صنعاء، ديترويت – «صدى الوطن»
بدأت نذر كارثة إنسانية وصحية كبرى تحوق في أفق اليمن بعد عام ونيف من العدوان السعودي وتفشي مرض الكوليرا تحت نيران «إعادة الأمل» وظلم الحصار الغاشم. وكأنه لم يكن ينقص اليمنيين لإكمال مأساتهم، سوى هذا المرض الفتاك الذي عصف مؤخراً بمئات الأطفال الذين ازدحمت بهم مستشفيات العاصمة اليمنية صنعاء، فيما يخشى المراقبون أن يتوسع انتشار المرض بسبب عدم توفر سبل العلاج والوقاية اللازمة.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر -ومقرها جنيف- إن تفشي الكوليرا في اليمن أودى بحياة 180 شخصا خلال أقل من ثلاثة أسابيع.
وأبدت سميرة علي، وهي مدرّسة قلقة على أطفالها، صدمتها مما شاهدته في مستشفى السبعين في العاصمة صنعاء بشمال البلاد الخاضع لسيطرة الجيش واللجان الشعبية المقاومة للسعودية منذ عام 2015. وقالت «فجأة وجدت ابني الصغير يعاني من إسهال شديد. ذهبت إلى المستشفى ووجدته ممتلئاً.. وبعد عناء تمكن الأطباء من إعطائه الأدوية وأنقذوا حياته».
وتفيد تقديرات الأمم المتحدة عن اليمن الآن بأن طفلاً دون الخامسة يموت كل عشر دقائق جراء أسباب يمكن علاجها، وأن مليوني شخص فروا من القتال قرب ديارهم وأن نصف المستشفيات فقط يتوفر فيها طاقم طبي وإمدادات للعمل بشكل طبيعي.
تعتبر الكوليرا التي بدأت تحصد أرواح عشرات اليمنيين في بعض مناطق سيطرة الحوثيين خصوصاً، عدوى حادة تسبب الإسهال وقادرة على أن تودي بحياة المُصاب بها في غضون ساعات إن تُرِكت من دون علاج، بحسب منظمة الصحة العالمية.
ويشهد اليمن، وهو بالفعل من أفقر دول الشرق الأوسط، حرباً مستعرة منذ ربيع 2015 شنتها السعودية تحت شعار إعادة الشرعية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد الإطاحة به من قبل تحالف الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحركة «أنصار الله» (الحوثيون).
وفي ظل تعتيم إعلامي واسع وتجاهل غربي لأحداث الحرب اليمنية، لا تتوفر بيانات مستقلة حول أعداد الضحايا من القتلى والجرحى والمشردين والنازحين. وتشير تقديرات تقريبية إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص في حين لا تزال آخر محادثات السلام معلقة منذ نحو عام.
وتتهم السعودية صالح والحوثيين، الذين يسيطرون على أغلب المدن الكبرى في البلاد، بأنهم يحاربون بالوكالة عن إيران.
ودخلت الحرب في طريق مسدود بدرجة كبيرة لنحو 18 شهراً منذ أن استعاد التحالف مساحات كبيرة من أراضي الجنوب، في حين فشلت كل الحملات اللاحقة لإحداث خروق عسكرية لاسيما في صحراء ميدي في شمال غربي البلاد.
وفيما يبدو أن مؤسسات الدولة اليمنية، أكثر من أي وقت مضى منذ بدء الحرب، غير قادرة على الصمود أكثر في مواجهة تفشي وباء الكوليرا وارتفاع أعداد الوفيات. ويخشى المراقبون أن يشكل تقرب السعودية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب غطاء لتصعيد الحرب ضد اليمن عبر إشعال جبهة الحديدة (مدينة على ساحل البحر الأحمر) مما قد يدفع نحو نصف مليون شخص للفرار ويزيد الضغوط على منظمات الإغاثة المنهكة بالفعل، لتصل إلى نقطة الانهيار.
وقال جيم ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، الشهر الماضي، إن محادثات مدعومة من الأمم المتحدة مطلوبة لحل الصراع. لكن إدارة ترامب تدرس زيادة التعاون المخابراتي مع تحالف تقوده السعودية ولم تستبعد مساعدة أميركية في هجوم على الحديدة.
وقال دبلوماسي غربي لـ«رويترز»: الأميركيون الآن أكثر استئساداً بكثير على إيران… من المحتمل أن يدعموا تصعيد الصراع في اليمن من أجل توجيه رسالة لإيران.
قلق في ديترويت
تقطن جالية يمنية كبيرة في منطقة مترو ديترويت يتركز الجزء الأكبر منهم في مدينتي ديربورن وهامترامك، وهؤلاء يعايشون عذابات عائلاتهم وأقاربهم في الوطن الأم بشكل يومي.
وأفاد الناشط اليمني الأميركي والي الطهيف لـ«صدى الوطن» أن التلوث الذي يؤدي إلى الإصابة بمرض الكوليرا ليس معزولاً وأنه قد يؤثر على جميع الناس في معظم المدن والقرى اليمنية.
الطهيف أشار إلى أن عائلته -كالأسر اليمنية الأخرى- لديها أقارب في العاصمة صنعاء، وهؤلاء أفادوا أن معظم العائلات قد تعرضت للوباء، مؤكداً أنه لا توجد عائلة أوضاعها أفضل من الأخرى.
كما لفت إلى أن تقارير موثوقة أفادت أن التسمم المسبب لتفشي الكوليرا قد يكون ناشئاً عن المواد الكيماوية من مخلفات القنابل التي ألقيت فوق البلاد، داعياً إلى إنشاء هيئة مستقلة في اليمن للتحقيق بهذه المزاعم.
وعلاوة على ذلك، أشار الناشط اليمني إلى أن حصاراً كاملاً مضروب على المطارات اليمنية، التي أغلقت أو تضررت جراء عدوان الطيران السعودي وحلفائه.
وأضاف أن حكومة هادي قد قامت بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، ولهذا السبب فإن أكثر من مليوني يمني لم يتلقوا رواتبهم منذ ما يزيد عن عام، ويتعين على كل واحد من هؤلاء الموظفين أن يعيل 9 أشخاص بالمتوسط، إضافة إلى أفراد عائلته.
وقال «إننا نعيش المجاعة والمرض.. إن نظام الصرف الصحي منهار تماماً وهناك نقص حاد في الغذاء والأدوية والوقود والكهرباء منذ أكثر من سنتين».
وأشار إلى أن الشركات والمستشفيات والمباني الحكومية تستمد الكهرباء من الطاقة الشمسية، لأن محطات انتاج الكهرباء الرئيسية تعرضت للتعطيل والدمار جراء القصف.
كما أن التنقل بين المدن والقرى اليمنية غير آمن في جنوب وشرق اليمن حيث يسيطر عناصر القاعدة، بحسب الطهيف الذي وصف أوضاع عائلته في اليمن بأنها «مزرية»، مشيراً إلى أن أقارب اليمنيين الأميركيين مازالوا ينتظرون الجواب على طلبات هجرتهم إلى الولايات المتحدة، التي تقدموا بها منذ خمس سنوات وذلك لأن السفارة الأميركية في صنعاء مغلقة، مما يضطر المتقدمين للسفر إلى خارج اليمن، لكي يراجعوا السفارات الأميركية في جيبوتي والجزائر وتونس.
وقال إن ابن أخيه، وهو مواطن أميركي، متواجد حالياً في اليمن، قد توجب عليه أن يسافر بحراً لمدة 28 ساعة في قارب مع زوجته، من عدن إلى جيبوتي، لكي تقوم زوجته بإجراء مقابلة في السفارة الأميركية.
وأضاف «هنالك أخبار نسمعها من كل يمني أميركي.. وكل عائلة يمنية في الولايات المتحدة لديها قصة مشابهة عن المعاناة التي تواجهها».
Leave a Reply