لعل أفضل توصيف لاختيار المملكة العربية السعودية لعضوية «لجنة حقوق المرأة بالأمم المتحدة» هو ما جاء على لسان المدير التنفيذي في منظمة مراقبة الأمم المتحدة «يو أن واتش» هيليل نوير، حين قال: «إن انتخاب السعودية لحماية حقوق المرأة هو كمن قام بتعيين مشعل الحرائق إطفائياً».
وبما أن لجنة حقوق المرأة في المنظمة الدولية تُعنى بتمكين النساء وتحقيق المساواة بين الجنسين، وهو أمر غير وارد في السعودية التي تعتبر واحدة من أسوأ بلدان العالم من هذه الناحية، فقد كان من الطبيعي أن يثور جدل واسع في الأوساط الحقوقية والعالمية حول ذلك الاختيار ومدى انعكاسه على مصداقية الأمم المتحدة.
فالمملكة السعودية المحكومة بالعقيدة الوهابية الأصولية المتشددة، تحظر على نسائها أبسط الحقوق مثل الحصول على جواز سفر أو متابعة التعليم العالي أو السفر بلا محرم، إلا بعد نيل موافقة أولياء أمورهن، الذين عادة ما يكونون الآباء أو الإخوة الأكبر بالنسبة للعازبات، والأزواج بالنسبة للمتزوجات.
ولكن حتى رضا الوالدين لا يسمح لنساء السعودية بممارسة حقوق إنسانية أبسط، مثل حرية التنقل، فكما هو معروف تواجه المملكة بين حين وآخر انتقادات واسعة لمنعها النساء من قيادة السيارات.. بموجب تحريم ديني، لا منطق فيه.
فهذه المعضلة وغيرها من «العلامات الفارقة» التي تنفرد بها السعودية في عالم القرن الحادي والعشرين، باتت اليوم تشكل عوائق حقيقية أمام طموح المملكة بالاندماج في العالم الحديث وفق «رؤية» ولي ولي العهد، محمد بن سلمان (٢٠٣٠)، والتي يبقى دون تحقيقها تحديات كبرى على المجتمع السعودي مواجهتها في قادم الأيام.
لقد حاولت «الأمم المتحدة» تبرير انتخاب السعودية في لجنة حقوق المرأة، زاعمة أن السعودية ستكون من بين 45 دولة سوف تلعب دوراً أساسياً في تعزيز حقوق المرأة وتوثيق واقع حياة النساء في جميع أنحاء العالم وسوف تساهم في تشكيل المعايير العالمية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين. كما أشادت هيلين كلارك، المرشحة السابقة لخلافة بان كي مون في الأمانة العامة للأمم المتحدة باختيار السعودية في اللجنة، مؤكدة أن ذلك الاختيار سيساعد الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة في السعودية!
لكن المطلع على الواقع السعودي يدرك صعوبة تحقيق أحلام كلارك ورؤى ابن سلمان، فالمملكة ماتزال محكومة بموجب الاتفاق التاريخي الذي عُقد بين محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى وبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وما يزال ذلك الاتفاق ساري المفعول من خلال المحاصصة في تدبير حكم البلاد والعباد بين آل سعود الذين يقودون البلاد سياسياً واقتصادياً، وآل الشيخ (من سلالة محمد بن عبد الوهاب) الذين يحكمونها من خلال تعاليم المذهب الوهابي المتطرف، والذي لا يرى فقهاؤه في المرأة أكثر من عورة من حيث الشكل، وأكثر من شيطان من حيث المضمون.
من جهة أخرى، تواجه الأمم المتحدة مشكلة عويصة لناحية تأمين موازنتها المالية مما يجعل المنظمة رهينة لسياسات الدول المانحة وابتزازها. ولا بد من التذكير هنا بتراجع الأمم المتحدة عن اتهامها السعودية بقتل أطفال اليمن، العام الماضي، بعدما قامت الرياض بالتهديد بقطع التمويل عن برامج المنظمة في حال الإبقاء على التهمة وعدم سحبها.
ومن غير المستبعد -في هذا المضمار- أن يكون اختيار السعودية لعضوية «لجنة حقوق المرأة بالأمم المتحدة» نوعاً من الرشوة المبطنة والمفضوحة في آن لضمان التمويل السعودي، وربما مضاعفته.
في مثل هذه المساومة الرخيصة، عندما تلجأ منظمة دولية (تضع ضمن اعتباراتها تحرير المرأة وتمكينها في المجتمع) إلى المساومة على مبادئها الأساسية التي قامت عليها، فعن أي مجتمع وقانون دولي تتحدث؟!
Leave a Reply