يتقدّم موضوع التمديد الثالث لمجلس النواب في لبنان، على أي شأن آخر، طالما أنه لم يتم الإتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية، خلال المدة المتبقية من المهلة التي يمكن دعوة الهيئات الناخبة للإقتراع، إذ أن آخر مهلة تنتهي في 18 نيسان (أبريل) الحالي، أي قبل شهرين أو ستين يوماً من ولاية المجلس النيابي الحالي التي تنتهي في 21 حزيران (يونيو)، وإذا لم تتضاعف الجهود وتتكثّف اللقاءات والإتصالات من أجل التوصل إلى اتفاق حول قانون، خلال شهر نيسان في ظل لاءات رئيس الجمهورية (لا للقانون الحالي النافذ –قانون الستين– ولا للتمديد) الذي وضعت الجميع أمام مسؤولياتهم، وحثّهم على إصدار قانون جديد.
وإذا انقضى شهر نيسان ولم يتم التوافق على قانون انتخاب، فإن أطرافاً سياسية ترفض الفراغ في مجلس النواب الذي يهدّد به الرئيس ميشال عون، والذي يؤكّد أنه لا يقبل في بداية عهده أن تحصل انتخابات من دون قانون جديد، وهو كذلك الذي اعتبر أن عهده يبدأ بعد إجرائها وتشكيل حكومة جديدة، تكون حصيلة نتائج الانتخابات وما أفرزته من كتل نيابية.
تعطيل أمني وسياسي
التسمية الجديدة للتمديد يُطلق عليها «التقني» بعد أن حصل تمديدان الأول في نيسان 2013، وسُمي بالتمديد «الأمني»، لأن الظروف الأمنية التي كان يمرّ فيها لبنان كانت لا تسمح باجراء الانتخابات، من اشتباكات في طرابلس بين باب التبانة وجبل محسن، إلى الوضع الذي إستجدّ في عرسال وانتقال مسلحين سوريين إليها وتوتير الوضع الأمني، وخلق جبهة اشتباك مع الجيش اللبناني و«حزب الله»، ثم الظاهرة التي برزت مع الشيخ أحمد الأسير في صيدا، التي شهدت قطعاً للطرقات واعتصامات كان يفتعلها الأسير، في عاصمة الجنوب وبوابته، إلى أن تمّ حسم المعركة العسكرية معه في حزيران 2013، وإزالة البؤرة الأمنية التي أقامها في منطقة عبرا شرق صيدا وعلى تماس مع حارة صيدا ذات الكثافة الشيعية، لافتعال صدام معها، وإحداث فتنة سنّيّة–شيعية، تمّ تفادي الانزلاق إليها.
فالتمديد الأول لمجلس النواب ولمدة 17 شهراً بذريعة الأمن، تم استتباعه بتمديد ثانٍ لمدة 31 شهراً أي عامين وسبعة أشهر، ليمدد المجلس لنفسه بذلك ولاية كاملة، ولأسباب سياسية هذه المرة، لأن الكتل النيابية لم تتفق على قانون للانتخاب، بالرغم من أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أقرّت مشروع قانون أرسلته إلى مجلس النواب، ويقوم على النسبية و13 دائرة انتخابية فلاقى رفض «تيار المستقبل» الذي هدّد بمقاطعة جلسة مجلس النواب إذا أراد إقراره، فتجاوب الرئيس نبيه برّي مع هذا المطلب، وأكّد أنه لن يعرض قانون للانتخاب لا يحظى بـ«الميثاقية»، بسبب مقاطعة كتلتي المستقبل ووليد جنبلاط، وهكذا بقي مشروع القانون طيّ الأدراج، فتمّ التمديد الثاني لمجلس النواب، لأسباب سياسية صرفة هذه المرة.
فقدّم «تكتل الإصلاح والتغيير» برئاسة العماد ميشال عون طعناً هو الثاني له، أمام المجلس الدستوري، الذي لم يأخذ بالطعن الأول، لعدم اكتمال نصابه القانوني بتغيب ثلاثة أعضاء. أما الطعن الثاني، فقبله المجلس الدستوري وأقرّ بالإجماع بضرورة «دورية الانتخاب»، أي لم يقبل بالتمديد ودعا رئيس مجلس النواب إلى حثّ الحكومة على الدعوة للانتخابات التي كان مؤملاً أن تجري لاسيما بعد حصول انتخابات رئاسة الجمهورية ووصول العماد عون إلى قصر بعبدا، وتشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، وتمثّلت فيها كل الأطراف، ومن واجبها إقرار قانون للانتخاب، وهذا ما لم يحصل بعد.
ربع الساعة الأخير
المهل الدستورية الضاغطة، باتت تفرض على المسؤولين، التوصل إلى صيغة، لا تتعارض مع توجهات رئيس الجمهورية الذي يلتقي فيها مع العديد من القيادات السياسية والحزبية، ومنهم الرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله والنائب وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بضرورة إجراء الانتخابات وفق قانون جديد، مازال الوصول إليه متعثّراً ومتأخراً، إلا إذا حصل إتفاق في الربع الساعة الأخير، على قانون انتخاب يجمع ما بين النسبية والأكثري، وهو اقتراح الوزير جبران باسيل الثالث، حيث يؤكّد رئيس «التيار الوطني الحر»، بأن تقدماً حصل مع اقتراحه، وتمّ التوافق على المقاعد التي تعتمد النظام الأكثري، وتبقى المقاعد على أساس النسبي، وهذه يجري البحث فيها، إذ يكشف الوزير باسيل، أن لا اعتراضات تذكر على مشروعه المختلط، وهو يمثّل كل الشعب.
وإذا أبصر القانون النور خلال هذا الشهر، فعندها يصبح التمديد «تقنياً» للمرة الثالثة، وتحت ذريعة تدريب الموظفين وتأهيلهم للذين سيشرفون على العملية الانتخابية، كما تعليم الناخبين على آلية الانتخاب، وهذه الذريعة قد يؤخذ بها، إذا كانت فترة تأخير إجراء الانتخابات قصيرة ولا تتعدّى الأشهر الثلاثة، أي في نهاية أيلول (سبتمبر) أو منتصف تشرين الأول (أكتوبر) كأبعد حد.
وهذا ما بدأ يتم تداوله في أوساط النواب، ويتسرّب إلى وسائل الإعلام، لكن هناك مَن يتحدّث عن تمديد لعام واحد، إذ أن الرئيس سعد الحريري بحاجة إلى هذه المدة، لترتيب أوضاعه المالية، حيث أن عدم توفر المال، قد يفقده الكثير من المقاعد، بعد أن اعتادت حملاته على صرف المال الانتخابي لجذب الناخبين. علماً أن الإنفاق الانتخابي محدد وفق القانون بـ150 مليون ليرة للمرشح الواحد، وإذا تعدّت النفقات هذا المبلغ، يصبح الأمر مشبوهاً، وقد يحاسب عليه القانون بتهمة شراء أصوات ناخبين.
استحقاق دستوري
لذلك فإن المرشحين والناخبين يتعاطون مع الانتخابات النيابية، على أنها دخلت دائرة التمديد «التقني»، وهو ما خلق حالة من النقمة والاحتجاج لدى أحزاب وقوى سياسية وهيئات في المجتمع المدني، المطالبة بإجراء الانتخابات التي إذا لم تحصل، فيكون المسؤولون أمام تحمل تبعات ذلك بعد أن أعلن المجلس الدستوري موقفه حول دوريتها، مما يعني أن رئيس الجمهورية أمام مسؤولية قسمه بالمحافظة على الدستور وتطبيقه، ثمّ الإلتزام بخطاب القسم، بإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري وفق قانون جديد، وإذا لم يحصل ذلك يكون العهد أمام أزمة صدقية رئيسه كما أنه يُسجل عليه إصابته بنكسة، أن لا يواكب مجلس نواب جديد الرئيس عون، مع انطلاق ولايته الرئاسية، بإصدار قوانين جديدة، ترعى قيام الدولة ومؤسساتها.
فالوقت يضيق أمام موعد الانتخابات التي إذا لم تحصل سيسجل على لبنان أنه دولة فاشلة، إذ تطالبه الدول، لاسيما منها الكبرى والنافذة، أن يحترم المهل الدستورية ويجري الانتخابات في موعدها، ولا يجوز أن تتأخر عنه، ويحصل الفراغ في مجلس النواب، كما جرى في رئاسة الجمهورية التي نصّ الدستور على أن الحكومة تقوم بمهامها وصلاحياتها، حتى انتخاب رئيس جديد، وهي طالت لمدة عامين ونصف العام بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، وتعذّر مجلس النواب انتخاب خلف له، بسبب الخلاف السياسي وتدخل الدول في انتخابات رئاسة الجمهورية، كما كان يحصل منذ الإستقلال حتى اليوم، إذ أن انتخاب العماد عون تكلّل بتوافق إقليمي وتأييد دولي بعد التوافق الداخلي اللبناني على إسمه.
حافة الهاوية
الفراغ في مجلس النواب، يعني تعطيل عمل المؤسسة التشريعية، وهي التي عليها التصديق على قانون الانتخاب إذا ما تمّ الإتفاق عليه، كما من صلاحياتها انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يجوز تعطيلها، لأن بذلك تشلّ الدولة بكل مؤسساتها، وهذا يأخذ لبنان إلى المجهول وفق قول الرئيس برّي، والى حافة الهاوية كما أشار الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، أو إلى الفراغ كما لوّح الرئيس ميشال عون، أو إلى الشارع كما هدّد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، أو إلى أزمة نظام كما أعلن النائب طلال إرسلان، أو انفجار سياسي، وربما أمني، كما حذّر جنبلاط.
فاللعب على حافة الهاوية، من قبل القوى السياسية اللبنانية، هو أخطر ما يشهده لبنان في هذه المرحلة الدقيقة، لأنه إذا لم يتّفق اللبنانيون فيما بينهم على قانون لتكوين سلطتهم وفي ظل ارتفاع حدّة الخطاب الطائفي والمذهبي، وتقدم حقوق الطوائف وتراجع حس المواطنة.
فإن سقوط لبنان إلى الهاوية، أمر قد يحصل، إذا لم يُحسن المسؤولون فيه إدارة عملية إصدار قانون للانتخاب، يعتمد على النص الدستوري الذي أشار إلى إصدار قانون للانتخاب خارج القيد الطائفي، وفق ما ورد في إتفاق الطائف، على أن ينشأ مجلس شيوخ تتمثل فيه الطوائف والمذاهب بالتساوي، وتشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية، وهذه البنود الثلاثة من الاتفاق–التسوية في الطائف والذي تمّ التوصل إليه، قبل 27 عاماً، لم تطبق، وهذا ما زاد من تعقيد أزمة النظام السياسي في لبنان الذي بات الخوف كبيراً عليه من العودة إلى مرحلة ما قبل الحرب الأهلية، حين رفعت الشعارات الطائفية نفسها تحت عنوان المشاركة في السلطة، وكل ذلك أنذر باندلاع فتنة حركتها عوامل ومصالح إقليمية ودولية.
Leave a Reply