غالباً ما يسعى أبناء الشخصيات المؤثرة إلى تكريس حياتهم المهنية للمحافظة على إرث آبائهم، لكن عضو مجلس شيوخ ولاية ميشيغن كولمان يونغ الابن (ديمقراطي عن ديترويت) اتخذ خطوة جريئة في هذا السياق عبر الإعلان عن ترشحه لمنصب رئاسة بلدية ديترويت، وهو المنصب الذي شغله والده كولمان يونغ لمدة عشرين عاماً (1974–1994) كأول رئيس بلدية أسود للمدينة، ليكون بذلك رئيس البلدية الأطول حكماً في تاريخ عاصمة صناعة السيارات.
يونغ الابن، الذي تنتهي ولايته بمجلس ميشيغن التشريعي، نهاية العام القادم، قرر خوض المواجهة الصعبة مع رئيس البلدية الحالي مايك داغن الذي فاز في انتخابات العام ٢٠١٣ حاصداً 55 بالمئة من أصوات ناخبي المدينة ذات الأغلبية السوداء بمواجهة شريف مقاطعة وين بيني نابليون، ليصبح بذلك أول رئيس بلدية أبيض يتولى المنصب منذ أكثر من 40 عاماً شهدت خلالها المدينة انحداراً متواصلاً سكانياً واقتصادياً وأمنياً.
وعلى الرغم من إعلان أكثر من عشرين شخصاً الترشح للإطاحة بداغن، يبقى كولمان يونغ أبرز المنافسين لرئيس البلدية الحالي الذي يتطلع إلى الفوز بولاية ثانية لمدة أربع سنوات في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
وفي مراجعة لأسماء المرشحين يبدو اسم يونغ المرشح الأوفر حظاً لاجتياز الانتخابات التمهيدية المقررة في آب (أغسطس) القادم، ومنافسة داغن في الجولة النهائية. ورغم أن داغن بات اسمه مرادفاً لنهضة ديترويت، إلا أن يونغ يرى في إدارته وكراً للفساد، كما اتهمه في لقاء مع «صدى الوطن» بالتركيز على ازدهار وسط المدينة وتجاهل الأحياء التي يقطنها الأفارقة الأميركيون الذين يشكلون الغالبية الساحقة من السكان.
اتهامات لداغن
يونغ أشار إلى أنه بينما تتدفق مليارات الدولارات إلى وسط ديترويت (داونتاون) فإن 45 بالمئة من سكان المدينة يرزحون تحت خط الفقر، و12 بالمئة منهم عاطلون عن العمل، كما أن الأحياء لا تزال تعاني من العنف وتشهد وقوع جرائم يومياً، مضيفاً «أن أوضاع الأحياء قد تدهورت خلال السنوات الأخيرة» وأن اتساع موجة إضرابات المعلمين خلخلت نظام المدارس العامة في المدينة حتى باتت ديترويت في صلب النقاش الوطني حول جدوى نظام التعليم العام.
ولفت يونغ إلى أن برنامجه الانتخابي يدعو إلى تعزيز التعليم ولجم الجريمة من خلال إطالة اليوم الدراسي والسنة الدراسية.
كما تعهد السناتور الشاب (٣٥ عاماً) بمكافحة الفساد في المدينة ملمحاً إلى وجود ممارسات ملتوية في الإدارة الحالية لاسيما في موضوع المفاوضات الجارية بين مقاطعة وين والملياردير دان غيلبرت لبناء مجمع عدلي جديد في المدينة، وقال «هناك شيء خاطئ تماماً في الصورة»، مضيفاً أن داغن اُتهم في 2015 بالتواطؤ بترتيب أسعار (المقاولات) مع متعاقدين مفضلين.
ودعا يونغ خصمه إلى التنحي عن رئاسة البلدية قائلاً «عليه أن يتنحى جانباً ويفسح الطريق لشاب نزيه لإنجاز المهمات التي يتطلع إليها جميع سكان المدينة من خلال توفير فرص العمل وإصلاح الطرقات والمدارس وكافة البنى التحتية الأخرى».
وقال إنه سيعمل على ضمان أن الشركات التي سيتم التعاقد معها لإعادة بناء ديترويت تلتزم بتوظيف أبناء المدينة من خلال عقود تعرضهم للمساءلة إذا لم يحققوا ذلك. لافتاً إلى أن 33 بالمئة فقط من العمال والمتعاقدين الذين شاركوا في بناء مجمع «ليتل سيزرز أرينا» الجديد في الداونتاون هم من سكان ديترويت، في مخالفة صريحة للاتفاق الأولي مع البلدية.
إرث الأب
وكان يونغ الأب في رئاسة البلدية –كأول رئيس بلدية أسود لديترويت– قد صار رمزاً لنجاح الأفارقة الأميركيين في جميع أنحاء البلاد، مع أن المدينة شهدت انحداراً في عهده الذي امتد عشرين عاماً وتخلله ارتفاع كبير في معدلات الجرائم وانتشار المخدرات ونزوح السكان.
ولكن يونغ الابن لا يعتبر أن التحديات الكبيرة التي تواجهها المدينة اليوم قد تسهم في تشويه إرث والده وأن تقلل من حظوظه الانتخابية، مؤكداً أن تناقص السكان–خلال ولاية أبيه– وتراجع مواردها المالية لم يكن بسبب سياسات والده، بل نتيجة تغير أولويات المدينة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، على حد تعبيره.
بل أشاد يونغ بإرث والده، قائلاً إنه «سيواصل مسيرة أبيه وسعيه اليومي كي يصبح مثله»، لافتاً إلى أن أبرز معالم وسط المدينة (داونتاون) اليوم –مثل مجمع «رينيسانس سنتر» و«جو لويس أرينا» و«مسرح فوكس» التاريخي– بنيت أو رممت إبان عهد والده الذي «سيبقى إرثه حياً ما دامت المدينة حية» بحسب قوله.
وأضاف «ليس هناك مشروع يجري بناؤه في المدينة اليوم ليس لوالده فضل فيه».
وعدد يونغ مآثر أبيه الذي شجع أيضاً على التنوع الإثني والعرقي في دوائر البلدية، مثل الشرطة والإطفاء، كما دفع المقاولين إلى توظيف الأفارقة الأميركيين وأبناء الأقليات الأخرى الذين لم يكونوا مرغوبين في الوظائف آنذاك، «كما كان أول من دعا لإنشاء قطار على طول شارع وودورد في سبعينات القرن الماضي، لكن المشروع رفض من قبل المشرعين الجمهوريين بزعم ارتفاع تكاليفه، وفقاً لمقال كتبه جان نيليز في 2012 بمطبوعة «إربن أفيرز ريفيو».
وعبّر الابن عن اعتقاده بوجود وفرة المشاريع التي يمكن من خلالها استذكار إرث والده مؤكداً أنه سيسعى إلى «إعادة اختراع رؤيته بأفضل طريقة ممكنة»، واصفاً داغن بأنه يمثل نقيض الرؤية التي كان يمتلكها يونغ الأب.
خبرة
يتمتع يونغ الابن، ورغم صغر سنه، بسجل حافل بالخبرة في مجال الخدمات العامة يمتد لأكثر من 10 أعوام، وكان قد انتخب لولايتين في مجلس نواب ميشيغن منذ 2006، قبل أن يتم انتخابه في العام ٢٠١٠ لعضوية مجلس شيوخ الولاية عن الدائرة الأولى، ولا يحق ليونغ الترشح لولاية ثالثة في المجلس بحسب دستور ولاية ميشيغن.
وخلال مسيرته التشريعية عمل يونغ على سن قوانين تضمنت خلق فرص العمل وتعويضات الإصابات، إضافة إلى تنظيم الماريوانا الطبية وضمان دفع رواتب العاملات في قسمي الشرطي والإطفاء خلال إجازات الأمومة.
Leave a Reply