مشهد الرئيس السوري بشَّار حافظ الأسد وهو يتجول في سوق في إحدى ضواحي دمشق من دون حراسة، أو على الأقل حراسة غير ظاهرة، رغم المخاطر الأمنية الهائلة حوله واستقبال الناس اللافت له بعد تفاجئهم به، لعله أفضل تعبير عن المشهد العربي الجديد المتحوِّل. فقد فقدت سوريا دورها وحضورها بسبب المؤامرات والحرب المدمِّرَة، أمَّا اليوم فهي تستعيد عافيتها في ظل أخطر حرب ضروس بين السعودية وحليفتها الإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية وكأنها حرب داحس والغبراء من جديد. لقد صمد رئيس سوريا بقوة شعبه وجيشه والقوى المقاوِمَة الحليفة ولربما هو أول رئيس في التاريخ يتكالب عليه الأعداء بحربٍ كونية ويخرج منها كطائر الفينيق.
لقد قلنا سابقاً وكررنا أنَّ سوريا ستُنهي لوحدها عصر القطب الدولي الأوحد وهو أميركا، كما أن تداعيات المعركة ضدَّها ستؤدي إلى إنهاء الربيع العربي المشؤوم وإلى ارتدادات وخيمة على المنطقة وعلى الذين قاموا برعاية واحتضان وتمويل وتسليح الإرهابيين وتحويل حراك سلمي مدني إلى مد تكفيري دموي همجي قروسطي لن يقف عند حدود دمشق.
ولا حاجة هنا للتذكير بما حصل للغرب وتعداد الروؤساء الغربيين الذين رحلوا وبقي الأسد شامخاً. وفي لبنان نحرت ثورة «الزنزلخت» نفسها بنفسها بعد أن تكفل بذلك سعد الحريري وخلط سياساته وقلب تحالفاته 180 درجة بعد دعمه لحليف سوريا الأول الزعيم سليمان فرنجية ثم التخلي عن حليفيه جعجع وجنبلاط، إلى تحالفه اليوم مع التيَّار الوطني الحر وجبران باسيل إلى قبوله بالنسبية بعد معجزة قيامة قانون انتخابي في ربع الساعة الأخير على الطريقة اللبنانية، وكل ذلك كرمى لعيون رئاسة الحكومة.
لذلك يفتش فارس سعيد اليوم عن دور لربما تطبيعي مع العدو، حسب المؤتمر الماروني الأخير حول القدس، وهذا هو النمط السائد حالياً على كل حال بعد ترسيخ التحالف بين بني سعود وإسرائيل والحديث عن خط طيران مباشر بينهما لنقل حجاج من فلسطين بينما تم طرد قطريين، وهم وهابيون، من العمرة ومُنع الباقون من القدوم. حرب الخليجيين هذه كشَفَتْ هشاشة وكذبة مجلس التعاون الخليجي الذي انهار من أول هزّة والأزمة الخليجية مرشحة لأن تطول وتكشف عن المثير من الأسرار والمستور فيما يتعلَّق باغتيال المبحوح في دبي وكأس العالم ومن وراء محاولة الإنقلاب في تركيا. ومهما كانت النتيجة فإن الخاسر الأكبر ستكون السعودية الغارقة في وحول اليمن، خصوصاً إذا استمر صمود الدوحة بعد جرعة صفقة «طاسة رعبة» السلاح مع واشنطن بقيمة 12 مليار دولار واستمرار الغموض المقصود في موقف واشنطن. وتحاول قطر حالياً استعطاف الشارع العربي الميت، بعد انحياز اسرائيل للسعودية وإعلانها إغلاق مكتب «الجزيرة» رغم تذلُّل مديرها المشين هناك وإعلانه أنه لم يحرِّض يوماً على إسرائيل. إنه فعلاً إنسان شهم! ولا يبدو أنَّ قطر التي هي أول من أقامت علاقات مع العدو ستتعظ من غدره عندما يهجرها عند أول مُفترق ولا أن ترد الجميل لإيران التي أنقذتها من الجوع.
ومن نتائج انتصار الأسد أنَّ وزير خارجية قطر المخلوع حمد بن جاسم، الذي كان رأس الحربة ضد سوريا يوم كان يتصرف وكأن بلاده دولة عظمى، بدأ عملية التودد لسوريا والاعتراف بأخطاء جسيمة ولكن بعد فوات الأوان، وحيث لا ينفع الندم اذا لم يقترن بخطوات عملية لوقف الارهاب في سوريا والعراق وليبيا والبحرين واليمن. ولعل هذا ما كان يفكِّر به الرئيس الأسد عندما رفض تمني روسيا عليه بلقاء وزير خارجية قطر الحالي. فسوريا لها موقف مبدئي مشرِّف ضد من دمر شعبها وأراق دمه وهي لا تخضع للمساومات خصوصاً وهي تحقق الانتصارات. هذه هي بعض الأسباب الكافية لتحمل الأسد على التجول بكل حرية والزهو وسط شعبه في سوق المزة بينما يختبئ حكام العرب في قصور عجزهم!
Leave a Reply