قبل أن تهبط الطائرة في مطار بيروت عائدة من السعودية، وعلى متنها الوفد الرسمي اللبناني الذي شارك في إحدى القمم الثلاث، غرّد عضو الوفد وزير الخارجية جبران باسيل، معلقاً على البيان الذي صدر بإسم «إعلان الرياض»، بأن الوفد لم يكن على علم به أو إطّلاع عليه، دون أن يرد رئيس الحكومة سعد الحريري الذي ترأس الوفد، ووُجّهت إليه الدعوة دون رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي تأتي الدعوات رسمياً بإسمه، كونه يمثّل لبنان، لأنه سيكون له موقف غير منسجم مع ما سيقال أو يصدر عن القمة الأميركية–العربية–الإسلامية، لأنه لن يقبل بوصف «حزب الله» بـ«الإرهابي»، وهو الذي يعتبره مقاومة تكمل عمل الجيش، وهو ما أغضب المملكة التي امتنعت عن توجيه الدعوة إليه، واكتفت بدعوة الرئيس الحريري.
الرئيس عون لم يرغب بافتعال أزمة داخلية مع رئيس الحكومة، فصمت عن الموضوع على مضض، لكنه كان منزعجاً جداً، وفق ما تداوله مقرّبون منه، غير أن الرد على تجاهل رئيس الجمهورية، جاء فوراً من الوزير باسيل، وقبل أن يجف بيان الرياض، حتى أعلن أن لبنان ليس معنياً به وأيده رئيس الجمهورية. أما رئيس الحكومة فتعاطى ببرودة أيضاً، لعدم الدخول في خلاف مع رئيس الجمهورية المنسجم معه حالياً، حيث لم تتأثر العلاقات بينهما وهو ما أكدته جلسة مجلس الوزراء الأخيرة بتخطي «إعلان الرياض» والتمسك بخطاب القسم والبيان الوزاري وتحييد لبنان عن الصراعات الدولية والإقليمية.
وما صدر عن قمة الرياض، وما جاء في كلام العاهل السعودي الملك سلمان، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول إيران بأنها رأس حربة الإرهاب، وتصنيف «حزب الله» بأنه إرهابي كتنظيم «داعش»، لا يريح اللبنانيين المنقسمين حول المقاومة، والمتباعدين في الموقف من سوريا، والمختلفين بين السعودية وإيران، وغير المستقرين داخلياً، فيما يتخبّط المسؤولون في بلدهم، حول قانون الانتخاب بعد أن تقاعسوا عن انتخاب رئيس للجمهورية لمدة عامين ونصف العام، إلى جانب فشلهم في إيجاد حلول لأزمات معيشية واجتماعية واقتصادية متفاقمة.
استرضاء وإغراء
بدأ الرئيس الأميركي زيارته من السعودية، وهو الذي تعهد بمحاربة الإسلام الراديكالي المتطرف، المتمثل بالفكر الوهابي المنتج للإرهاب، لأنه بحاجة إليها، سياسياً، بسبب المعارضة الداخلية الشعواء ضده في الداخل الأميركي، في ظل حملات سياسية وإعلامية لم يعرفها رئيس أميركي في بداية ولايته قط. ويبدو أن وعود ترامب الانتخابية باتت تربك الرئيس الجديد الذي بدأ يتراجع عن بعضها، فكانت أولى زياراته الخارجية إلى الرياض، حيث عاد بمال وفير عقب توقيعه عقوداً واتفاقيات واستثمارات سعودية بحوالي 350 مليار دولار على عشر سنوات، فأعطته جرعة دعم مالية، لتعزيز الإقتصاد ورفع النمو فيه، وتخفيض حجم البطالة.
قبض الرئيس الأميركي، ثمن زيارته، ناقضاً سياسة سلفه الرئيس باراك أوباما، الذي افترق عن نهج السياسة السعودية، بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران وحلفائه الأوروبيين، وهو ما أغضب حكام السعودية وإسرائيل الذين سارعوا إلى رفض الاتفاق وإعطاء الجمهورية الإسلامية هذا الحجم الإقليمي والدولي.
رحل أوباما وأتى ترامب. وحتى الآن، لم ينسف الرئيس الجديد الاتفاق، بل أدار له ظهره متوجهاً إلى السعودية التي فتحت خزائنها ودفاتر شيكاتها لإرضاء ترامب وإغرائه للسير قدماً في طريق العداء لطهران، فتم في الرياض وضع نواة لتحالف سياسي وعسكري (عربي–إسلامي–أميركي) لمحاربة إيران و«حزب الله».
فهذا الحلف الذي سينشئ جيشاً من 34 ألف جندي، ليس هدفه إسرائيل التي تصون أمنها أميركا بكل إداراتها، والتي قد تصبح هي نفسها جزءاً من حلف الرياض، بل العدو هو إيران، ومعها حلفاؤها، لاسيما «حزب الله» في لبنان، و«الحوثيون» في اليمن.
وبحسب المنظار السعودي، لا بدّ من ضرب الأذرع الإيرانية في هاتين الدول التي لها مواقع استراتيجية فيها، حيث تقترب إيران من باب المندب في اليمن، ومن البحر المتوسط في لبنان وسوريا، وباتت على تماس مع العدو الإسرائيلي، وهو ما لا ترغب به إسرائيل وأميركا وتساندهما دول عربية في موقفهما، وهذا ما ركّزت عليه قمة الرياض التي تحدّث بيانها عن الإرهاب الممثل بحركة «حماس» و«حزب الله» وتنظيم «داعش»، متجاهلاً أن «حزب الله» هو الذي يقاتل «داعش» وغيره من التنظيمات التكفيرية الوهابية الفكر والمنشأ.
فكيف لعاقل أن يضع «حزب الله» في خانة «داعش» والإرهاب، إلا إذا كان قتال إسرائيل إرهاباً؟
أزمة داخلية جديدة
إن تركيز قمة الرياض على محاولة التبرؤ من الإرهاب وإلصاق التهمة بإيران وحلفائها، ومن ضمنهم «حزب الله»، سيضع لبنان أمام أزمة داخلية، إضافة إلى أن الضغوطات عليه تتصاعد، لاسيما مع ما يُطرح أو يُستكمل من عقوبات أميركية، ستطال شخصيات ومؤسسات، تؤيّد المقاومة، ومن الأسماء المتداولة في وسائل إعلام أميركية، إسما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، إضافة إلى شخصيات ومؤسسات لها علاقات مع المقاومة لكن الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن قلل من صحة المعلومات المتداولة وفق ما سمع من مسؤولين في الإدارة الأميركية.
ومحاولة الوزير باسيل التبرؤ من «إعلان الرياض»، وتمسّكه بخطاب القسم لرئيس الجمهورية الذي استندت عليه الحكومة في بيانها الوزاري، وبقرار مجلس الوزراء الأخير الذي كلّف الحريري حضور القمة، التي لم يُسمح له بإلقاء كلمة فيها، أو إطلاعه على البيان، وهو ما يُظهر النوايا السيئة تجاه لبنان، والعمل على تعميق الانقسام فيه، وفك ربط النزاع بين أطرافه السياسيين، وتحديداً «تيار المستقبل» و«حزب الله»، مما يسمح بأن تعود ساحته إلى التوتر السياسي والأمني الذي عرفته منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، إلا أن الوضع بقي مضبوطاً إلى حدّ ما، ومرّ لبنان بقطوعات سياسية وأمنية، كادت أن تطيح السلم الأهلي فيه، لكن القرار الدولي–الإقليمي، أن يبقى لبنان مستقراً، بالرغم من الحريق حوله، لاسيما في سوريا، ونزوح مليون ونصف مليون من أبنائها إليه، ووجود شبكات إرهابية، حاولت زعزعة الأمن والإستقرار، لكن الجيش مع القوى الأمنية تمكنوا من الإمساك بالأمن، أفضل بكثير من دول أخرى، وهو الذي تتمركز في جرود عرسال مجموعات إرهابية.
فهل سيتأثّر لبنان بما نتج عن قمة الرياض، مع رفع نبرة التصعيد في البيان الذي سيجري البحث في تنفيذه، لاسيما في شقّه الإيراني، وهو الذي تعتبره السعودية الأخطر عليها، إضافة إلى وضع «حزب الله» الذي استخف بما صدر عن القمة، وكذلك فعل الرئيس الإيراني المنتخب الشيخ حسن روحاني الذي قال عن البيان بأنه «صوري»، مما يعني أن السعودية مع أميركا وحلفائهما، سيفتشان عن ساحة يترجمون فيها ما ورد في «إعلان الرياض»، حيث تخوض المملكة معركة عسكرية مباشرة في اليمن ضد الحوثيين، وهي تدعم التنظيمات التي تقاتل النظام السوري، كما تساند مجموعات في العراق، ولم تعد من ساحة هادئة فيها نفوذ لإيران سوى لبنان، حيث يتعرض «حزب الله» لعقوبات مالية واقتصادية من المرجح أنها ستتضاعف قريباً.
وسيبحث الكونغرس الأميركي في توسيع العقوبات لتشمل شريحة متعاطفة مع الحزب، وهو ما يحاول لبنان أن يمنع حصوله، لأنه سيشكّل كارثة اقتصادية عليه، وضرباً لنظامه المصرفي، الذي حاول التكيّف مع العقوبات والتجاوب معها بالقدر المستطاع، إلا أن ضغط «اللوبي اليهودي» وفي ظل الإدارة الجديدة –وبعد قمة الرياض– سيتم تشديد العقوبات على «حزب الله»، لخلق نقمة عليه، تبدأ أولاً من بيئته الشعبية الداعمة لمقاومته، لينتقل إلى المجتمع اللبناني في حرب اقتصادية، تؤثر على النقد اللبناني، الذي صمد منذ العام 1992 بوجه كل الأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية، والحروب الإسرائيلية، ونجح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بإدارة الملف المصرفي والنقدي، ونال تجديداً له في منصبه من الحكومة للمرة الرابعة وللعام الـ24 على التوالي، وهي أطول مدة لحاكم بنك مركزي، كان إسمه من بين أوائل الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية.
فالصراع الذي بدأ مع إيران بعد «الثورة الإسلامية» منذ نحو 38 عاماً، لم يتوقف، وكان يمر في مراحل هدوء وهدنة، إلا أن استعادته من جديد في هذه المرحلة، مع اشتعال جبهات، ودخول جيوش من كل الجنسيات الحروب في المنطقة، قد يرفع من حدة المواجهة، إذ يخشى بعض القوى السياسية أن يكون لبنان ساحة من ساحاته، إذا ما رُفع الغطاء الدولي عنه، وتقرّر هز الأمن فيه، لكن مصادر دبلوماسية غربية تستبعد ذلك وتؤكّد، أن لبنان إحدى جبهات الحرب على الإرهاب ونجح جيشه بذلك ويلقى الدعم، ولا يمكن هزّ الأمن فيه.
وتبقى إسرائيل هل تُكلّف بحرب ثالثة عليه؟ الجواب لا يمكنها…
Leave a Reply