طفلة بعمر الورود وقفت أمام رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون وخاطبته بكلمة: «(جدّو) أنت (بيّ الكل)، نحن نحبك ونعتبرك والدنا جميعاً، وربنا يحميك». وعندما أنهت عبارتها البسيطة بدت للوهلة الأولى أنها تقف صامدة طليقة شجاعة، لكن سرعان ما داهمها شعور بريء فأجهشت ببكاء عميق وارتمت بحضن السيدة المرافقة لها في المكان الذي تُعالج بركن من أركانه.
تلك الطفلة المصابة بمرض نزف الدم الوراثي «الهيموفيليا». قد أدمت قلب الرئيس الذي طلب منها الاقتراب نحوه، وضمها إلى صدره بحنان الأبوة والدموع تنهمر من عينيه وهو يقبلها. داعب شعرها المتدلي على كتفيها، مانحاً إياها جرعة من الأمان والعطف الأبوي بعد أن طمأنها بأنها ستأخذ العلاج اللازم وتعيش حياة سعيدة إلى جانب أقرانها الأطفال الأصحاء.
علم الرئيس فيما بعد، أنها تأخذ علاجاً بديلاً، لتعسر إمكانية تأمين الدواء الأصلي، بسبب عدم قدرة الأهل على شرائه أو استيراده من المانيا، فتصرف الرجل كراعٍ مسؤول عن رعيته إذ أمر بإحضار الدواء لها بأسرع وقت كي لا تسوء حالتها.
إن من آثار «الهيموفيليا»، والذي يعرف أيضاً بمرض الناعور، هو نزف الدم المستمر، فإذا تعرض المبتلى بهذا المرض لأية إصابة أو جرح بسيط، فإنه يُحدث نزيفاً مستمراً تحت الجلد أو في المفاصل أو تحت العضلات بحيث لا يمكن إيقافه في بعض الأحيان إلا بإعطاء المصاب حقنة تعمل على تخثر الدم وبالتالي إيقاف النزيف، وهي حقنة باهضة التكلفة، عصية على ذوي الدخل المحدود.
ربما يكون هذا المرض متوارثاً في العائلات، ولعدة أجيال ، ونظراً لعدم ظهور علامات الزيادة في نزيف الدم لدى الذكور، فليس بالإمكان اكتشاف هذا المرض مبكراً، لكن ربما توجد في العائلة فتيات يحملن هذا المرض، فإن لم تكن من بين تلك الفتيات أي واحدة قد أنجبت أولاداً، أو لم يكن أحد منهم مصاباً بالمرض العضال هذا، فلن يتم التعرف على أن مرض الهيموفيليا ينتقل بين هذه الأجيال حتى يولد طفل ذكر مصاب به.
قد تكون إحدى أمهات الأطفال قد استحدثت لديها طفرة جينية عند حدوث الحمل استثناءً، لكن الأعم الغالب فإن الأم هي الشخص المتقدم الذي يحمل المرض إلى العائلة، كذلك ربما تحمله البنات أيضاً فينتقل منهن إلى أبنائهن كدورة وراثية.
فإذا كان الأب مصاباً بهذا النوع من الأمراض والأم سليمة منه، فإن النتيجة ستفضي إلى سلامة جميع الأبناء الذكور، فيما جميع الإناث يكن حاملات لهذا المرض.
أما إذا كان الأب مصاباً بهذا المرض والأم هي الأخرى حاملة له، فتكون النتيجة بأن خمسين بالمئة من الأبناء الذكور مصابون به، فيما النسبة المماثلة منهم يكونون سليمين، أما فيما يتعلق بالإناث فإنهن جميعاً يكن حاملات له.
وهناك حالات يكون عندها بالمستطاع اكتشاف المرض مبكراً، وتأتي عملية الختان للأولاد في مقدمتها، حيث يستمر الجرح في النزف لمدة طويلة دون توقف، كذلك فإن الكدمات تترك وراءها العديد من البقع الزرق تحت الجلد لدى الأطفال في السنتين الأولى والثانية من العمر.
وعلى الرغم من كل هذه العوامل الوراثية التي لا دخل للمخلوق في حدوثها، إلا أن الفرد المصاب بهذا المرض بإمكانه أن يحيا حياته العادية وأن يصل إلى العمر الذي يعيشه الإنسان العادي، كما يستطيع أن ينمو طبيعياً ويكمل تعليمه ويعمل ويتزوج، شرط أن يبتعد عن الأعمال التي تسبب له نزفاً، كما أن لممارسة الرياضة دوراً حاسماً ومفيداً في استمرارية الحياة الطبيعية كرياضة السباحة، فهي مهمة في تقوية العضلات ونموها.
كما أن لمزيد من أخذ الاحتياطات الضرورية من تبعات المرض، فإنه يتوجب إجراء فحوصات مختبرية قبل الزواج لمعرفة ما إذا كان أحد العروسين مصاباً به، وهناك بعض المحاذير التي يجب تجنبها مثل الابتعاد عن ممارسة الرياضات العنيفة كلعبة كرة القدم، وذلك لتجنب التعرض للإصابات الجسمية، ويأتي الحذر كذلك في حالة قلع الأسنان أو إجراء العمليات الجراحية، إذ يتطلب الأمر تلقي الدواء اللازم لتخثر الدم قبل الإقدام على الخضوع لمعالجة هاتين العمليتين.
كما يجب التذكير في النصح بعدم تناول الأسبرين من قبل حاملي هذا المرض، لما يسببه من سيولة تدفق الدم في الشرايين فيمنع تخثره، أما العلاج فيجب متابعته عن طريق الطبيب والتقيد بتعليماته.
أبعدكم الله عن شرور الأمراض وأدام عليكم الصحة والعافية.
Leave a Reply