إن الجريمة المروعة التي ارتكبها جيريمي جوزيف كريستن، الجمعة الماضي على الساحل الغربي للولايات المتحدة، قد تبدو للوهلة الأولى مجرد حادثة أخرى من جرائم الكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة، والتي ارتفعت نسبتها إلى 67 بالمئة خلال العام الماضي، بحسب بيانات مكتب التحقيقات الفدرالي.
غير أن جريمة قطار بورتلاند بولاية أوريغون، تنطوي على معانٍ إضافية، لاسيما وأنها أودت بحياة شخصين من غير المسلمين، كانا قد تدخلا للدفاع عن فتاتين مسلمتين تعرضتا لسيل من الشتائم والتعليقات المسيئة للإسلام من قبل الجاني، في إشارة عميقة الدلالة إلى أن خطورة جرائم الكراهية لا تقتصر على ضحاياها المباشرين من المسلمين، وإنما تتعداها إلى غيرهم من الأميركيين، بشكل يهدد النسيج المجتمعي ويضع الثقافة الأميركية على المحك، خاصة في العقود الأخيرة حيث بات التعصب والتمييز الثقافي والعرقي من أبرز سمات هذه الثقافة التي تغذيها ماكينات «الإسلاموفوبيا».
لعل هذا ما يبرر النزعة الاستعلائية لمهاجم قطار بورتلاند وهو يردد في قاعة المحكمة التي مثل أمامها –الثلاثاء الماضي– قائلاً: «إن تدعونه إرهاباً أسميه وطنية»، من دون أن يرف له جفن، ومن دون أن يبدي أي أسف على الضحيتين اللتين أرداهما بدم بارد.
كان مقدراً لهذه الجريمة النكراء أن تهز الضمير الأميركي وتغير من التعامل الرسمي والإعلامي مع جرائم من هذا القبيل، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، رغم اندلاع موجات واسعة في الولايات المتحدة ضد التعصب والتحرش العنصري.
لكن المسؤوليين الحكوميين والرسميين –وكذلك وسائل الإعلام– اكتفوا بإدانة الهجوم بوصفه عملاً بشعاً وجريمة جنائية، من دون أن يمتلكوا الجرأة الأخلاقية والمهنية على وصفه بـ«الإرهابي» أو حتى «بجريمة كراهية»، رغم اكتمال جميع العناصر التي تجعله يستحق هذا التوصيف، وكأن الوصم بالإرهاب مصمم فقط للجناة المسلمين والمتأسلمين، حتى ولو كانت دوافع أخرى تقف وراء جرائمهم.
لقد لعب الخطاب السياسي الذي رافق صعود دونالد ترامب وفوزه بالرئاسة، دوراً أساسياً في زيادة الكراهية ضد الإسلام، لاسيما وأن الرئيس الجديد لا يتورع عن إدانة وشجب أية جريمة يرتكبها «مسلم»، في أي مكان في العالم، بوصفها عملاً إرهابياً، ولكنه في تعليقه على جريمة بورتلاند، اكتفى بإطلاق تغريدة على «تويتر»، واصفاً الهجوم بـ«غير المقبول»، مضيفاً أن «الضحايا وقفوا في وجه الكراهية»، بينما الصحيح أنهم كانوا ضحية لجريمة كراهية واضحة الأركان.
لكن يبدو أن ما قاله مدير «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير–ميشيغن) دواد وليد صحيح إلى درجة كبيرة، حيث أشار في حديث مع «صدى الوطن» تعليقاً على الجريمة بالقول: إن لون بشرة كريستن الأبيض يحميه من توصيفه بالإرهابي!
في السياق ذاته، إن السلوك الأخلاقي الذي حذا بثلاثة أميركيين للدفاع عن فتاتين مسلمتين من بذاءات شخص متعصب، يشير إلى أن الولايات المتحدة ماتزال تزخر بالطيبيين والشرفاء، وهؤلاء لا يوافقون بأية حال على ترويج الأفكار العنصرية والعدائية ضد الثقافات والأديان المختلفة، ما يرسخ الاعتقاد أيضاً بأن أميركا هي أميركاتان: واحدة غارقة في التعصب والتمييز، وأخرى تؤمن بالعدالة وتتحمس لها وتدافع عنها. وبين هذا وذاك لا أحد يدري إلى أين ستؤول الأمور في بلاد العام سام.
Leave a Reply