استضاف لبنان الأسبوع الماضي مؤتمر الطاقة الاغترابية اللبنانية الرابع، الذي حضرته قرابة 2000 شخصية مغتربة ومتحدرة من أصل لبناني، برعاية وحضور رئيس الجمهورية ميشال عون، تحت شعار «طريق العودة إلى الوطن».
وقد شكل هذا الملتقى تظاهرة حقيقية، جمعت لبنان المقيم بالمهاجر، وسط حضور رسمي كثيف، شمل إلى جانب عون رئيس الحكومة ووزير الخارجية وعدداً كبيراً من الوزراء والنواب.
وبرغم أهمية هذا الاحتفاء من قبل الدولة اللبنانية بأبنائها «الزائرين»، يبقى المحك الأساسي لها كامناً في مدى القدرة على تأمين آليات منتظمة وثابتة للتفاعل الدائم مع هؤلاء، حتى لا يكون التواصل معهم موسميا أو عندما تقتضي المصلحة، إضافة إلى منحهم الحوافز الكافية للاستثمار في لبنان وإعادة وصل ما انقطع بينهم وبينه، بغية تعويض سنين طويلة من الإهمال لهذه الثروة الاغترابية.
كما أن بمقدور لبنان الاستفادة من الطاقات الاغترابية العابرة للحدود من أجل تشكيل ما يشبه «اللوبيات» في دول الانتشار، لدعم قضاياه وحقوقه، بدلاً من أن يبقى هذا الثقل مبعثراً، ما يستدعي ترميم الثقة والجسور مع المهاجرين، خصوصاً مع الأجيال الجديدة التي انقطعت عن الوطن–الأم طويلاً، ولا تعرف عنه سوى القليل الذي لا يكفي لاستعادتها أو لإحياء شعورها بالانتماء إلى هذه الأرض.
ولعل واحدة من الإشارات الإيجابية التي أطلقها مؤتمر بيروت تمثل في مبادرة رئيسي الجمهورية والحكومة، خلال حضورهما جلسة الافتتاح، إلى التوقيع على أول مرسوم لمنح الجنسية اللبنانية إلى عدد من ذوي الأصول اللبنانية الذين كانوا قد تقدموا بطلب لاستعادة الجنسية، بعد صدور قانون في هذا الشأن.
وإذا كانت قد انعقدت في السابق مؤتمرات اغترابية مماثلة، بمبادرة من وزارة الخارجية، إلا أن النسخة الرابعة التي استضافها مركز البيال وسط العاصمة اللبنانية، تميزت بالحضور المكثف والمتنوع للبنانيين المهاجرين، والذين حضروا من قرابة 100 دولة تتوزع على قارات العالم.
حضور نوعي
لم يكن الحضور عددياً فقط، بل اتى نوعيا كذلك، إذ حضرته شخصيات تؤدي أدواراً سياسية واعلامية واجتماعية واقتصادية مؤثرة في المجتمعات التي هاجرت اليها، حيث حققت نجاحات باهرة وخطّت بحبر العرق قصصاً عن المثابرة والتصميم على تحقيق الانجازات.
ومن بين الذين حضروا على سبيل المثال المرشح الرئاسي في جمهورية الدومينكان لويس ابي نادر الذي أكد أن هناك 100 ألف لبناني متحدر من أصل لبناني في الدومينكان، لافتاً الانتباه إلى أن والده كان وزيراً وأسس جامعة. وأشار إلى أنه ورث عن أجداده اللبنانيين الثورة على الظلم والدكتاتورية موضحاً أنه ترشح لمنصب نائب الرئيس عام 2008 ثم لمنصب الرئاسة عام 2016، وهو مرشح للانتخابات الرئاسية في 2020.
ومن المشاركين أيضاً في المؤتمر عضو الكونغرس الأميركي السابق نيك رحال الذي استشهد في مداخلته بالاديب جبران خليل جبران للتأكيد أن من ينكر إرثه لا إرث له، مشدداً على أن لبنان هو إرثه. وأوضح أنه دخل إلى الكونغرس عام 1979 كأصغر عضو منتخب عن ولاية فرجينيا، متسلحا بالمفهوم اللبناني القائل «يمكننا فعل أي شيء».
وكانت مداخلة أيضاً لسائق «الفورمولا وان» في البرازيل فيليبي نصر، مشيراً إلى أن وجوده في لبنان للمرة الاولى أعاده 63 عاماً إلى الوراء، حين قرر والده ترك لبنان والهجرة إلى البرازيل. وروى كيف أنه استطاع أن يكون من بين أفضل 24 سائق «فورمولا وان» في العالم، مبدياً فخره بكونه لبناني الأصل.
وحضرت كذلك وزيرة خارجية مدغشقر بياتريس عطالله التي أوضحت أنها تتحدر من بلدة بطمة الشوفية، لافتة الانتباه إلى أن من شأن هذا المؤتمر إطلاق دينامية جديدة قادرة على تخطي كل الحدود. وأعربت عن سعادتها بلقاء الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري، بعدما كانت تسمع عنهما من والدها على مدى عقود.
أصحاب حقوق
وزير الخارجية جبران باسيل أكد، من ناحيته، أن المغتربين هم أصحاب حقوق، ومن بينها سهولة استعادة الجنسية، تخصيص ستة مقاعد في مجلس النواب لتمثيلهم، بمعدل مقعد عن كل قارة، تعيين ملحقين اقتصاديين وثقافيين في المراكز الشاغرة في البعثات الدبلوماسية وقناصل فخريين في كل مدينة يتواجد فيها المنتشرون، انشاء وسيطة الكترونية تربطهم بلبنان ومؤسساته، تأسيس بيوت الاغتراب «التي باشرنا في افتتاح بعضها»، عقد الاتفاقات التجارية «مع دول الانتشار»، تأمين فرص استثمار «وها قد أعددنا البنية التحتية للصندوق اللبناني الاغترابي» وضع قانون المجلس الوطني للاغتراب «تأكيداً لعدم وصاية الدولة اللبنانية عليكم».
وعُلم أن معظم الضيوف المهاجرين، أتوا إلى لبنان واقاموا في الفنادق على نفقتهم الخاصة.
Leave a Reply