في استعراض جديد للقوة، أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب مدير «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي) جيمس كومي مثيراً بذلك عاصفة سياسية في البلاد، لاسيما وأن المدير المقال كان يقود التحقيقات حول مزاعم التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح حملة ترامب.
وفي قراره هذا، يبدو «نجم تويتر» وكأنه يتعامل مع شخص ما يزال تحت التدريب، وأن بإمكانه أن يعفيه من وظيفته بقوله «أنت مطرود»، كما في مسلسل تلفزيون الواقع «أبرانتس»، وذلك في خطوة جديدة من محاولاته اليائسة والمستميتة لإعادة تأكيده على سلطته التنفيذية.
وكان كومي قد أثار بعض الجدل بسبب موقفه من التحقيق في قضية استخدام المرشحة السابقة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون بريدها الإلكتروني الخاص، خلال عملها وزيرة للخارجية. وفي هذا السياق يستغرب مراقبون انتظار ترامب أكثر من مئة يوم على وصوله إلى البيت الأبيض، لـ«تصفية حسابه» مع مدير الـ«أف بي آي»، مع أن جميع الأحداث والظروف قد أثبتت أن ترامب ليس ممن «يأكلون طبق الانتقام بارداً»!
فلو أن ترامب قد أقال كومي في أعقاب وصوله إلى سدة الرئاسة مباشرة، لحاز –على الأقل– تفهم بعض الأميركيين، خاصة هؤلاء الذين أدلوا بأصواتهم لصالحه، أما وقد تأخرت الإقالة عدة أشهر وبعد إطلاق كومي تصريحات متكررة ببدء تحقيق فعلي في التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، فهذا يطرح الكثير من علامات الاستفهام.
ومع إنكار ترامب المتحمس ونفيه لأي نوع من التورط مع الروس، إلا أن الأدلة الظرفية تكاد تثبت أنه «مذنب»، خاصة وأن وعيد كومي بإطلاق تحقيقات بهذا الشأن بدا جاداً إلى أبعد مدى، حيث كان قد بدأ بتجميع المصادر والقوى العاملة لإنجاز المهمة التي تطالب بها، وتنتظر نتائجها، فئات واسعة من الشعب الأميركي.
أما البيت الأبيض فقد حاول تبرير قرار الإقالة بزعم أنه جاء بناء على توصية من وزير العدل جيف سيشنز ونائبه رود روزينشاين، مضيفاً أن الإدارة الأميركية ستبدأ البحث عن مدير جديد للأف بي آي في الحال، حيث بعث ترامب رسالة لكومي قال فيها «إنني أتفق مع التقرير الصادر عن وزارة العدل بأنكم غير قادرين على قيادة المكتب بفعالية، ومن الضروري أن نجد قيادة جديدة لمكتب التحقيقات الفدرالي والتي ستعيد ثقة الناس به وبمهمته الحيوية في إحلال القانون».
وللمرة الأولى، يقيل رئيس عضواً مستقلاً في إدارته، بإمكانه اتخاذ قرارات مستقلة سوف تتعارض حتماً مع نزوات ترامب.. الذي يبدو متلهفاً للإمساك بزمام كامل السلطة، كما أن لا أحد بإمكانه أن ينكر أن وزير العدل جيف سيشنز –الشريك في جريمة التواطؤ والجزء الذي لا يتجزأ من التدخل الروسي– لم يلعب دوراً في تشجيع قرار الإقالة، سواء من خلال حضوره أو من خلال مشاركته المعروفة.
وفي هذا السياق، أكدت تقارير من مصادر مختلفة أن سيشنز قد أُمر بإيجاد الذرائع لإقالة كومي الذي كان قد بدأ بتحريك لجنة التحقيق التي كانت ستنتهي إلى أن.. تجريم ترامب ليس كافياً. وبإقالة كومي في هذا الظرف، فهذا يعيد إلى الأذهان ما قام به الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون عند إقالته المدعي الخاص المكلف بالتحقيق في فضيحة «ووتر غيت» آرتشيبالد كوكس، والتي عرفت بـ«مذبحة ليلة السبت»، عام 1973.
وفي أزمة هذا الأسبوع، واصل ترامب ارتكاب سوابق رئاسية فظيعة أدت إلى تفادي إجراء تحقيق قد يقود إلى التجريم، وقد أدى ذلك لانتشار موجات غضب واستياء واسعة من الجمهور والإعلام الأميركي حول إساءة استخدام السلطة واستغلالها.
في الأثناء، ندد كثير من الديمقراطيين بإقالة كومي وشبهها البعض بـ«مذبحة ليلة السبت»، وفي هذا الصدد قال العضو الديمقراطي في لجنة الشؤون القضائية بمجلس النواب جون كونيورز إن «الإجراء الذي اتخذه الرئيس ترامب (أمس) يزيل تماماً أي مظهر من مظاهر التحقيق المستقل في المحاولات الروسية للتأثير على انتخاباتنا ويضع أمتنا على شفا أزمة دستورية»، داعياً مع ديمقراطيين آخرين إلى تولي لجنة مستقلة أو مدعياً خاصاً للتحقيق في التأثير الروسي بانتخابات 2016.
ويبقى السؤال.. في هذه المعمعة الرئاسية، فيما إذا كانت المئة اليوم من حكم ترامب هي مئة يوم من الإفلات من عقوبة إساءة السلطة، أم أنها مئة يوم من رئاسة محفوفة بالمخاطر تضع البلادعلى شفير الهاوية؟
Leave a Reply