«أن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي أبداً»، هذا القول المأثور والشعبي، هو ما ينطبق على النسبية الكاملة في قانون الانتخابات النيابية، الذي رُفض من قبل الثلاثي «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الإشتراكي»، قبل أن تتم الموافقة عليه من قبل هذه القوى السياسية، قبل نحو شهر، لاسيما من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي اعتبر النسبية سابقاً بأنها «ديمقراطية عددية» وبدعة لا يمكن القبول بها لأنها طغيان طائفي من قبل المسلمين، وفق تفسيره لها، في حين أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أعلن قبل انتخابه وبعده، بأن النسبية تؤمن التمثيل الصحيح وعدالته بين الأحزاب والمجموعات، مما يضمن وصول مَن يحصل على نسبة مئوية من الأصوات فيحصل على مقاعد نيابية، في حين أن النظام الأكثري يحرم مَن يفوز بأصوات عالية العدد من المشاركة في البرلمان، رغم أنه قد خسر بفارق مئات من الأصوات.
تاريخ الدعوة إلى النسبية
الدعوة إلى النسبية في قانون الانتخاب تعود إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي، عندما طالبت الأحزاب الوطنية والتقدمية، بأن تُعتمد بدلاً عن النظام الأكثري، الذي يمنعها من دخول مجلس النواب، وهذا ما جرى في كل تاريخ الانتخابات النيابية، إذ لم يصل أي مرشح من أحزاب «الشيوعي» أو «السوري القومي الإجتماعي» أو «البعث العربي الإشتراكي»، إلى الندوة البرلمانية، سوى مرشح واحد هو النائب الراحل أسد الأشقر الذي فاز في العام 1957 عن المقعد الماروني في المتن الشمالي كمرشح عن «الحزب السوري القومي الاجتماعي» الذي له قاعدة حزبية وشعبية كبيرة في هذا القضاء الذي منه انطلقت العقيدة القومية الإجتماعية التي وضع مبادءَها أنطون سعاده ابن بلدة ضهور الشوير، حيث كان فوز الأشقر لأسباب سياسية تتعلق بالتحالف بين الحزب القومي والرئيس كميل شمعون. والمرشح الثاني هو النائب عبد المجيد الرافعي الذي فاز عن المقعد السني في طرابلس عام 1972.
والنسبية الكاملة كان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله دعا قبل حوالي عام إلى اعتمادها، لأنها تحقق صحة التمثيل، ووافقه الرئيس نبيه برّي الذي دعا إلى أن تكون على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، وهو ما كان الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، قد اقترحه في إطار إصلاح النظام السياسي، قبل إنفجار الحرب الأهلية في لبنان في ربيع 1975، ولو جرى العمل بها لكان أحد أسباب الحرب قد اقتلع، مع تكوين سلطة تجمع الموالين والمعارضين في إطار النظام السياسي الذي يبدأ إصلاحه من داخله، لا في الشارع الذي لم يتحرك إلا وكانت الفتنة أمامه، ويتحوّل الصراع من سياسي إلى طائفي ومذهبي، وهذا ما حصل في أثناء تقديم الحركة الوطنية لبرنامجها المرحلي للإصلاح السياسي، كإطار نضال سياسي للتغيير، إلا أن اللعبة الطائفية الداخلية، المغطاة بثوب «حقوق الطوائف»، و«امتيازات المارونية السياسية» ورفض إلغاء الطائفية السياسية، أدّى كل ذلك إلى الانحراف بالصراع نحو أهداف ومشاريع أخرى، ترابطت مع أزمات المنطقة وأبرزها أزمة الصراع العربي–الإسرائيلي عموماً والفلسطيني – الإسرائيلي خصوصاً، إضافة إلى الحرب الباردة التي كانت قائمة بين القطبين الدوليين، أميركا والاتحاد السوفياتي السابق، والصراع الذي دار بينهما على أكثر من ساحة عالمية، كان لبنان إحداها، وما سمي «صراع الآخرين» على أرضه.
أكثرية مقنّعة
القبول بالنسبية بعد حوالي نصف قرن من اقتراحها يُعتبر تطوراً سياسياً هاماً، في إطار البدء بإصلاح النظام السياسي، والذي تأخّر عنه اللبنانيون منذ الاستقلال في العام 1943، للعمل على تكوين نظام سياسي خالٍ من الطائفية، وهو ما نصّت عليه المادة 95 من الدستور، التي اعتبرت الطائفية حالة مؤقتة لا بدّ من العمل على إلغائها، لكنه لم يحصل هذا الأمر، لا قبل الطائف ولا بعده، والذي ورد في أحد بنوده الإصلاحية تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية ولم يطبّق هذا البند منذ 27 عاماً، لا بل لم يسبقه إصدار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وفي الحالتين، فإن الإصلاح يأتي منقوصاً، حتى مع اعتماد النسبية الكاملة التي تمّ تشويهها وفق ما يؤكّد المطالبون بها، لاسيما من الأحزاب الوطنية وهيئات المجتمع المدني.
لأن شرط نجاح تطبيق النسبية هي بأن تكون على لبنان دائرة واحدة، أو دوائر موسعة كالمحافظات الخمس، أما تصغيرها –كما في المشروع المقترح إلى 15 دائرة– يجعل النسبية المطروحة لا تشبه تلك التي طالبت بها القوى الوطنية و«حزب الله» و«حركة أمل»، بل أنها أقرب إلى «أكثرية مقنعة».
طائفية تقسيم الدوائر
إذ جرى توزيع الدوائر على أساس طائفي، مثل العاصمة بيروت التي تمّ تقسيمها إلى دائرتين: أولى كل مقاعدها مسيحية، وثانية غالبية مقاعدها مسلمة، بما يذكر بمرحلة الحرب الداخلية، عندما كانت بيروت «شرقية» للمسيحيين، و«غربية» للمسلمين، وهو ما ينطبق على مناطق أخرى أيضاً حيث اعتمدت دوائر انتخابية صافية طائفياً إلى حد كبير، «لتحرير طوائف من طغيان طوائف أخرى»، وتظهير تمثيل طائفي حقيقي، وأكثر المطالبين به هو «التيار الوطني الحر» وحليفه الجديد حزب «القوات اللبنانية»، إذ يعتبران أن في هذا القانون المطروح على أساس النسبية و15 دائرة، يتوقّع أن يفوز ما بين 50 و55 نائباً مسيحياً بأصوات المسيحيين أو أكثرية أصواتهم، إذا لم يتم نقل مقاعد نيابية مسيحية هي في غير مكانها الصحيح، كالمقعد الماروني في طرابلس والآخر في البقاع الغربي ومعهما الثالث في بعلبك–الهرمل، والرابع من الأقليات في بيروت ومعه المقعد الإنجيلي.
وهكذا حصل قبول بالنسبية الكاملة من «القوات اللبنانية» كطرف مسيحي، بعد رفضها لها، كما حصل معها في انتخابات رئاسة الجمهورية، بحيث ترشح رئيسها سمير جعجع بمواجهة العماد عون لمنع وصوله للرئاسة، ولما أيّد الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية، أعلن جعجع تأييده لعون، ووقّع ورقة تفاهم معه بإسم «إتفاق معراب»، وكما في رئاسة الجمهورية حضر جعجع متأخراً وقبل بالنسبية بعد أن باتت أمراً واقعاً، لا مفر منها سوى إجراء الانتخابات على أساس القانون الحالي النافذ (الستين) وهو ما رفضه رئيس الجمهورية، مما اضطرّ «القوات اللبنانية» إلى أن تسير بالركب الذي مشى فيه «تيار المستقبل» والنائب وليد جنبلاط الذي أقنعه الرئيس برّي، بأن يؤيّد النظام النسبي مقابل ضم عاليه إلى الشوف في دائرة واحدة، مما يؤمن أكثرية لجنبلاط فيها، تعطيه بالنسبية مع صوت تفضيلي سبعة نواب.
اتفاق ربع الساعة الأخير
وقد حُسم إقرار النسبية، بعد أن أعلن السيد نصرالله، أن زمن المناورات في قانون الانتخاب قد ولّى، وأن كل الصيغ التي طُرحت رُفضت من قبل كل الأطراف، ولم يبقَ من وقت للموافقة على قانون الانتخاب سوى أيام، مما وضع كل الأطراف أمام واقع القبول بالنسبية لاسيما من الرافضين لها كلياً، أو اعتمادها مع النظام الأكثري وفق المختلط، وهكذا سلك القانون طريقه عبر الاجتماعات والاتصالات إلى أن رست في إفطار القصر الجمهوري بإعلان الرئيس عون عن اتفاق على قانون للانتخاب بعد أن رفع لاءاته الثلاث: لا للقانون الحالي (الستين) لا للتمديد، لا للفراغ.
وقد حقق عون اثنين من ثلاثة (صدور قانون جديد، وعدم حصول الفراغ) أما عدم التمديد فقد فرض نفسه تقنياً وقد يمتد إلى الربيع القادم، بعد انتهاء المهل القانونية التي تتيح إجراء الانتخابات دون تمديد.
وكان الرئيس عون قد رفض التمديد للمجلس الممدد لنفسه مرتين، حتى يحث القوى السياسية على الاتفاق حول قانون جديد، وهو ما حصل تحت عنوان «التفاهم السياسي» وفي اللحظة الأخيرة، أو الربع الساعة الأخير من نهاية ولاية المجلس النيابي، حيث أرسل «حزب الله» رسالة واضحة أنه ضد الفراغ، وأبلغ السيد نصرالله الوزير جبران باسيل، أنه ممنوع حصول فراغ في مجلس النواب، وقانون الانتخابات يجب أن يصدر، ويوجد مشروع قانون أقرّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ووافقتم عليه، فيمكن طرحه من جديد، فأبلغه باسيل أن العماد عون طرح في بكركي قانوناً يعتمد النسبية مع 15 دائرة وليس 13 كما في قانون الوزير مروان شربل، ويمكن أن نعيد طرحه، وقد وافقت عليه كل القوى المسيحية وتحديداً زعماء الموارنة، وهذا ما انتهت إليه إتصالات حافة الهاوية، ووقف المناورات.
وبذلك يكون لبنان قد دخل نظام النسبية في قانون الانتخاب، وهي المرة الأولى بعد 75 عاماً على الإستقلال، ونضال سياسي لقوى وطنية كانت تعمل لإحداث إصلاح في النظام اللبناني، وقد يتحقق جزء منه في تكوين السلطة إلا أن ما يشوب النسبية التي سيعمل بها هي أنها طائفية بامتياز، ولم يتم إخراجها من القيد الطائفي كما جاء في إتفاق الطائف الذي رسم خارطة طريق لإصلاح النظام السياسي لو اعتمد قبل 27 عاماً وطُبّق، لما كان لبنان يعيش ويستمر في أزمات نظامه الطائفي.
في الختام، يمكن القول إن الاتفاق على قانون انتخاب يملأ السلة المتكاملة التي تحدّث عنها الرئيس برّي قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية وتعيين الحريري رئيساً للحكومة، لتوفير أزمات على لبنان.
النسبية والدوائر الـ١٥
يقوم المقترح الانتخابي المتفق عليه مبدئياً بين القوى السياسية الرئيسية في لبنان على تقسيم البلاد إلى 15 دائرة، على أن يتم الانتخاب للائحة ككل على صعيد الدائرة الانتخابيّة وفق النظام النسبي، ويتم اعطاء الصوت التفضيلي للمرشّحين من ضمن اللوائح على صعيد كل قضاء.
هكذا، يتم تحديد عدد المرشّحين الفائزين من كل لائحة في الدائرة وفق نسبة الأصوات التي حازتها اللائحة ككل. أمّا تحديد هويّة المرشّحين الفائزين من كل لائحة بعد احتساب عدد مقاعدها، فيتم وفق التراتبيّة التي يحققها المرشّحون داخل اللائحة نفسها من خلال الصوت التفضيلي في كل قضاء. وقد تم تقسيم الدوائر على الشكل التالي:
جبل لبنان، أربع دوائر:
– بعبدا
– جبيل وكسروان
– عاليه والشوف
– المتن
الجنوب، ثلاث دوائر:
– الزهراني وصور
– جزين وصيدا
– النبطيّة، بنت جبيل، مرجعيون وحاصبيّا
البقاع، ثلاث دوائر:
– زحلة
– البقاع الغربي وراشيّا.
– بعلبك، الهرمل.
الشمال، ثلاث دوائر:
– عكار
– طرابلس، المنية والضنيّة
– الكورة، زغرتا، بشري والبترون
بيروت، دائرتان:
– الأشرفيّة، الرميل والصيفي.
– رأس بيروت، دار المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة، المصيطبة والباشورة.
Leave a Reply