يتواصل في لبنان، السباق المحموم بين مساري التسوية والأزمة، على إيقاع الانخفاض المستمر في مخزون المهل الزمنية والدستورية لوضع قانون انتخاب جديد.
وينتظر الرئيس نبيه بري اللحظة السياسية المناسبة لاطلاق «أرنب انتخابي» جديد، يجمع بين تشكيل مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف، واختيار مجلس للنواب وفق النسبية الكاملة، لعل هذا الطرح المستند إلى اتفاق الطائف يستطيع أن يحقق الاستقطاب الوطني المطلوب، ويربح السباق مع الوقت الذي يضيق شيئاً فشيئاً أمام «ترف» النقاش العبثي، ما يستدعي حسم الموقف، قبل الدخول في نفق الخيارات الصعبة التي تتراوح بين التمديد للمجلس الحالي ووقوع الفراغ وإجراء الانتخابات على أساس قانون الستين.
محاذير الفراغ
وبالنسبة إلى بري، فإن حدوث الفراغ في السلطة التشريعية مع انتهاء ولاية مجلس النواب في 20 حزيران (يونيو) المقبل هو الاحتمال الأشد سوءاً وخطورة، إذا لم يتم التوافق على قانون مشترك ولم تحصل الانتخابات النيابية، وبالتالي فهو يتعامل مع هذا الاحتمال باعتبار أنه محظور، يجب تفاديه مهماً كلف الثمن.
وتجدر الاشارة إلى أن التوازنات اللبنانية المرهفة لا تحتمل «شغوراً» في الموقع الشيعي الاساسي في النظام، والمتمثل في رئاسة مجلس النواب (الرئاسة الثانية). وهناك من يؤكد أن المكون الشيعي لا يمكن أن يقبل بأي فراغ من هذا النوع، إذ أن «حزب الله» الذي بات يشكل رقماً صعباً في معادلة المنطقة وليس في لبنان فقط، و«حركة أمل» التي أصبحت منذ اتفاق الطائف رقماً صعباً في معادلة النظام السياسي، لا يمكن أن يسمحا بأن يصبحا خارج دائرة القرار والسلطة بين ليلة وضحاها.
وانطلاقاً من هذه الثابتة الاستراتيجية، يعتبر بري أن التمديد هو أبغض الحلال وأهون الشرور إذا تعذر التفاهم على قانون انتخابي قريباً، لأنه على سيئاته ومرارته يبقى الستين أفضل من الفراغ، كونه يسمح على الاقل باستمرارية السلطة التشريعية التي يفترض بها أن تقر في لحظة ما قانوناً جديداً للانتخاب.
وأكثر من ذلك، يذهب بري في اجتهاده إلى حد التحذير من أن رئاسة الجمهورية وكذلك الحكومة تصبحان معطلتين تلقائياً في حال الشغور النيابي، باعتبار أن مجلس النواب في النظام البرلماني هو مصدر السلطات.
ويؤكد بري لـ«صدى الوطن» أنه إذا لم يتم التوافق على قانون للانتخاب، قبل منتصف الشهر المقبل، فإن التمديد سيحصل في الجلسة النيابية في 15 أيار، ليس حباً به، بل حماية للبنان عبر تجنيبه خطر الفراغ ومضاعفاته، مشدداً على أن هذا الفراغ ممنوع ومحظور.
مشروع بري
يكشف الرئيس بري عن أنه يجري مشاورات مسبقة مع الأطراف الداخلية حول مشروعه الانتخابي الجديد، قبل طرحه، لافتا الانتباه إلى انه لمس تجاوبا معه من جهات عدة، «الأمر الذي يشجعني على استكماله».
ويؤكد بري أن الوزير علي حسن خليل، وبتوجيهات واضحة منه، أبلغ الوزير جبران باسيل خلال أحد الاجتماعات في وزارة الخارجية، أنه (أي رئيس المجلس النيابي) لن يوافق على أي مشروع يرفضه النائب وليد جنبلاط الذي يعترض جذرياً على مشروع التاهيل الطائفي.
كما عدد خليل في اجتماع «الخارجية» اعتراضات «حركة أمل» على مشروع التأهيل الطائفي المقدم من باسيل، وتولى تفنيدها بالتفصيل.
ويقول بري: بصراحة.. هذا المشروع مرفوض من جهتنا، وعلى من أيّده أن يتحمل مسؤوليته، لافتاً الانتباه إلى أن فكرة التاهيل التي سبق له أن طرحها تختلف عن المضمون الذي خرجت به من مطبخ «التيار الحر».
ويشير بري إلى أنه تخلى عن «المختلط» الذي كان قد طرحه على قاعدة 64 أكثري و64 نسبي، ملاحظا أن البعض ممن رفضه بدأ يطالب بالعودة اليه، «لكنني شخصياً تجاوزته وذهبت في منحى آخر».
ومنعا لأي التباس أو تأويل، يشدد بري على أن من حق المسيحيين أن يطالبوا بأن ينتخبوا أكبر عدد ممكن من نوابهم بأصواتهم، لكنه يعتبر أن ذلك لا يتحقق حصراً عبر المعادلات الطائفية الحادة، وهناك صيغ أخرى يمكنها أن تحقق هذا الهدف بطريقة آمنة وطنياً.
وعندما يُسأل بري عن كيفية تحقيق أفضل تمثيل مسيحي في المجلس النيابي، يجيب: انتظروا طرحي المقبل، وفيه الإجابة..
ويستغرب رئيس المجلس الحساسية التي يتعاطى بها بعض الجهات مع الاعتراضات التي تظهر على مشاريعها، «وصولا إلى التهويل علينا»، لافتاً الانتباه إلى أنه سبق له أن قدم اقتراحات ورُفضت، «وكذلك حصل مع غيري، فتقبلنا الأمر بمرونة ولم نهوّل على أحد».
Leave a Reply