لم يكن دونالد ترامب «مُفاجئاً» في زيارته السعودية. فـ«البقرة الحلوب» لم تجف بعد، وما زال بالإمكان ضخ بعض من عائداتها النفطية في خدمة الاقتصاد الأميركي.
في هذا السياق، يمكن وضع الاتفاقات والصفقات التي أبرمها الرئيس الأميركي في المملكة النفطية.
ولكن الاقتصاد والسياسة لا ينفصلان، وتلك من البديهيات، وصفقات التسليح الضخمة، غالباً ما تتطلب إيجاد عدو، أو إعادة التذكير بعدو موجود فعلاً.
وفي صفقة كتلك التي أُبرمت في السعودية، لا يكفي أن يقتصر العدو على تنظيم إرهابي مثل «داعش» أو غيره، فطبيعة الأسلحة، تتجاوز «الحرب على الإرهاب»، فهي استراتيجية بطبيعتها، ومن هنا كان لا بد من إضافة إيران إلى «محور شر»، يبدأ من الرقة والموصل ويصل إلى طهران، بحسب توصيف صحيفة «لوموند» الفرنسية.
ومع أنه من الممكن أن يحاجج البعض بأن تصعيد الخطاب ضد إيران، خلال الزيارة الترامبية للسعودية، كان مجرّد بروباغندا لحشد «العالم الإسلامي» (السنّي) خلف الولايات المتحدة، إلا أن إشاعة أجواء توتّر في منطقة بالغة الخطورة مثل الشرق الأوسط، وبموازاة صفقات تسليح بهذا الحجم، ينذر بأن الجنون الاقتصادي لدونالد ترامب، والمحاولات الدؤوبة التي يقوم بها للمزايدة على خصومه داخل المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، تنذر بدفع التوتر القائم فعلاً إلى تخوم الجحيم.
لماذا يصعّد ترامب؟
لا بد من الإشارة، إلى أن الجولة الخارجية لترامب، لم تكن مفصولة عن الضغوط الداخلية التي يتعرّض لها من قبل المؤسسة الحاكمة (استابليشمت) في الولايات المتحدة، فالرئيس الأميركي، ومنذ دخوله البيت الأبيض –وربما قبل ذلك– واجه الكثير من المصاعب، على خلفية الحملات الداخلية المرتبطة بشبهات «تواطؤ مع روسيا»، أدّت حتى الآن، إلى الإطاحة ببعض مساعديه، وأبرزهم مستشار الأمن القومي مايكل فلين، فيما أُجبر على القبول بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في تلك المزاعم، برغم المخاطر المرتبطة بأمر كهذا على رئاسته.
ولا يمكن، في هذا السياق، عزل الخطوات التي اتخذها ترامب، في مجال السياسة الخارجية – من فرض عقوبات على إيران، مروراً بتوجيه ضربة الـ«توماهوك» إلى سوريا، والتهديد بحرب ضد كوريا الشمالية – عن المزايدات التي يحاول الرئيس الأميركي اللجوء اليها، لقطع الطريق أمام خصومه الداخليين.
ومن هنا يمكن فهم الكثير من التفاصيل المرافقة لزيارة ترامب إلى السعودية –وبعدها إلى إسرائيل– فالرئيس الأميركي سيعود بعد أيام إلى واشنطن، متباهياً بمليارات الدولارات التي تمكن من ضخها إلى الاقتصاد الأميركي، وبخطاب تحريضي ضد إيران، وبمخططات لتأسيس «ناتو عربي»، ترعاه السعودية، فيما هو بإمرة «ترامب العرب»، على حد توصيف صحيفة «كومرسانت» الروسية، والأهم من ذلك، وضع كل نتائج الجولة الشرق أوسطية، في خدمة إسرائيل، لتقديم أوراق اعتماده مجدداً إلى اللوبي اليهودي الأميركي.
محطات جولة ترامب.. ودلالاتها
لعلّ ترامب قد اختار محطات جولته الخارجية الأولى بعناية شديدة، تحقيقاً لذلك الغرض الداخلي.
وفضّل ترامب أن تكون السعودية محطته الأولى، ليس للسبب الاقتصادي المتمثل في مليارات البترودولارات التي ستضخ إلى الخرينة الأميركية فحسب، وإنما لتوجيه رسالة واضحة إلى إيران –أو بعبارة أخرى إلى «أعداء» إيران في الداخل الأميركي وخارجه– لا سيما أن المملكة النفطية جمعت، في الزيارة الترامبية، قادة أكثر من ٤٠ دولة إسلامية (سنّية)، منضوية في «تحالف إسلامي» هلامي، طرحه ولي ولي العهد السعودي، محمّد بن سلمان، قبل عامين، لمحاربة الإرهاب «بكل أشكاله»، وهي عبارة ليست تفصيلية طالما أنها تعني بالنسبة للسعوديين، إيران وحلفاءَها، وفي طليعتهم «حزب الله»
وأمّا المحطة الثانية، فهي إسرائيل، الحليف الدائم للولايات المتحدة. وإذا كانت زيارة ترامب للأراضي الفلسطينية المحتلة ليست بالغريبة، طالما أن الكيان الصهيوني يعدّ محجة الرؤساء الأميركيين في كافة جولاتهم الشرق أوسطية، إلا أن ثمة استثناء مهماً، ربما يخفي الكثير، وهو أن الرئيس الأميركي طار مباشرة من مطار الملك خالد الدولي في السعودية، إلى مطار بن غوريون في تل أبيب.
والمحطة الثالثة كانت الفاتيكان، وهي مجرّد زيارة رمزية، سعى ترامب من خلالها، إلى استعراض «تسامح ديني»، بعدما حل «داعية» على القادة المسلمين في الرياض، وأدى الصلاة معتمراً القلنسوة اليهودية عند حائط البرّاق.
وتبقى المحطتان الأخيرتان، اللتان سترسمان مستقبل العلاقة بين ترامب و«الشركاء» الغربيين، بعد اللغط الذي رافق تصريحاته خلال الحملة الانتخابية، وهما بروكسل، حيث يفترض أن يكون قد حسم الجدل إزاء موقفه من «الناتو»، وحيث كان متاحاً له، بعد محطتي السعودية وإسرائيل، أن يدخل على «الأطلسيين» مسلحاً بخطاب تصعيدي ضد إيران، ومتباهياً بتشكيله «ناتو عربي» على طريقة أن «حلفان اطلسيان» أفضل من «اطلسي واحد». واما المحطة الاخيرة، في صقلية، فهي تكميلية للمرحلة الاولى، ففيها اللقاء مع قادة مجموعة السبعة، الذي سيرسم، بطبيعة الحال، الخطوط العريضة لسياسات الغرب، ليس تجاه الشرق الأوسط فحسب، بل تجاه روسيا والصين.
طبول الحرب
في الواقع، تبدو كافة التفاصيل المرافقة للجولة الترامبية، كما لو أن الرئيس الأميركي كان محاطاً في كل محطاته، بفرقة عسكرية تقرع طبول الحرب، وهو ما يكاد يتبدّى في كل تفصيلة من المواقف ولغة الجسد، بدءاً من رقصة العرضة، التي أداها مع الملك سلمان، مروراً بخطاب القمة الأميركية–الإسلامية، الذي تضمن تصعيداً ضد إيران ومحور المقاومة، وصولاً إلى التحركات العسكرية التي رافقت الجولة الرئاسية، وابزرها الضربة الجوية في منطقة التنف.
هكذا أشاع ترامب، خلال الزيارة أجواء من التصعيد، في منطقة ملتهبة أصلاً بالتوترات والصراعات الدامية. ولعل هذا التوتر مرشح للتصعيد بعد الزيارة، خصوصاً بعدما تلقت السعودية، الغطاء السياسي، لسلوكها العدواني في الشرق الأوسط، سواء من خلال الدعم السياسي الذي قدّمه إليها ترامب، مقابل 380 مليار دولار، أو في تعزيز ترسانتها العسكرية بصفقة التسلح الضخمة.
ولكن حسابات الحقل السعودي قد لا تكون مطابقة لحساب البيدر الأميركي، فبرغم نشوة نظام آل سعود بسماع طبول الحرب الترامبية، إلا أن ذلك لا ينفي أن أي تصعيد تريده السعودية دونه حسابات إقليمية ودولية، تبدأ في إيران ولا تنتهي في روسيا.
وربما تكون الصدفة هي التي جعلت زيارة ترامب إلى السعودية تترافق مع انتخابات الرئاسة في إيران، التي اتت نتائجها محبطة للسعوديين أنفسهم، كما للجناح المتشدد في الإدارة الأميركية، فاحتمالات الحرب مع رئيس «معتدل» مثل حسن روحاني، ومهندس ديبلوماسيته محمد جواد ظريف، تبقى أقل قياساً إلى ما يمكن أن تكون عليه الحال مع رئيس متشدد. وعلى هذا الأساس، لم تتأخر مؤشرات تجنب الاستفزازات السعودية–الأميركية، من خلال رد الفعل البارد الذي صدر عن الرئيس الإيراني المعاد انتخابه حيال قمة الرياض.
وعلى مستوى آخر، لا شك في أن أي تحرك تصعيدي في الشرق الأوسط لا بد من أن يأخذ في الحسبان الحضور الروسي، الذي بات الرقم الأصعب في المعادلة الإقليمية. ومن المؤكد أن أي حرب شرق أوسطية ستصطدم بالفيتو الروسي، الذي لا يجرؤ أحد على تجاوزه، بما في ذلك الولايات المتحدة، في ظل تنامي أجواء الحرب العالمية الباردة.
وعلاوة على ذلك، لا يبدو أن «الناتو» العربي–الإسلامي الذي تتباهى السعودية بأنها دفعت في تشكيله أفضل حالاً من ذاك التحالف الذي أعلنه محمد بن سلمان قبل عامين، فالتناقضات بين المكوّنات الوازنة في هذا المعسكر لم تتأخر عن الظهور قبل صدور «اعلان الرياض»، وهو ما تبدّى بشكل خاص في غياب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن القمة الأميركية–الإسلامية، وما تضمنه خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي من اتهام مبطن للدول الخليجية بتمويل الإرهاب ودعمه. ولم يكد الحبر الذي كتب به البيان الختامي لقمة الرياض يجفّ، حتى تفجرت التناقضات داخل المعسكر الخليجي نفسه، من خلال انعطافة في المواقف القطرية تجاه إيران، التي يتندّر البعض بأنها على قاب قوسين أو أدنى من أن تدخل «محور الممانعة»!
انطلاقاً من ذلك، لا يبقى أمام السعودية سوى الميدان اليمني كحقل تجارب لموقفها التصعيدي مع إيران، وهو ما يعزز المخاوف من أن يعمد الثلاثي سلمان–بن نايف–بن سلمان إلى تكثيف العدوان على الشعب اليمني، بشكل لا يقل إجراماً عن الفترة الماضية، خصوصاً أن ذلك سيشكل المفصل في اختبار حقيقة الدعم الأميركي لنظام آل سعود، وفي تحديد طبيعة التحركات الإيرانية المقابلة.
ولكن من غير المعروف ما إذا كانت المملكة النفطية قادرة على المضي في التصعيد إلى ما نهاية، خصوصاً أن جرائمها في اليمن باتت تحاصر البيت الأبيض نفسه، وذلك ليس تفصيلاً، إذا ما تابع المرء ردود الأفعال داخل الولايات المتحدة، على المستوى الاعلامي والتشريعي، من صفقة الأسلحة للسعودية، والتساؤلات التي أثيرت حول ما إذا كانت ستشكل أداة جديدة لارتكاب مجازر جديدة في بلد يعاني أسوأ الأوضاع الإنسانية مثل اليمن.
انطلاقاً من ذلك، قد لا يكون التصعيد السعودي ممكناً، ولعل طبول الحرب التي رافقت زيارة ترامب، ستتلاشى أصواتها المرعبة في صدى المناخ الدولي المزدحم بالأصوات الناشزة… ومع ذلك، يبقى الخطر قائماً، خصوصاً في منطقة حساسة كالشرق الأوسط!
نصرالله يردّ على قمة الرياض: فضيحة ومهزلة .. والسعودية تريد أن يحميها ترامب
في خطاب لمناسبة الذكرى الـ17 لانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، قال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إن المقاومة اليوم أقوى من أي زمن على الإطلاق عدداً وعدة وعزماً وإيماناً، وأنها لا تخيفها التهديدات ولا الحرب ولا القتال. وأكد نصرالله أن الحرب على المقاومة قائمة منذ زمن طويل وقبل قمة الرياض وبالتالي لم تحمل القمة أي جديد، مضيفاً أن «إعلانات وخطابات الرياض لن تقدم شيئاً» و«لا تأثير لها على الساحة اللبنانية».
وقال الأمين العام إن إعلان الرياض هو إعلان «أميركي سعودي» واصفاً إياه بـ«الفضيحة والمهزلة» في القمم والمؤتمرات، لافتاً إلى أن «أهداف السعودية من الحشد في قممها هو تعظيم ترامب وإبراز موقعها كدولة مركزية في العالم العربي، والتهويل ودفع أميركا للدخول في المواجهة المباشرة مع إيران والمقاومة».
وأضاف نصرالله أن السعودية سعت من وراء «تعظيم ترامب» إلى «حماية نظامها لأنه بات معلوماً أنها تقف وراء الفكر التكفيري». كما رأى أن السعودية تشعر أن العالم كله يتطلع إليها بعيون حمراء لذا هي بحاجة لدفع رشوة للأميركي، مشيراً إلى «أن العالم ينظر إليها اليوم على أنها مركز الفكر التكفيري والداعم الأساسي للجماعات التكفيرية»، معتبراً أن تنظيم «داعش» الإرهابي «بداياته سعودية وتمويله سعودي وماله سعودي».
Leave a Reply