لم يفضِ اجتماع وزير الداخلية الأميركي جون كيلي بممثلين عن الجالية العربية في «المتحف العربي الأميركي» بديربورن، الاثنين الماضي، إلى تخفيف حدة التوتر في أوساط الجاليات العربية والإسلامية بعد أن تصاعدت وتيرته إثر وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية وإصداره –على التوالي– أمرين تنفيذيين بحظر مؤقت لدخول مواطني دول عربية وإسلامية إلى الولايات المتحدة.
كيلي الذي التقى بفعاليات عربية وكلدانية ولاتينية خلال زيارته لمنطقة ديترويت، رفض بكل عناد وصلف الشكاوى بوجود تمييز عنصري ومضايقات يتعرض لها العرب والمسلمون في المطارات وعلى المعابر الحدودية، نافياً أن تكون الوكالات الفدرالية تمارس أي نوع من أنواع التمييز.
خلال الاجتماع، وعند لحظة معينة، استيقظت الروح العسكرية لدى الجنرال المتقاعد، ولوّح بكل فظاظة بأنه سيغادر الاجتماع إذا لم يتوقف الحقوقي العربي الأميركي نبيه عيّاد عن اتهام الوكالات بالتمييز.. فكشف تصرف وزير الأمن الداخلي أن حضوره للاجتماع مع ممثلي الجالية العربية، لم يأت بهدف تطمين المجتمعات العربية والإسلامية، بقدر ما أراده الوزير الجديد لتثبيت سطوة الإدارة الجديدة ونهجها المتغطرس.
اتسم الاجتماع منذ البداية بالخلل، شكلاً ومضموناً. فمن حيث الشكل مُنعت بعض القيادات من حضور اللقاء، كما تجاهل المنظمون دعوة قيادات وفعاليات تمثل شرائح واسعة ووزانة في الجاليتين العربية والإسلامية، مثل المدير التنفيذي لـ«مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير–فرع ميشيغن) وليد داود ورئيس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» ناصر بيضون، والنائب في مجلس ميشيغن التشريعي عبد الله حمود والنائب في الكونغرس الأميركي عن ميشيغن ديبي دينغل وغيرهم.
ومن حيث المضمون، لم يظهر الوزير استعداداً كافياً لسماع شكاوى الفعاليات العربية والإسلامية، وسرعان ما ضاق ذرعاً بانتقاد ممارسات الوكالات الفدرالية التابعة لوزارة الأمن الداخلي، وفي مقدمتها شرطة الهجرة والجمارك والحدود مما أثار استياء الجنرال المتقاعد الذي لوّح بمغادرة الاجتماع، ناهيك عن تصلبه المناقض للحقائق حين قال مخاطباً عياد «ليس عليّ الاستماع لهذه (الاتهامات) وسوف أغادر المكان إن لم تتوقف عن طرح الأسئلة وإفساح المجال لغيرك».
«جاء لكي يكحلها.. فعماها»، يقول المثل الشعبي! وهذا ينطبق على ما قام به كيلي وفريقه الذين قدموا إلى ديربورن تحت عنوان تطمين الجالية العربية والإسلامية فيها، ولكن النتائج التي أفضى إليها الاجتماع تنذر بما هو أسوأ، فالكثير من المسؤولين الحكوميين لا يريدون حتى مجرد الاعتراف باستهداف العرب والمسلمين في المطارات والمنافذ الحدودية، وهو ما يثبته تصريح كيلي خلال مؤتمر صحفي عقده في اليوم ذاته خلال زيارته لمنشأة فدرالية في مدينة ديترويت حين قال: في كل مرة يدخل أجنبي أو أميركي الأراضي الأميركية، فإنه عموماً يخضع لإجراءات عادية، ويخضع عدد صغير منهم لتدقيقات إضافية لا تقوم على أساس الدين أو اللون أو الميول السياسية وإنني أرفض أي شخص يدعي عكس ذلك.
ولكن في حقيقة الأمر، لدى العرب والمسلمين الأميركيين يقين بأنهم يتعرضون –دون غيرهم– للاستهداف من قبل العناصر الفدراليين في المطارات وعلى المعابر الحدودية، كما أنهم لا يصدقون بأن اختيارهم للتفتيش الدقيق «عشوائي».
ينكر كيلي كل الحقائق والتقارير الإعلامية التي تتحدث عن استهداف العرب والمسلمين ومراقبتهم بشكل روتيني، مفضلاً الدفاع عن موظفي وزراته بلهجة عسكرية لا تتورع عن ترديد عبارات تنفي تورط «رجاله» (على حد تعبيره) بمثل تلك الاتهامات.
وكأن تصرف الوزير يوحي بأنه إما منفصل عن الواقع أو أنه مكابر.. ولكن الطامة الكبرى أن يكون الفريق الزائر وعلى رأسه الجنرال المتقاعد نموذجاً مصغراً لإدارة وصلت إلى سدة الحكم على ظهر «الإسلاموفوبيا».
وإذا كان كيلي محقاً في نفيه تعرض المسلمين للتوقيف والاستجواب والمراقبة الممنهجة فكيف يبرر ارتفاع نسبة المسلمين من مجمل الأشخاص الذين يتم توقيفهم للتحقيق معهم في المطارات وعلى المعابر الحدودية إلى حوالي ٧٠–٥٠ بالمئة، مع أن المسلمين لا يشكلون سوى أقل من 1 بالمئة من إجمالي سكان الولايات المتحدة، بحسب محامي الحقوق المدنية في منظمة «كير» حسن شلبي، الذي يؤكد أن المسلمين يتعرضون أكثر من غيرهم إلى الفحص الأمني المشدد الذي يتضمن أسئلة محرجة ومقلقة، ذات صيغ تنميطية دينية، تتمحور حول سؤال المستجوبين حول معتقداتهم وممارسة شعائرهم الدينية»، وهذا النوع من الأسئلة مخالف للدستور الأميركي.
إن لم يكن كيلي مستعداً لتصديق شكاوى العرب والمسلمين وهدد بمغادرة الاجتماع اعتراضاً على تلك الشكاوى، فالعرب والمسلمون بدورهم ما عادوا يتحملون التنميط المستمر، وإساءة تمثيلهم، ومراقبتهم من قبل مؤسساتنا الأمنية والحكومية، كما أنهم ما عادوا يحتملون الامتهان الصارخ لمجتمعاتهم وممثليهم.
إننا في «صدى الوطن» نعرب بادئ ذي بدء عن شكرنا للسناتور غاري بيترز وجهوده في ترتيب ذلك الاجتماع، كما نعرب عن امتناننا لجهود النائب ديبي دينغل لإيصال هموم وقضايا المجتمع المحلي إلى واشنطن.
لكننا نستنكر سلوك الوزير كيلي وعدم تفهمه لمخاوفنا ونعتقد بشكل جازم أن وزراة الأمن الداخلي غير جادة في تهدئة قلق وهواجس العرب الأميركيين.. فالخطوة الأولى لحل أية مشكلة هي الاعتراف بوجودها أولاً، ومن الواضح أن الوزير الجديد لا يريد الاعتراف بوجود المشكلة.. ما يعني أن العرب والمسلمين الأميركيين سيواجهون المزيد من الإقصاء والتهميش في قادم الأيام!
Leave a Reply