في شهر آذار (مارس) الماضي، تقدمت ميساء أوزا بطلب للعمل في القوات الجوية الأميركية، وفي غضون أسابيع قليلة تم قبولها في وظيفتها الجديدة، لتدخل الشابة العربية الأميركية من ديربورن، التاريخ، بوصفها أول مسلمة محجبة تنضم إلى سلاح الجو الأميركي بمنصب مستشارة قانونية JAG للدفاع عن حقوق العاملين في سلاح الجو الأميركي، بموجب القانون والعدالة العسكرية.
الوظيفة الجديدة، ستمكّن أوزا من الانتقال والسفر والعيش في أماكن مختلفة حول العالم لتقديم الخدمات القانونية والدفاع عن الحقوق القانونية للعسكريين العاملين في سلاح الجو.
وكانت أوزا (24 عاماً) قد حصلت على شهادة البكالوريوس في العدالة الجنائية بدرجة امتياز من «جامعة ميشيغن–ديربورن» في 2014، وتخرجت –الشهر الماضي– من كلية القانون بـ«جامعة توليدو» في ولاية أوهايو بمرتبة الشرف، كما انتسبت في سنتها الدراسية الثانية إلى جامعة «أكسفورد» المرموقة ببريطانيا.
الشابة وصفت التقدم للوظيفة بأنها «تنافسية ينطوي على تحديات استثنائية للغاية»، وأفادت لـ«صدى الوطن» أن القوات الجوية الأميركية «تقيّم المرشحين على أساس أدائهم الأكاديمي ونشاطاتهم خارج المنهاج ومشاركتهم في النشاطات الاجتماعية».
أداء أوزا الأكاديمي ونشاطاتها الطلابية والاجتماعية خلال سنوات الدراسة، كل ذلك ساعدها على نيل الوظفية الجديدة، حيث أنها تولت مناصب عدة كطالبة، بينها رئاسة «جمعية القانون الدولي» ونائب رئيس «جمعية القانون الجنائي» ونائب عميد الأخوية القانونية «دلتا ثيتا فاي»، و«سفيرة للطلاب» بجامعة توليدو، كما نشطت كمرشدة للشباب المهددين بالمخاطر في مؤسسة «دون بوسكو هول» لرعاية اليافعين في ديترويت، وكذلك ككاتبة قانونية في محكمة المدينة.
وعملت ابنة العائلة الديربورنية أيضاً، كمتدرّبة في مكتب الادعاء العام بمقاطعة وين، لمدة ثمانية أشهر، تحت إشراف مساعدة المدعي العام المحامية فدوى حمود.
وعن تجربتها تلك تقول إن «كان لها الأثر الأكبر» في رفع سقف طموحاتها، وقالت «لقد شجعتني فدوى على التعامل مع أشياء لم أعتقد مطلقاً أنه باستطاعتي عملها»، مثل الإدلاء بأقوال مسجلة، وصياغة مقترحات الادعاء، والتحضير للمحاكمات.
وأضافت «بسبب ثقتها وإيمانها بي، تحمست للتعامل مع التحديات والتغلب عليها، كما أنها رفعت سقف القيادة بالنسبة لي… حتى أنني صرت أسعى للاحتذاء بها كنموذج ومصدر إلهام».
وفي هذا الصدد، أكدت حمود أن أوزا تفوقت خلال تدريبها وتركت انطباعاً جيداً مع كل شخص عملت معه، ولاسيما الضحايا الذين قامت بتمثيلهم.
وأضافت مشيدة بمزايا أوزا الانضباطية والمناقبية المهنية التي تتمتع بها، وقالت «إنه ليس من المستغرب أن تدخل التاريخ بوصفها أول مسلمة محجبة تعمل كمحامية عن أفراد القوات الجوية الأميركية».
لماذا سلاح الجو؟
تقول أوزا إنها اختارت التقدم للعمل في سلاح الجو الأميركي لأن هذه الوظيفة «ستسمح لها بخدمة بلدها من خلال خدمة القانون» وليس فقط السلك الذي انضمت إليه، مشيرة إلى أن دخولها قوات الجيش أو سلاح البحرية كان سيحد من آفاقها ويحصر أهدافها في إطار التحول إلى عنصر عسكري في خدمة السلك الذي تنتمي إليه.
وأضافت «في نهاية المطاف، وبعد ثلاث سنوات من الدراسة في كلية القانون وآلاف الساعات من الدراسة التحضيرية لممارسة القانون.. أريد أن أخدم بلدي بأقصى طاقتي».
ولفتت أوزا إلى أنه قبل أن تصبح مستشارة قانونية في سلاح الجو، سيعمل المشرفون أولاً على إعدادها لكي تصبح ضابطاً، وذلك من خلال برنامج مصمم خصيصاً لتدريب الضباط في قاعدة «ماكسويل» الجوية بضواحي مونتغمري بولاية آلاباما.
وأضافت «إن مدة البرنامج هي خمسة أسابيع تقريباً وهو مصمم لإعداد الأفراد على مواجهة التحديات العقلية والجسدية وتطوير المتدربين لكي يصبحوا ضباطاً قادة».
وقالت «يشتمل البرنامج على الكثير من النشاطات البدنية والتمارين الرياضية القاسية، كما يضم فصولاً دراسية للتدريب على مهام وواجبات القوى الجوية».
وأضافت «يجب الحفاظ على اللياقة البدنية، ليس كواجب، بل كأسلوب حياة»، ولهذا ستخصص أوزا جزءاً من دوامها اليومي من أجل النشاطات الرياضية في نادٍ تابع للقوات الجوية، وذلك لكي تحافظ على أعلى مستويات اللياقة البدنية.
وأردفت «ذلك سيمنحني بالطبع نمط حياة صحي»، مضيفة أنها تخطط للاهتمام بغذائها، والاستعانة بمدرب خاص لإعدادها بدنياً.
الحجاب
وعندما سئلت فيما لو كانت تشعر بأن الحجاب يمكن أن يعيقها أو يحدّ من طموحاتها بأي شكل من الأشكال، أجابت بالنفي وقالت «في الواقع لقد كان الحجاب أحد الأسباب التي دفعتني للتقدم إلى هذه الوظيفة»، مؤكدة أنها لا تنظر إلى حجابها كعبء، بل كإضافة.
ووصفت الحجاب بأنه «مثل سلاح الجو»، فكلاهما أسلوب حياة يعوّد المرء على الانضباط الهائل، بحسب أوزا التي اضافت بالقول «سيكون مفيداً لي في القوى الجوية، وبكل صراحة لن يكون عائقاً على الإطلاق».
كذلك، لا تخشى أوزا أن تتعرض في عملها الجديد لأي شكل من أشكال التمييز التي عادة ما تتعرض لها النساء المسلمات بالولايات المتحدة، وخاصة في السنوات الأخيرة مع ارتفاع موجة الإسلاموفوبيا، وقالت «إن الخوف من مواجهة مثل هذه الأمور لن يسمح لنا بالتقدم وتحطيم الحواجز، وعلى العكس سيمكن (الخوف) الكراهية من الفوز».
كما ترى أوزا أيضاً أن هويتها العربية الأميركية وإمكانياتها اللغوية الثنائية هي خصائص إيجابية ستمكنها من جلب منظور جديد للقوات الجوية، بشكل يساعد على بناء المزيد من الجسور والعلاقات المتينة مع مجتمعها العربي الأميركي، والشركاء الدوليين في الخارج.
دعم العائلة
عائلة أوزا، شكلت لها الإلهام الأول والسند المتين في تحقيق ما تصبو إليه، ففي مراحل نشأتها الأولى وجدت الصبية نفسها منخرطة في مجال الخدمات المجتمعية، حيث لقيت دعماً من والدها وإخوتها الذين شجعوها مؤخراً على الانضمام إلى القوات الجوية، كما كان لوالدتها وأختها تأثير كبير في تشحيعها على اجتياز جميع الجواجز التي تعترض طريق أهدافها.
وحول الدعم العائلي، قالت أوزا إن والدتها أخبرتها يوماً بأنها تستطيع أن تكون في المستقبل الشخص الذي تريده، و«أن لا شيء يحد طموحاتي سوى السماء». وأضافت «لقد كانت محقة وبسبب تلك الكلمات.. تقدمت بطلب الوظيفة التي لم تتقدم لها مسلمة محجبة من قبل».
وأشارت إلى أنها تدرك الجهود الكبيرة التي بذلها والداها المهاجران من لبنان لكي يعيشا «الحلم الأميركي» ويوفرا لأبنائهما حياة أفضل، وأن ذلك فتح عينيها على «المبادئ الراسخة في أميركا، في الحرية والسعي لتحقيق السعادة».
وقد أدركت أوزا مبكراً أن تلك القيم قد فتحت أبواب الفرص والامتيازات لوالديها «التي لم تكن لتفتح أمامهما في أي مكان آخر»، ولهذا فقد أرادت أن تكافئهما وترد لهما ولأميركا الجميل، بحسب ما قالت لـ«صدى الوطن».
وأضافت «إن خدمة البلاد التي أعطتني الكثير.. ستكون عبر إظهار للامتنان والتقدير لكل ما أُعطي لنا».
وأكدت «لقد اكتسبنا حقوقنا كمواطنين أميركيين بجدارة وحميناها من خلال تضحيات الآلاف من الرجال والنساء النزهاء.. وإن خدمة بلدي –كمستشارة قانون تدافع عن حقوق العاملين في القوات الجوية الأميركية– ستسمح لها بحماية تلك القيم للأجيال القادمة».
وفي الختام أعربت أوزا عن أملها في أن تلهم قصتها الأميركيات العربيات والمسلمات من أمثالها لكي يتقدمن لوظائف مشابهة، لاسيما وأن الكثير منهن يخشين أن يتم رفضهن، وأكدت «أريد أن أكسر تلك الحواجز، وأتمنى أن يكون لي تأثير كبير، لا في مجتمعي فقط وإنما على الصعيد الوطني أيضاً.. أريد أن أكون مثالاً جيداً للأقليات، ولا سيما النساء المسلمات.. أريدهن أن يخدمن وطنهن وأن يقفن جنباً إلى جنب مع العسكريين النزهاء –رجالاً ونساء– هؤلاء الذين يضحون كثيراً من أجل سلامتنا ومستقبلنا».
Leave a Reply