عشية الحرب الأهلية البغيضة التي اندلعت في 13 نيسان، وقفت البلاد على حافة هاوية مواجهة طائفية مسيحية إسلامية كادت تؤدي، لو لم يتم تفاديها من قبل رئيس الجمهورية، إلى ما لا تحمد عقباه! والعجيب في «شقفة الوطن» – المزرعة أنَّ الحرب الطاحنة كادت تقع والفوضى تعم البلد ليس بسبب المطالِب الإجتماعية أو ثورة الشعب لتحصيل حقوقهم ولا بسبب سلسلة الرتب والرواتب التي لم تتم حتَّى الآن ولا بسبب أزمة النفايات المستمرة، بل بسبب مشكلة التمديد للنواب. مما يطرح سؤالاً بريئاً على الشعب اللبناني: يعني إذا لم يُمَدَّد للنواب وحلَّ الفراغ، فماذا كان سيتغير؟ هل كان وجودهم بالأصل ضرورياً للعباد؟
.. مسخ الوطن لم يتعلَّم من الحرب الأهلية التي كانت شرارتها مجزرة «البوسطة» من تأليف وبطولة حزب «الكتائب» في عين الرمانة، وبقيت القلوب منها مليانة حتَّى اليوم بدليل أنَّ البلد بقي على كف عفريت وبرميل بارود قد ينفجر في أي لحظة ولأسباب عديدة قد تكون بسبب قانون الانتخاب أو قضية النسبية أو الغاء الطائفية السياسية، فلم يحلل سياسيو لبنان أسباب ودوافع الحرب الأهلية ولم يستخلصوا العِبَر فكان شعارهم لا غالب ولا مغلوب من دون ثواب ولا عقاب وإلا لكان ثلاثة أرباع وحوش السياسة «يتختخون» اليوم في السجن.
في الأسبوع الماضي، «اشتغل» النوَّاب فعلاً بحق الله، أعطاهم العافية، وتناوبوا على الكلام المباح في جلسة نيابية «بلا فكاهة ولا مازية» كالعادة وأفادونا بأنهم ضد الفساد وأنهم مع الفقراء وضد فرض ضرائب باهظة عليهم، فطلِع معنا أنَّ الشعب هو المفتري على هؤلاء الحضاريين المعترين، كما أقنعنا فؤاد السنيورة، بالأدلة الدامغة، أنَّ 11 مليار دولار التي «اختفت» بسحر ساحر في عهده، عاد كل قرش منها لقواعده سالماً وهو محسوب بشفافية لدى المالية ولذا فهو بريء الذمة. «الذي يكذب هو مثلك يا فؤاد السنيورة! أنت الكذاب» كلمة السيد نواف الموسوي للسنيورة كم شفت الغليل مدى الحياة وكانت الجملة الأنفع والأصدق في مهزلة جلسة مجلس النواب!
الجميع كان «مستقتلاً» على التمديد ولا يقنعنا أحد أنَّ حزب الحرب الأهلية وتوابعه هو ضد هذا التمديد الذي فاقت مدته مدَّة الحرب الأهلية أو كادت. والظاهر ان نوَّاب الأمة استطابوا وكالاتهم القيِّمة عن الشعب من دون إجراء انتخابات، بحجج وذرائع واهية أولها قانون الانتخاب الذي لم يكفهم تمديدان إثنان لكي ينجزوه إلى أن اتفقوا، كيفما كان، على قانون مفصَّل على قياس الطوائف، وحتى في اللحظات الاخيرة ترأس سعد الحريري لجنة وزارية لوضع قانون انتخابي جديد فما كان من أعضائها إلا أن مرروا الوقت «بالسولفة وطق الحنك» على حد تعبير أحدهم، وكأن المهل القانونية لم تمر والوقت غير مهم في بئس الوطن فالشعب ساكن ومخدر مثلهم، ما خلا فوعات حراكية متقطعة تطفو أحياناً من هنا وهناك!
لا شيء يستثير حفيظة المسؤولين في لبنان، ولمَ العجَلَة فهي من الشيطان! حتَّى قضية استخدام ترامب للأجواء اللبنانية لإطلاق 59 صاروخ «توماهوك» على قاعدة «الشعيرات» السوريَّة، لم يشعر بها إلا رئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي. لم يهتم المسؤولون بأنَّ حرباً خارجية مسعورة تُشَن ضد سوريا الشقيقة من قبل أميركا بذريعة واهية هي الهجوم الكيماوي في «خان شيخون» الذي دبَّره وأخرجه ومثَّله الراعي الوهَّابي القطري التركي. صواريخ ترامب الحقيقية وغير الحقيقية مرت فوق سماء لبنان الذي يبقى شوكةً في خاصرة سوريا وممراً للاستعمار كما كانت دمشق تتحسب دوماً. وإلا فما معنى قيام بعض المسعورين بتعليق صورة ضخمة لترامب بعد العدوان على سوريا، أو مسارعة رئيس حكومة لبنان إلى ملاقاة أسياده باستغلال العدوان للتصويب على دمشق والرئيس الأسد؟ ثم أين نيام ما تبقى من «8 آذار» لمحاكمة رئيس حكومة يجتمع مع سناتورين أميركييين صهيونيين هما ماركو روبيو وجين شاهين «لبحث التضييق المالي على حزب الله الإرهابي» كما صرَّح روبيو بعد اللقاء وهو ما لم ينفه الحريري! ولكن من يتوقع من الحريري غير ذلك في لقاء مع سناتورين هما راعيا قانون محاربة المقاومة واليوم يجري توسيعه ليطال كل من يتعاطى ويتعامل معها؟ هل انتبه أحد من زعماء لبنان لهذين الموقفين المشينين للحريري أم شَغَلَهم صاروخ التمديد؟ يا نايم وحِّد الدايم!
لعل أفضل توصيف لماحصل في لبنان هذا الأسبوع جاء من اللواء جميل السيِّد في تغريدة له تقول «وصلوا بالبلد لأجواء حرب أهلية، وباللحظة الأخيرة وجدوا مخرجاً! شطارة أو سحر؟ لا. تمثيلية؟ نعم! ليقولولك نحن شياطينك وملائكتك، لا غنى لك عنّا..».
إذا كان نصف صواريخ «توماهوك» الترامبية قد تم تدميرها والباقي نزل في البحر إلا أنَّ «صواريخ» ساسة لبنان هي من ضمن منظومة أسلحة الدمار الشامل!
Leave a Reply