حسن خليفة، طارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
أثارت إعادة نصب تمثال رئيس بلدية ديربورن الأسبق أورفيل هابرد في الباحة الأمامية لمبنى «متحف ديربورن التاريخي» النقاش في الأوساط الحقوقية والشعبية المطالبة بتمجيد إرث هابرد الحافل بالتعصب العرقي وسياسات الفصل العنصري بين البيض والسود.
وكان التمثال البرونزي قد أزيل في العام 2015 من أمام مبنى البلدية السابق، عند تقاطع شارعي شايفر وميشيغن أفنيو في شرق المدينة، عقب انتقال ملكية المبنى إلى مؤسسة «آرت سبايس» الفنية.
ومنذ ذلك الحين تم تخزين التمثال البالغ طوله حوالي ١٠ أقدام، لمدة 17 شهراً في أحد المستودعات حيث خضع لعملية صيانة بكلفة بلغت 4200 دولار، ليعاود الظهور مجدداً أواخر آذار (مارس) الماضي وسط المساحة العشبية بالقرب من تقارطع شارعي غاريسون وبرايدي في غرب المدينة.
وباستثناء الإسم واللقب وفترة ترؤسه لبلدية ديربورن، لم تحمل لوحة النصب أية معلومات إضافية عن هابرد المعروف بأنه أحد رموز الفصل العنصري في الولايات الأميركية الشمالية أواسط القرن الماضي، وفقاً لمقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» سنة 1969.
عنصرية فاقعة
ويثير تمثال هابرد، التي تولى رئاسة بلدية ديربورن لمدة 36 عاماً (1942–1978)، انتقادات واسعة بسبب تأييده العلني والفاقع للفصل العنصري بين البيض والسود، وهو ما دفع الكثيرين إلى المطالبة بإزالة النصب نهائياً، فقد انتقد الكوميدي والناشط عامر زهر إعادة نصب التمثال التي كلفت أعمال صيانته ونصبه حوالي سبعة آلاف دولار (إجمالي كلفة الصيانة والقاعدة الجديدة للنصب) «التي سيتم دفعها من جيوب دافعي الضرائب»، مشيراً إلى أنه ليس كافياً –في معرض انتقاد هابرد– القول إنه كان مجرد مُنتَج من منتجات عصره، «فقد فعل ما فعل، وقال ما قال في حقبة الحقوق المدنية.. لقد كان في الجانب الخاطئ من التاريخ وليس لديه ما يُحتفل به اليوم.. فالآن هو الوقت لمواجهة الصفعة لتنوع ديربورن والمجتمع العربي الأميركي فيها على وجه الخصوص».
وفي بيان صحفي للمرشح لرئاسة بلدية ديربورن جيم باريلي، وصف إحياء نصب هابرد أنه بمثابة «إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في ديربورن». وقال «يبدو واضحاً بالنسبة لي –من خلال كلماته (هابرد)– أنه ما كان ليتوانى عن تحقير العرب والمسلمين الأميركيين الذين تكتظ بهم منطقة ديربورن الشرقية، وكذلك الشريحة المتزايدة من القوى العاملة المتنوعة في شركة فورد لصناعة السيارات».
وأضاف: «إن تنوع السكان على شارع وورن وفورد يظهر بشكل الواضح أنهم سيكونون الفئات التي كان هابرد سيبذل أقصى جهوده لتنظيف المدينة منهم» في إشارة إلى العرب الأميركيين.
وشجب باريلي موقف رئيس البلدية جاك أورايلي الذي وصف المتحف بأنه «المكان الملائم لتقدير مكانة (هابرد) في تاريخ ديربورن».
جزء من تاريخ المدينة
جدير بالذكر أن الجدل حول نصب تمثال هابرد كان قد بدأ في أعقاب حادثة إطلاق نار على كنيسة للسود في مدينة تشارلستون بولاية ساوث كارولاينا وأسفرت عن مقتل 9 أشخاص، في حزيران (يونيو) 2015. وحينها نشر الكاتب بيل ماكغرو مقالاً في موقع «ديدلاين ديترويت» الإلكتروني، اقترح فيه نقل التمثال إلى المتحف التاريخي في ديربورن. وقال كبير أمناء المتحف جاك تايت لـ«صدى الوطن» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 إن التمثال تم نقله من موقعه السابق، من أمام مبنى البلدية القديم، لأنه وبكل بساطة لم تعد المنطقة مملوكة للبلدية.
وأكد أن التمثال سيعاد نصبه أمام المتحف التاريخي بديربورن، قبالة شارع برايدي، قائلاً «كنا على علم بأنه (التمثال) سوف ينقل، منذ عام مضى».
كما أشار عضو لجنة ديربورن التاريخية ديفيد غود إلى أن مكتب رئيس البلدية قد أوصى بأن يكون الموقع الجديد للتمثال في المتحف التاريخي وأن اللجنة قد وافقت على ذلك المقترح بالإجماع. وأضاف «لا يوجد مكان لنصب التمثال داخل مبنى المتحف، وأعتقد أن نصبه خارج المبنى هو فكرة جيدة».
وأشار إلى أنه كان يفضل أن يعاد نصب التمثال في متحف هنري فورد، في المعرض الخاص بحقبة الحقوق المدنية.
كما نفى كبير أمناء المتحف التاريخي بديربورن جاك تايت –في حديث سابق مع «صدى الوطن»– أن يكون قد سمع باستياء الناس من إعادة نصب التمثال، مضيفاً «سينصب عند المتحف المخصص للمدينة.. إنه (هابرد) فصل في تاريخنا».
ولكن تايت الذي عرف هابرد شخصياً وصفه بأنه رجل نزيه و«سياسي كبير في زمانه.. فهم (عقلية) مواطنيه وفعل كل ما بوسعه من أجل دعمهم وجعلهم سعداء».
هابرد العنصري
وصادف يوم الأحد الماضي الذكرى 114 لميلاد هابرد الذي عُرف بمواقفه العنصرية ضد الأميركيين السود وسياساته المتشجنة للحفاظ على ديربورن كمدينة للبيض.
ويعتبر هابرد واحداً من رؤساء البلديات الأكثر حكماً في تاريخ أميركا، وقد اكتسب سمعة وطنية من خلال معارضته إسكان الأفارقة الأميركيين في ديربورن حتى في الوقت الذي كان فيه السود يمثلون الشريحة الأكبر ضمن عمال مصانع فورد للسيارات في المدينة، وقد أشار إليهم هابرد في حديث مع «نيويورك تايمز»، 1969، بالقول: «أنا لا أكره العبيد كما أنني لا أحبهم.. يا للمسيح.. ولكن إذا لم يرد البيض أن يعيشوا معهم فلا يجب عليهم أن يفعلوا ذلك.. اللعنة.. هذا بلد حر.. هذه هي أميركا».
وفي عام 1956 قال لصحيفة بولاية ألاباما «لا يمكنهم (السود) دخول المدينة، وفي كل مرة نسمع فيها أن زنجياً جاء إليها، فسوف نستجيب بأسرع ما تستجيبون لإطفاء النار».
وقال مرةً «أنا لست عنصرياً ولكنني أكره السود الملاعين».
وكانت لهابرد تصريحات عنصرية ضد السود وقد بذل كل جهده من أجل دفعهم إلى الإحجام عن المجيء الى ديربورن عبر تسليط الشرطة عليهم، وقد كان يصفهم علانية بـ«العبيد» (نيغرو)، كما أمر شرطة المدينة خلال أحداث ديترويت 1967 بإطلاق النار على السود في حال ضبطهم وهم ينهبون المحال التجارية في ديربورن، أسوة بما حصل في صيف ذلك العام في مختلف أحياء ديترويت.
واشتهر هابرد أيضاً بلقب «ديكتاتور ديربورن» حيث انتخب لرئاسة البلدية ١٥ مرة كان آخرها في العام ١٩٧٣، وقد تبين في إحدى الانتخابات أنه قام بتأجير منافس له حتى لا يظهر بمظهر المستبد.
وتوفي هابرد عام ١٩٨٢ عن عمر ناهز ٧٩ سنة، وقد قدم خلال سنوات حكمة الـ٣٦ خدمات كبيرة لسكان ديربورن، أبرزها شراء برج للمتقاعدين من سكان المدينة في ولاية فلوريدا (تم بيعه)، ومنتزه «كامب ديربورن» العملاق في بلدة ميلفورد (مقاطعة أوكلاند)، إلى جانب تحسين نوعية الحياة والخدمات البلدية في المدينة.
Leave a Reply