–1
في مدينتي الغرقى (من غير المستحب ذكر شرورها قبل الطوفان) تسبح جثتي العارية، تطفو وتتلاعب بها الأمواج وهي تدور وتدور حيرى تبحث عن مستقر لها على شاطىء داكن تقوم على أطرافه غابات أشجار تشبه النخيل.
إن مدينتي الغرقى كانت تقع تماماً تحت السد الذي انفجر بعد أن استشاط غيظاً وقد تلاعبت الجرذان بحجارته ومقوماته الخرسانية وقضمت حديده المقوى.. إذ ذاك انفجر السد، وقالوا –بل تأكدنا– من أن الجرذان كانت حيوانات معادية للناس.. للحياة.. وإنها مدربة تماماً على استهداف السدود، وهي قبل ذلك بنحو بضعة آلاف من الأعوام عملت على ثقـب «سد مأرب» وعلى تحويل اليمن من «السعيد» إلى «التعيس»، وهي اليوم انتقلت على نحو ما لاستهداف نهر الفرات والتمادي بإغراق ما حوله، وصولاً إلى رسم نهاية للتاريخ، وتدمير كل الآثار والتراث الإنساني في تلك المنطقة.
الجرذان تنتمي إلى «داعش»، والتي هي تنتمي بدورها إلى الأبالسة الذين ما أن تنهزم جموعهم في حروب الموصل وتدمر وحلب ونواحي دمشق و.. حتى يجدوا طريقة لإعادة الامور إلى الـوراء (هـم لا يتورعون عن ازدراء السد) طالما أن النتيجة ستكون الكارثة.
–2
في الحقيقة أنا وقد غرقت مدينتي، وجثتي تطفو على هذا النحو وتتدافعها الأمواج وقد امتص رحيق دمي أخطبوط كان يختبىء في مغارة الماء، وربما على لحظة انفجار السد وقد جرفتني المياه وأياديه الثماني وفي كل يد خمسون محجماً وامتص دمي وتركني مثل كيس لا يحتوي سوى العظام.. وأنا إذ ذاك أسفت ليس على أيديولوجيا الأطراف المتنازلة وأفكارها السياسية، وليس ما أدلى به شيخ مسجد حارتنا ولا راهب الدير المقيم في حارات بلدتنا القديمة حول صلاح أمرنا، وليس على ما أدلى به أستاذ الرياضيات عن عالم الاتصالات، فأنا كنت أحد الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي، ذلك لأن الناس مشغولة باستذكار أمواتها وبأنواع مآدبها وما جاء جمالها ودلالها وليس باستعادة الأرض والشعب والمؤسسات، فذلك بات أمراً طيّ النسيان وليس بديمقراطيتنا الغائبة وسلامنا المستحيل، وليس بأن نجعل الأمر شورى بيننا.
أنا بالحقيقة كنت منشغلاً باستظهار حب قديم لفتاة من حينا غادرتني على حين فجأة منذ نحو خمسين عاماً ثم انتبهت إلى أن ما كان بيننا ليس سوى الحب.
لو أن جثتي لا يسكنها الحب.. لو أنها تستريح تحت تراب الماء، لو..
Leave a Reply