمعارك لم تتوقف في سوريا بين النظام ومعارضيه، وقد فتحت فصائل من الجيش الحر معركة دمشق في 17 تموز 2013، وخسرتها، وبقي النظام يسيطر عليها، مما أعطاه ورقة قوة، حيث كان في هذا الوقت يستعيد حمص، في وقت خسر جسر الشغور وأرياف إدلب ثمّ إدلب وصولاً إلى شمال سوريا في حلب العاصمة الثانية والمدينة الاقتصادية، وأعلن الأكراد «إدارة ذاتية»، وظهر تنظيمي «النصرة» و«داعش» وهما تابعان «للقاعدة»، مما عقّد الوضع في سوريا، وزاد التدخل الخارجي فيه، فأعلنت أميركا عام 2014 إنشاء «التحالف الدولي» لمحاربة الإرهاب الممثل بـ«داعش» و«النصرة»، لكن دون تحقيقه أية نتائج تذكر. فأعلنت روسيا في 30 أيلول 2015 تدخّلها عسكرياً، بعد أن كان سبقها «حزب الله» في نيسان من العام 2013 والذي خاض إلى جانب الجيش السوري معركة القُصير في ريف حمص والقريبة من الحدود مع لبنان في الهرمل والبقاع الشمالي، وحمى بذلك المنطقة من سقوطها بيد المجموعات الإرهابية التي تمّ تحرير مناطق يبرود وجبال القلمون والزبداني منها، فأقفلت الجبهة مع لبنان، حيث نجح التحالف الرباعي من الجيش السوري والجيش الروسي والحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» ومجموعات أخرى من الدفاع الوطني السوري في دحر الإرهاب من مناطق واسعة في سوريا، بدءاً من الغوطتين الغربية والشرقية، وصولاً إلى أحياء في حمص، وشلّ حركة المسلحين في درعا الذين كانوا يتغذون من الأردن عبر ما سمي غرفة «موك» التي ترأستها أميركا ومعها دول خليجية عربية كالسعودية وقطر.
إلا أنه ومع تطوّر الأوضاع العسكرية في سوريا، واحتلال «داعش» للموصل، وحصول تفجيرات في دول أوروبية، أقفلت هذه الغرفة، كما تبدّل موقف النظام الأردني الذي بدأ يلمس الخطر الإسلامي المتشدّد عليه، فانكفأ وانطفأ دور غرفة العمليات العسكرية، لتبرد الجبهة الجنوبية إلى حد ما في درعا التي تقدم فيها الجيش السوري، ومنع العبور منها إلى دمشق، كما حصّن وضعه في مناطق القنيطرة التي سعت إسرائيل من خلال فتح الحدود للمسلحين، الضغط على النظام الذي تمكّن من خلال اتساع رقعة المعارك جغرافياً، من أن يبقى صامداً رغم الضغوط الدولية والعقوبات عليه، وتدهور سعر صرف الليرة السورية، والحصار الاقتصادي، وثقل النزوح للمواطنين السوريين سواء في الداخل أو إلى الخارج وقد بلغ عدد النازحين حوالي عشرة ملايين مواطن.
بالرغم من اشتداد المعارك العسكرية وتعدد الجبهات المشتعلة، إلا أن الجيش السوري وبالتنسيق مع حلفائه تمكّن من تحرير حلب قبيل نهاية العام الماضي، واستعادها إلى كنفه، وهي لها دلالاتها إذ بات يمسك بالعاصمة السياسية دمشق، والعاصمة الإقتصادية حلب، إضافة إلى سيطرته على مناطق جنوب سوريا في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة.
ثبات الأسد
وفي الوقت الذي كان النظام السوري يحرز تقدماً في الميدان العسكري، فإنه كان يفرض شروطه في الميدان السياسي، ومنذ اتفاق جنيف بين أميركا وروسيا، لم يتزحزح الرئيس الأسد من منصبه الذي كان مطلب المعارضة تنحيته وإسقاطه، إلا أنه أجرى استفتاءً وانتخاباً رئاسياً، حقق فيهما فوزاً، كما حصلت انتخابات مرتين لمجلس الشعب، وتشكّلت ثلاث حكومات، وبقيت مؤسسات الدولة تعمل، وتبدأ ورش الإعمار في المناطق التي انتهت فيها الحرب.
فالإجتماعات التي تمّت رعايتها دولياً بين النظام السوري ومعارضيه في جنيف أو الأستانة، كانت تأتي دائماً لصالح الأسد، مع تشتّت فصائل المعارضة الموالين لأنظمة خارجية.
لقد أعاد الجيش السوري السيطرة على مساحات واسعة من سوريا، وهو يستعد لمعركة إدلب بعد استعادة تدمر، كما يتحضّر لمعركة الرقة المحاصرة، وسيكون العام الحالي، ربح معركة وحدة سوريا، بوجه محاولات مشروع تقسيمها.
Leave a Reply