ربما يكون الاختبار الكهربائي هو الأصعب الذي يواجه تفاهم «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» منذ إبرامه بين الجانبين في أعقاب أشهر طويلة من المفاوضات الصعبة وسبر أغوار النيات، كما أنه التحدي الأصعب الذي يعترضهما منذ أن دعم رئيس حزب «القوات» سمير جعجع وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. والأرجح أن هذا الامتحان ليس تقنياً فقط، بل يحمل في طيّاته أبعاداً سياسية مضمرة، وإن كان الطرفان يحاولان في العلن حصر الخلاف في إطاره الظاهر.
المفارقة، أن هذا التوتر سرعان ما تسرب إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي استعادت معالم الاصطفافات القديمة على وقع التجاذبات بين ناشطي «التيار» و«القوات» الذين أدلوا بدلوهم، كلٌ على طريقته، في إحياء لتقاليد الخصومة السابقة، وإن تكن الأمور لم تفلت كلياً من السيطرة بعد.
لعل من أبرز دلالات خط التوتر العالي الممتد بين «التيار» و«القوات» أن تفاهم الطرفين لم يمتلك بعد المناعة والحصانة الكافيتين، وأن «اتفاق معراب» القيادي تحت سقف «إعلان النيات» الشهير لم يسر كلياً في عروق القاعدة الشعبية التي لا تزال مهيأة للاستنفار عند أول احتكاك.
خطة الكهرباء
لم تساير «القوات» حليفها البرتقالي في واحد من أهم المشاريع بالنسبة إليه، وذهبت بعيداً في انتقاداتها لخطة الكهرباء التي وضعها وزير الطاقة المنتمي إلى «التيار»، سيزار أبي خليل، خصوصاً فيما يتعلق بمناقصة جلب باخرتين تحملان معملين عائمين لزيادة ساعات التغذية الكهربائية في فصل الصيف لتوفير التيار الكهربائي والحد من ساعات التقنين.
ولم تبق اعتراضات معراب (مقر قيادة سمير جعجع) محصورة في الغرف المغلقة أو ضمن قاعة مجلس الوزراء، بل إن الوزراء «القواتيين» بادروا إلى عقد مؤتمر صحافي فنّدوا فيه ملاحظاتهم واستكملوا خلاله حملتهم على طريقة إدارة وزارة الطاقة للملف الكهربائي، الأمر الذي تسبب بانزعاج كبير وامتعاض شديد في صفوف «التيار الحر»، وكذلك لدى الرئيس سعد الحريري الذي يعتبر أن الحكومة هي المكان المناسب لعرض الآراء وشرح الاعتراضات، فإذا لم يتم التوصل إلى نتيجة، يمكن رفع الصوت خارجاً.
وفي حين كان «التيار الحر» يتهم «تيار المستقبل»، في مرحلة ما قبل انتخاب عون، بعرقلة خطة الكهرباء التي وضعها جبران باسيل عندما كان وزيراً للطاقة، ربطاً بحسابات ونكايات سياسية، إذ بالحريري يدعم هذه المرة مشروع أبي خليل ويتطوع لمؤازته والدفاع عنه.
مفارقات سياسية
ومن المفارقات الأخرى التي سجلت على هامش هذه القضية، هي أن «حزب الله» بدا في مقاربته لخطة الكهرباء، وبند البواخر، أقرب إلى موقف «القوات» منه إلى خيار «التيار»، ما أوحى بأن الملفات الخدماتية قد تفرز اصطفافات داخلية مختلفة عن تلك التي تفرزها الإشكاليات السياسية.
وعلى قاعدة تمييزها بين التحالف السياسي ومفهومها للشأن العام، ارتابت «القوات» في إصرار «التيار» على عدم اللجوء إلى ادارة المناقصات لتأمين الشفافية والنزاهة في مناقصة التعاقد مع الباخرتين المفترضتين، معتبرة أن رفض اتباع القواعد والأصول القانونية في استدراج العروض يفتح الباب أمام تأويلات وشبهات محتملة، في حين أن البرتقاليين يعتبرون أن القانون لا يلحظ أساساً إخضاع المؤسسات العامة ومنها كهرباء لبنان إلى آلية دائرة المناقصات، ومشددين على أن الحصانة المطلوبة تكمن في القرار المتخذ من الحكومة بالعودة إلى مجلس الوزراء عند كل مرحلة من مراحل تنفيذ الخطة.
وفي هذا السياق، يوضح أبي خليل انه سيرفع إلى الحكومة تقريراً حول نتيجة فض العروض لاستئجار الباخرتين، والذي تم باشراف وزارة الطاقة، لتتخذ القرار المناسب.
وليس خافياً أن بعض القوى السياسية تستشعر باحتمال وجود صفقة مريبة خلف إحضار الباخرتين بكلفة مرتفعة نسبياً، وهذا ما عكسه الرئيس نبيه بري بقوله إن البواخر «معوّمة للجيوب»، ثم لاقاه النائب وليد جنبلاط الذي غرد قائلاً: لا لصفقة السفن التركية.. نعم لعصر النفقات وتخفيض العجز.
الخيار الأجدى
وفي المقابل، يعتبر الوزير أبي خليل أن خيار البواخر هو الأجدى والأوفر بالنسبة إلى الاقتصاد والمواطن، في انتظار استكمال بناء معامل انتاج الطاقة، لانه يخفف من معدلات التقنين ومن الحاجة إلى الاستعانة بالمولدات الخاصة التي ترتب كلفة إضافية على «المشتركين» فيها.
وعلمت «صدى الوطن» أن من بين الاقتراحات التي جرى تداولها على نطاق ضيق هو أن يتم استئجار الباخرتين تمهيداً لشرائهما لاحقاً، ما يسمح للبنان بأن يؤجرهما بدوره فيما بعد ويستفيد من مردودهما، تماماً كما يحصل حين يستأجر المرء شقة ثم يشتريها، لكن هذا الطرح واجه معارضة من بعض الأوساط الرسمية.
Leave a Reply