شنت شرطة الهجرة والجمارك (آيس) في عطلة نهاية الأسبوع الماضي حملة اعتقالات واسعة طالت ١١٤ مهاجراً عراقياً في ولاية ميشيغن، تمهيداً لترحيلهم إلى العراق، فيما عمّت مشاعر الغضب والحزن أوساط الجالية العراقية في منطقة ديترويت بمختلف شرائحها، وسط مطالبات بوقف إجراءات الترحيل لاسيما أبناء الأقليات المسيحية الذين يواجهون خطر الاضطهاد الديني بسبب الوضع الأمني والحرب المستعرة في مناطقهم.
وألقى عناصر «آيس» القبض على قرابة 200 عراقي من مختلف الطوائف والانتماءات في الولايات المتحدة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وقد باشرت الوكالة إجراءات ترحيلهم بعد موافقة حكومة بغداد على استقبالهم في إطار اتفاق مع الرئيس دونالد ترامب لرفع العراق من قائمة البلدان المشمولة بقرار حظر السفر المعلّق قضائياً.
وقالت جيليان كريستنسن المتحدثة باسم «آيس» لوكالة «رويترز»، «نتيجة لمفاوضات جرت مؤخراً بين الولايات المتحدة والعراق وافقت بغداد في الآونة الأخيرة على قبول عدد من العراقيين ممن صدرت بحقهم أوامر ترحيل» مشيرة إلى أن السلطات اعتقلت 114 عراقياً في عطلة نهاية الأسبوع في منطقة ديترويت، إلى جانب 85 آخرين في مناطق أخرى خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وأوضحت كريستنسن أن المعتقلين هم من الأشخاص المدانين جنائياً وقد صدرت بحقهم أوامر نهائية بالترحيل ولكن ذلك لم يتم، بسبب رفض العراق سابقاً إصدار جوازات سفر لهم واستقبالهم على أراضيه.
وأضافت «كل فرد منهم مر بإجراءات قضائية كاملة وعادلة بشأن الهجرة خلص بعدها قاض فدرالي مختص إلى عدم أهليتهم للحصول على أي إعفاء بموجب القانون الأميركي وأمر بترحيلهم».
وأوضح المتحدث باسم «آيس» في ديترويت، خالد وولز، لـ«صدى الوطن» أن الغالبية العظمى من المقبوض عليهم أدينوا جنائياً باتهامات كالقتل والاغتصاب والاعتداء والخطف والسطو والاتجار في المخدرات وانتهاكات تتعلق بحيازة السلاح وجرائم أخرى.
وبحلول 17 نيسان (أبريل) الماضي، كان لدى «آيس» 1444 عراقياً صدرت بحقهم أوامر نهائية بالترحيل بسبب سجلاتهم الجنائية. ومنذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ترامب ورئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي في 12 آذار (مارس) تم ترحيل ثمانية عراقيين إلى بلدهم، على أن يتم ترحيل البقية تباعاً، بحسب «آيس».
ردود فعل
وأثارت موجة الاعتقالات غضب وحزن أبناء الجالية العراقية في منطقة ديترويت، حيث تظاهر العشرات يوم الإثنين الماضي في باحة كنيسة «أم الله» الكلدانية بمدينة ساوثفيلد احتجاجاً على الاعتقالات، مطالبين بوقف إجراءات الترحيل وسط صيحات البكاء والعويل من ذوي المعتقلين الذين سيفتقدون أحباءَهم ومعيلي أسرهم.
وتم اعتقال أكثر من ٤٠ كلدانياً في مداهمات طالت منازل وكنائس ومطاعم في عدة مدن بمقاطعتي أوكلاند وماكومب، كما شهدت مقاطعة وين اعتقالات طالت مهاجرين عراقيين من طوائف مختلفة.
واقتيد المعتقلون إلى مقر «ايس» وسط ديترويت حيث احتشد عدد من المحتجين الذين حاولوا اعتراض طريق الباصات التي تولت نقل المعتقلين إلى مركز احتجاز فدرالي في مدينة يونغستاون في شمال شرقي ولاية أوهايو تمهيداً لترحيلهم جواً إلى العراق.
وقد قام المحتجون بقطع الطريق مؤقتاً أمام أحد الباصات البيض قبل أن يتدخل عناصر الشرطة لفتحه.
وقال أحد المتظاهرين أمام الكنيسة الكلدانية في ساوثفيلد لـ«صدى الوطن»، إن المعتقلين بينهم أشخاص محكومون بجرائم تتعلق بحيازة الماريوانا ومضى على بعضها سنوات طويلة، مؤكداً أن ترحيل هؤلاء إلى العراق، إجراء غير عادل وهو بمثابة حكم بالإعدام بحقهم بسبب الحرب المستعرة هناك.
وأضاف المهندس سالم جدو «لقد عوقبوا، وقضوا مدتهم في السجن، ودفعوا الغرامات التي فرضت عليهم.. واليوم، وبعد عشرين سنة من كونهم مقيمين صالحين، نقوم بإرسالهم إلى الموت في العراق، أي حقوق إنسان هذه؟».
وتابع بالقول إن ترحيل «كل شخص من هؤلاء سيتسبب بوجع لمئة شخص من الأقارب والأصدقاء» مشيراً إلى الروابط الأسرية الذي تتميز بها الجالية الكلدانية التي يقدر عديدها بحوالي ١٧٥ ألف نسمة في منطقة ديترويت.
ومن بين المتظاهرين أمام كنيسة ساوثفيلد، امرأة عراقية مسلمة تم اعتقال أخيها يوم الأحد الماضي. «قالوا إنه سيعود بعد ساعتين أين هو؟» سألت بغضب، وأضافت «نحن نعمل هنا وندفع الضرائب والمستحقات فهل تبنانا هذا الوطن ليستهدفنا وحسب؟».
وقد جال ناشطون حقوقيون على المتظاهرين ليعرفوهم على حقوقهم بعدم التجاوب مع مطالب عناصر «آيس» وطلب الاستعانة بمحام قبل الإجابة على أسئلتهم. كما دعا الناشطون الأهالي إلى إبلاغ المعتقلين بعدم التوقيع على أية مستندات أثناء احتجازهم خشية أن يتنازلوا عن حقوقهم بموجبها.
ومن جانبه، قال مارتن مانا رئيس «مؤسسة الجالية الكلدانية» «من المثير للقلق بشدة أن تشير إدارة إنفاذ قوانين الهجرة والضرائب الأميركية إلى نيتها نقل مسيحيين كلدان إلى العراق حيث يواجهون الاضطهاد والموت بسبب معتقداتهم الدينية».
وقال محامون ونشطاء وأقارب للمرحلين إنه تم أيضا إلقاء القبض على عراقيين مسلمين في منطقة ديترويت وأكراد في ناشفيل بولاية تنيسي.
وقال محامون ونشطاء إن عدداً من المقبوض عليهم جاؤوا إلى الولايات المتحدة وهم أطفال ووقعوا في مشاكل وإنهم يقضون عقوبتهم بالفعل. وقضى بعضهم فترة طويلة في الولايات المتحدة حتى نسوا اللغة العربية.
من جهة أخرى، قدم ستة مشرعين في الكونغرس الأميركي عن ميشيغن رسالة لوزير الأمن الداخلي جون كيلي تطالبه بإرسال نسخة عن الاتفاق مع الحكومة العراقية للاطلاع عليه وتعديله لحماية المبعدين وضمان أمنهم.
والموقعون على الرسالة هم النواب: جون كونيرز، وديبي دينغل، وساندر لفين، ودان كيلدي، وبرندا لورنس، وجون مولنار.
Leave a Reply