صباح الخميس الماضي، طالعتني زوجتي وانا أتوجه إلى المطبخ لتشغيل ماكينة القهوة ذات الكوب المنفرد، بأن البراد الذي لم تمض سنة على شرائه توقف عن العمل فجأة ودون أعراض. سارعت فور الانتهاء من قهوتي إلى المطبخ مجدداً لأستعرض أمام زوجتي، المنشغلة بالبحث عن فاتورة شراء البراد، مهاراتي التقنية الافتراضية.
سحبت البراد من مكانه وادرته نصف دورة لأرى ظهره على أمل أن يكون هناك انفصال لشريط أو أن أجد شيئاً أحركه أو أضرب عليه، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي أتقنها للتعامل مع الأعطال عموماً. لم يكن على الجهة الخلفية للبراد سوى فتحتين الأولى لشريط الكهرباء والثانية لأنبوب المياه ولا شيء آخر.
حتى تكتمل عناصر التعقيد في الحالة، أبلغتني زوجتي أنها لم تعثر على وصل الشراء الأصلي.
في طريقي إلى المحل الذي اشترينا البراد منه، للحصول على نسخة بديلة للوصل والتأكد ما إذا كان للبراد اتفاق كفالة وصيانة، كان التقرير الاخباري الأطول على محطة الإذاعة التي أتابعها في سيارتي عن وضع شرطي آلي يعمل بالذكاء الاصطناعي في مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة. كل ما ورد في التقرير مدهش. روبوت بحجم إنسان متوسط القامة خمسة أقدام وخمسة إنشات (165 سنتم) يتكلم ست لغات، مزود بعيون إلكترونية يمكنها بالإضافة إلى مراقبة كل شيء أن تقدّر ما إذا كان الشخص الذي تراه خائفاً أو مضطرباً أو ثملاً. يقدر الشرطي الآلي على استدعاء دعم وتسجيل مخالفات وجباية الغرامات المالية وإنجاز بعض الأمور الإدارية البسيطة عبر شاشة تفاعلية باللمس… واتخاذ الوضعية المناسبة لالتقاط صور سلفي مع من يرغب.
يلفت التقرير إلى أن احدى الميزات المحققة للشرطي الآلي هي أنه يشجع المستخدمين على التواصل معه أكثر من عناصر الشرطة الآدميين الذين يفضل الناس عدم التحدث إليهم بسبب الصورة النمطية عنهم. لا أعتقد أن كاتب التقرير يعرف الشرطة والدرك العرب وإلا لما اكتفى بلفتة سريعة ولما اقتصر وصفه على «الصورة النمطية».
لم يطلب الموظف في محل الاليكترونيات والمعدات والادوات المنزلية أكثر من رقم هاتفي ليحضر لي وصلاً جديداً ويبلغني خلال اقل من دقيقة أن البراد لا يزال مكفولاً من الشركة المصنعة التي أعطاني الرقم المجاني لخدمة الزبائن فيها. عدت إلى البيت واتصلت بالشركة، وبعد الإجابة على أسئلة جهاز الاستقبال الآلي باللمس على أزرار الهاتف، احالني إلى القسم المختص. جاء صوت الموظفة التي عرفت عن نفسها كمختصة فنية. طلبت مني أن اذهب إلى المطبخ وأن اقرأ لها الرمز الفني المطبوع على ملصق صغير في داخل البراد.
بعد أن تأكدت من المعلومات الشخصية أشارت عليّ بفتح الباب الأعلى للبراد وتحديد مكان زر التشخيص ففعلت. قالت ضع سماعة الهاتف على بعد نصف إنش من الزر واضغط لثلاث ثوان على زر التبريد. ما إن رفعت إصبعي عن زر التبريد انطلقت من زر التشخيص سلسلة أصوات تشبه صوت آلة الفاكس القديمة. شرحت لي الموظفة أن هذا الصوت الذي سمعت هو الرمز الفني للتشخيص وأن البراد أصبح الآن متصلاً عن بعد بقسم الصيانة في الشركة لإجراء تقييم شامل، على أن تنتهي العملية خلال بضع دقائق وأن يعود البراد للعمل خلال أربع ساعات.
اتصلت بزوجتي التي أصبحت في مكان عملها واخبرتها بما حصل، فاستغرقت في ضحكة طويلة واستحلفتني بما أعزّ ألا أكون ممازحاً لها أو جزءاً من مقالب الكاميرا الخفية. إذا كانت زوجتي التي تستخدم الروبوت الطبي في كثير من عمليات الجراحة التي تجريها ضمن عملها، استغربت أن تصل التقنيات الحديثة إلى هذا المستوى، ماذا على مثلي ممن رأوا التلفزيون للمرة الأولى في بداية المراهقة أن يقول؟ لكن السؤال الأهم والأكثر إلحاحاً هو أين نحن من هذا التغيير الهائل الزاحف على العالم ككل؟ أين سنكون كبشر عموماً أمام الذكاء الاصطناعي الذي ينتشر بلا معوقات في جميع مناحي الحياة من الطب إلى العلم إلى الفضاء إلى الصناعة إلى الزراعة والنقل، وأخيراً الترجمة.
ثم، وبشكل أكثر تخصيصاً اين نحن كعرب مما يجري؟ هل سنكون في موقع المستهلك السلبي للتقنيات الجديدة كما حدث لنا مع الثورة الصناعية ثم ثورة الاتصالات؟ هل سنجد من يبادر إلى تجسير الهوة الثقافية والمعرفية بين المجتمع العربي المعاصر وبين العصر وهي مسافة لا تقل ابداً عن الفارق بين الجرة التي لا تزال أميرة تراثنا الشعبي وبين البراد الذي لم يعد بحاجة إلى مصلح من البشر بل صار قادراً على تشخيص أي خلل يطرأ عليه بالذكاء الاصطناعي وعن بعد؟ هل سيكون الشرطي الآلي أمام برج خليفة في مدينة دبي بداية منعطف جديد أم ينضم إلى آلاف التقنيات التي اقتنيناها واستخدمناها دون أن نحاول فهمها أو التأثر بها؟
Leave a Reply