حالة الترقب والقلق التي يعيشها مئات العراقيين الصادرة بحقهم أحكام بالترحيل من الولايات المتَّحدة، ستنتهي بعودتهم إلى وطنهم الأم، وذلك بعد موافقة الحكومة العراقية مؤخراً على استقبالهم نتيجة اتفاق–مقايضة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي.
وخلال السنوات القليلة الماضية صدرت أحكام قضائية بترحيل مئات العراقيين من الولايات المتحدة، غير أن حكومة بغداد كانت ترفض استقبالهم طوال تلك الفترة، ما اضطر السلطات الأميركية إلى إبقائهم على أراضيها بانتظار إيجاد حل دائم لهم.
وبحسب تقارير صحفية، توصل الرئيسان ترامب والعبادي الشهر الماضي إلى اتفاق يقضي بموافقة الحكومة العراقية على استيعاب المبعدين مقابل إزالة اسم العراق عن قائمة الدول التي أمر البيت الأبيض بمنع رعاياها من دخول الولايات المتحدة، شرط أن تقوم الحكومة العراقية أيضاً بتعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة عبر توفير المعلومات المطلوبة عن مواطنيها للسماح لهم بالسفر والهجرة إلى أميركا.
وعلى هذا الأساس، يبدو أنَّ البعض المدرجين على لائحة الترحيل سيبعدون إلى العراق ابتداء من الشهر الجاري، رغم المخاطر التي قد يواجهونها هناك بحسب بعض الناشطين.
توقيت سيء لمحام وموكله
ومن بين قضايا هؤلاء العراقيين، نشرت «الإذاعة العامة في ميشيغن»، تقريراً حول عدد من العراقيين المدرجين على قائمة الترحيل في منطقة ديترويت التي تقطنها كثافة سكانية عراقية تصل إلى 175 ألف نسمة. ومن بين هؤلاء، رجل عراقي يقبع بالسجن أكثر من ستة أشهر، وكان على وشك أن يتم الإفراج عنه ووضعه تحت المراقبة، لو لم تعلن الحكومة العراقية استعدادها لعودته إلى وطنه الأم.
المحامي براد مايز اكتشف تغيير موقف دولة العراق بعدما قام بتقديم أوراق إخلاء سبيل مؤكله الذي كان عملاء من دائرة الهجرة قد اعتقلوه بعد خرقه المراقبة (بروبيشين) وأبقوه في مركز اعتقال لأكثر من ستة أشهر وهذه مدَّة تفوق المهلة التي يحددها القانون حيال احتجاز المخالفين، فقال.
«ولهذا تقدمنا بدعوى قانونية لدى المحكمة الفدرالية في ميشيغن لكي ننقض هذا الاعتقال التعسفي ونفرض على دائرة الهجرة إمَّا إطلاق سراحه أو ترحيله»، كما صرَّح المحامي مايز.
وكان موكّل مايز قد صدر بحقه حكم نهائي بالترحيل، ولكنه بقي قيد الاحتجاز بسبب رفض الحكومة العراقية إصدار جواز سفر خاص به واستقباله في العراق.
وأضاف مايز «افترضنا أن الحكومة العراقية لن تقوم بإصدار وثيقة سفر لموكلي لأنها لم تقم بذلك في السابق». ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان حيث تخلَّتْ بغداد عن تمنعها السابق حول اجراءات الترحيل حسب ما كشفته الحكومة الأميركية للمحامي!
وخلص المحامي مايز إلى القول «العراق حُذِف من لائحة حظر السفر استناداً إلى اتفاق معه على تسهيل استعادة المواطنين العراقيين الخاضعين لاجراءات الترحيل. أمَّا موكلي فإنه ما زال يقبع اليوم في مركز الاعتقال منتظراً وضعه على طائرة متجهة نحو بلده العراق».
إنجاز لترامب
جيسيكا ڤون، من «مركز دراسات الهجرة المحافظ»، أشادت استجابة ترامب السريعة للمسألة التي عجزت عن إصلاحها الإدارة السابقة بإقناع الحكومة العراقية وغيرها من الحكومات المتمنّعة حول العالم باستقبال رعاياها المبعدين من الأراضي الأميركي لارتكابهم جرائم.
وأكدت ڤون «هذه أول الأمثلة على أنَّ إدارة ترامب عندما أتيحت لها الفرصة لإحراز تقدم في مسألة الدول المتمردة، اغتنمتها ونجحت فعلاً في إقناع دولة من هذه الدول بتغيير موقفها».
وأضافت «إِنْ دلّ هذا على شيء بالنسبة لي، فإنه يدل على أنَّ الولايات المتَّحدة يمكنها أن تستعمل نقاط قوة في التفاوض مع دولة أخرى ويمكننا استخدام عنصر القوة في تغيير ممارسات الغير حول هذه القضية».
وادَّعت ڤون أن «كل العراقيين الذين هم قيد الترحيل اتيحت لهم الفرص القانونية الكافية لتقديم طعون أمام المحاكم وعرض قضاياهم»، وتابعت «فإذا لم يتمكَّنوا من القيام بذلك، عليهم حقيقةً أن يعودوا لوطنهم أو يُمنحوا فرصة ترحيلهم إلى بلد آخر».
الكلدان قلقون
غير أنَّ مارتن منَّا، رئيس «مؤسسة المجتمع الكلداني» حذر من غض النظر وتجاهل ما قد يحدث للمُبعَدين عندما يصلون إلى وطنهم العراق.
ويقدّر منَّا وجود حوالي 300 كلداني كاثوليكي في ميشيغن وحدها مهددين بالترحيل بعد موافقة الحكومة العراقية على استقبال المبعدين، لافتاً إلى أن هؤلاء يواجهون خطراً محدقاً على حياتهم في حال عودتهم إلى العراق بسبب ديانتهم.
وأضاف بأن «إرسالهم إلى هناك هو بمثابة الحكم عليهم بالإعدام» مشيراً إلى أن المفارقة «المثيرة للسخرية» تكمن بأن «غالبية الكلدان في مقاطعة ماكومب دعموا ترامب خلال حملته الانتخابية للرئاسة لأنهم ضاقوا ذرعاً من السياسات المائعة السابقة التي كانت إدارة الرئيس السابق أوباما تتبعها تجاه المسيحيين».
وكان منّا ونشطاء آخرون قد طرحوا مخاوف المجتمع الكلداني في اجتماع عقد مع وزير الأمن الداخلي جون كيلي في مطار ديترويت الدولي يوم ٢٦ آذار (مارس) الجاري.
حقائق قاسية
لكن مشاعر الخوف والقلق لا تقتصر فقط على العراقيين المسيحيين، بل تطال جميع الأشخاص الذين عاشوا في أميركا لسنوات طويلة ليجدوا أنفسهم فجأة عرضة للإبعاد والترحيل.
من بين هؤلاء، كام، وهو رجل أعمال كردي عراقي يبلغ من العمر 41 عاماً ويسكن في منطقة ديترويت مع زوجته الأميركية كارولين وأطفالهما الثلاثة. وقد تمنع كام عن ذكر اسم عائلته لـ«راديو ميشيغن» لأنه وزوجته قلقان من أنَّ ذلك قد يضر بقضيته.
كام أتى إلى الولايات المتَّحدة في عام 1993 وكان في سن المراهقة، برفقة والديه وثماني شقيقات وشقيق واحد. وكانت العائلة المؤلفة من 12 فرداً قد هربت من بلدتها شمالي العراق سيراً على الأقدام.
كام أمضى في أميركا ضعف السنين التي عاشها في بلده العراق، لكنَّه مع ذلك لم يحصل على الجنسية الأميركية، رغم أنه يعتبر «هذه البلاد منذ البداية «وطنه وثقافته وحياته».
في عام 2011 أُدين كام بتهمة تهريب ماريوانا وهي تهمة تؤدي للترحيل حسب قانون الهجرة لكن بغداد رفضت منحه جواز سفر، فعاد إلى ممارسة حياته الطبيعية في ميشيغن، في ورشته لحدادة السيارات، وتربية أولاده وزيارة مكتب الهجرة دورياً.
مؤخراً، يقول كام، تلقى اتصالاً من محاميه أبلغه فيه «أن ما تسمى بالحكومة العراقية دخلت في نوع من صفقة خاصة حول رفع حظر السفر عن العراق»، يستذكر كام تلك المكالمة فتغرورق عيناه بالدموع فيما زوجته بجانبه تواسيه.
هلا نخبر الأولاد؟
سارة، شقيقة كام، كانت تجلس على الكنبة المقابلة له وعبرت لـ«راديو ميشيغن» عن ذعرها البالغ من امكانية استهدافه بالقتل في العراق باعتباره من الأقليات هناك.
وكانت سارة وإحدى شقيقاتها قد عملتا في الترجمة لصالح الحكومة الأميركية منذ حوالي عقد مضى، وتقول
«بالنسبة لي كمواطنة أميركية في هذا البلد شعرت أن من واجبي أن أخدم بلدي» وأردفت «لكنني الآن أنظر إلى نفس الحكومة التي خاطرنا بحياتنا من أجلها، أنا وأختي، وهي تحاول إرسال شقيقي إلى هناك…».
ولا يبدو واضحاً تماماً حتى الآن مدى سرعة السلطات الأميركية في إكمال إجراءات إبعاد جميع المحكومين بالترحيل، ولم تكشف دائرة الهجرة والجمارك (آيس) سوى أن رحلة الإبعاد الجوية الأولى إلى العراق ستغادر في نيسان (ابريل) الجاري.
ولا يعرف كام ولا كارولين ماذا سيقولان لأولادهما إذا طال الترحيل أباهم، علماً أن كارولين لم تخبرهم البتة بأي معلومات عن الموضوع، بحسب قولها.
وختمت كارولين متسائلة بأسى «هل احضِرهم إلى موعد رحلته حتَّى يتسنَّى لهم توديعه أم أظل أدعي أن لا شيء حدث وهذا يعني انهم لن يتمكَّنوا من توديع أبيهم؟».
أسئلة حائرة من أم يسابقها الوقت وليس عندها مهلة طويلة للتفكير ما عدا أيامٍ قلائل قبل موعد كام مع «آيس» الأسبوع المقبل.
Leave a Reply