«يلاحظ هيغل، في مكان ما، أن الأفكار التاريخية والرجال التاريخيّين،
يظهرون مرتين، نسي أن يُضيف، المرة الأولى كمأساة، والثانية كملهاة»
كارل ماركس
يوم الأحد الماضي، 16 نيسان، كان موعد ذكرى مجزرة قانا ١٩٩٦. المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها إسرائيل خلال عدوان نيسان 1996، حين أعماها الغضب، فقتلت بعناقيدها المتفجرة اللبنانيين الأبرياء ظلماً وغدراً وتشريداً وتدميراً لأرزاقهم. حتى لا ننسى قانا وغيرها من مآسي عدوان دولة طاغية وباغية، مدججة بأحدث أسلحة القتل والدمار والظلم والحقد مقابل مواطنين مسالمين عزَّل، لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون على أرضهم.
وحتى تبقى دماء الأبرياء حاضرة في ذاكرتنا وتاريخنا، قرَّر كبار القوم ونشطاء الجالية إقامة مهرجانين، بالتزامن مع ذكرى المجزرتين، بدلاً من إحياء المهرجان السنوي كما جرت العادة في المركز الإسلامي الكبير في ديربورن، فأقيم بالتوقيت نفسه حفل آخر على بعد بضعة كيلومترات، في قاعة بيبلوس، تحت لافتة كتب عليها بالبنط العريض: «رسالة الأمل».
«حاجة جميلة وبشرة خير».. على قول أحبتنا المصريين، وذلك ربما كسراً للروتين.
قلة ضئيلة حضرت، لا بأس «فالكرام قليل» كما قال السموأل. لكن أين قانا ومجازرها في تلك المناسبة المباغتة التي قررت فجأة الإحتفال بذكرى الإمام علي بن أبي طالب؟
بدون شك تستحق المناسبتان أكثر من احتفال أو لقاء، ولكن ليس في نفس اليوم والتوقيت وفي مكانين مختلفين، وكل فريق يدعي أنه هو «أم الصبي».
«ما هذه الآخرة الفاخرة» بدل من جمع الناس وإحياء ذاكرتهم بما حدث، تُستغّل المناسبة لإظهار الخلافات الحزبية في «حركة أمل» تحت مسمى «رسالة الأمل»، ويُستغّل اسم الإمام علي (ع) واسم الإمام موسى الصدر في ظروف سياسية وحزبية فاقعة التحوّل والتلوّن. وإذا كان الأستاذ نبيه بري في لبنان مشغول وغير مسؤول عما يجري من انقسام وحزازات بين «الأمليين» – انتساباً لحركة أمل – هنا في ديربورن، فعلى الأقل يجب أن يطلب من هؤلاء إظهار «شوية كرامة واحترام» لدم الشهداء وعقول الناس البسطاء الذين لولاهم لما وصلته كعكة الزعامة ومغارة علي بابا الوافرة.
حتى لا ننسى قانا، ليس بالانقسامات بل بالشفاء من علّة الزعامة والشغف بمواكبة «العبيد» لأسيادهم في حفلاتهم وتحولاتهم وغرامهم الشديد بألقاب التفخيم والتعظيم والابتسام بعظمة، أمام كاميرات التصوير.
هل هي نكتة أم اختزال لواقع حالنا. أرجوكم أن تقرأوا معي:
يُذكر في قديم الأيام أنه كان هناك فريق عربي للتجديف على القوارب. واتفق العرب والألمان على القيام بسباق سنوي للتجديف على أن يتكوّن كل فريق من ثمانية أشخاص. الألمان فازوا في السباق بفارق ميل واحد. كالعادة غضِبَ العرب كثيراً واكتشفوا بأن الألمان كان لديهم سبعة أشخاص للتجديف وكابتن واحد. وطبعاً كان لدى الفريق العربي سبعة أشخاص برتبة كابتن وكان هناك شخص واحد يتولى عملية التجديف.
اجتمعت الإدارة العربية. بحثت عن حل فشكلت الهيئات الاستشارية واللجان لإعادة هيكلة الفريق العربي، واستخلاص العبر من الهزيمة، فتم اختراع ألقاب جديدة برواتب عالية لتطوير بيئة عمل الشخص المجدِّف، وكانت المحصلة قارباً بمدراء ورؤساء وخبراء ومستشارين وبعامل تجديف واحد. ففاز الفريق الألماني ثانيةً وسبق الفريق العربي بميلين بدل ميل واحد!
Leave a Reply