أطلقت شرطة ديربورن الأسبوع الماضي حملة أمنية مكثفة لضبط الحركة المرورية في شوارع المدينة، بعد ازدياد مظاهر القيادة المتهورة خلال الأسابيع الماضية بالتزامن مع شهر رمضان المبارك وانتهاء العام الدراسي.
ودفع وقوع عدد من حوادث السير القاتلة خلال الأسبوعين الماضيين، السلطات إلى العمل على تطويق هذه الظاهرة الخطيرة المنتشرة بين صغار السن والتي تثير قلق الأهالي والسائقين عموماً.
وعمدت الشرطة إلى تكثيف دورياتها على الطرقات الرئيسية وفي الأحياء السكنية لضبط المخالفين وكبح مظاهر القيادة المتهورة، علماً بأن شرطة ديربورن تقوم سنوياً بإصدار حوالي ٤٠ ألف مخالفة مرورية دون أن يكون ذلك كافياً.
ومع أن المجتمع الأهلي وشرطة ديربورن يعرفون أن الحوادث المميتة ليست جديدة على المدينة، إلا أن الحادث الأخير الذي أودى بحياة الشابين محمد الديراوي (22 عاماً) وهبة بزي (22 عاماً)، والذي أتبعه حادث آخر أدى إلى مصرع شاب لاتيني أميركي (٢٣ عاماً) على شارع فورد، دفع الشرطة إلى تكثيف الدوريات واعتماد بعض الإجراءات الجديدة للحيلولة دون وقوع مزيد من الحوادث القاتلة، أو الحد منها على أقل تقدير.
واعترف قائد شرطة ديربورن رونالد حداد بأن كل سبل الوقاية والتوعية والتثقيف والإجراءات التي تم اتخاذها على مدى السنوات الماضية لم تكن كافية لكبح ظاهرة القيادة المتهورة التي تزداد وتيرتها خلال الصيف، وقال «إن البيانات تدل على أن الوضع يزداد سوءاً وينتج عنه مقتل المزيد من الناس.. وهذا غير مقبول، لذلك فقد صعّدت الشرطة من إجراءات التوعية والتثقيف –إضافة إلى التركيز على إنفاذ القانون– للوصول إلى الهدف المنشود».
بيانات صادمة
ووفقاً للبيانات التي قدمتها شعبة التحقيق، فقد زاد معدل حوادث السير في المدينة بنسبة 8.96 بالمئة خلال العامين الأخيرين، بواقع 3892 حادثاً في 2015 و4241 في 2016.
وحتى الآن، وقع 2031 حادثاً في عام ٢٠١٧، وبالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي التي شهدت وقوع 1919 حادثاً، تكون النسبة المئوية قد ارتفعت بمقدار 5.84 بالمئة.
وحتى الشهر السادس من عام 2016 وقع حادثان مميتان في ديربورن، فقط شهدت الفترة نفسها من العام الجاري وقوع سبعة حوادث مميتة، أي بزيادة قدرها 250 بالمئة.
وأشار حداد في لقاء مع «صدى الوطن» إلى أن البيانات تظهر خطورة الوضع، مؤكداً على أنه «يستمع للناس ويريد منهم أن يعلموا أن الشرطة مهتمة بمكافحة تفاقم ظاهرة القيادة المتهورة».
في هذا الإطار، وبعد حادث مقتل الديرواي وبزي، حررت شرطة المدينة 90 مخالفة مرورية في يوم واحد بسبب القيادة غير المسؤولة. وفي الأسبوع الماضي، تمت مخالفة أكثر من 300 سائق، كما تم حجز نحو 25 مركبة بسبب القيادة المتهورة.
وأبدى حداد حساسية تجاه تحرير المخالفات بحق الشباب واليافعين لتأثيرها السلبي على سجلاتهم، واستدرك بالقول «لكنني أفضل تحرير مليون مخالفة بحق أسرة ما على أن تكون هناك جنازة غير متوقعة لأحد أفرادها.. ولذلك لن أعتذر (عن تحرير المخالفات بحق الشباب).
تدابير مكثفة
وأشار حداد إلى أن الشرطة كثفت دورياتها في معظم أحياء المدينة المعروفة بمظاهر القيادة المتهورة (لاسيما على شارعي وورن وفورد)، مؤكداً وجود قاطرات السيارات (تو تراك) جاهزة دوماً لسحب سيارات المخالفين، ولكنه امتنع عن الكشف عن مزيد من التفاصيل حول الإجراءات التي تعتمدها الشرطة لضبط السائقين المخالفين، مؤكداً «إننا لا نحاول خداع أحد».
وأضاف أن «سيارات الشرطة واضحة للعيان في مناطق تواجدها، وإذا ما تم ضبط السائقين المتجاوزين لحدود السرعة، وكذلك السائقين الذين يقومون بالتسابق، فلدينا الآن طرق لإيقافهم، كما أننا طورنا تقنية العثور عليهم وتوقيفهم… وسوف نقوم بتحميلهم كامل المسؤولية المترتبة عليهم وفق القانون».
كما أشار إلى أن شرطة ديربورن باتت تستخدم «أجهزة الليزر» لرصد السيارات المتجاوزة للسرعة، وقد رافقت «صدى الوطن» إحدى الدوريات بقيادة الملازم أندريوس بارنيت، الذي أوضح عملياً لمراسلة الصحيفة طريقة عمل جهاز الليزر على شارع فورد، حيث تم توقيف سيارتين لتجاوزهما السرعة المحددة بـ50 ميلاً في الساعة.
كما شرح بارنيت آلية عمل أجهزة الليرز في تحديد سرعات السيارات، مؤكداً أن القراءات التي تعطيها هي قراءات دقيقاً تماماً.
رسالة للأهالي
وأفاد حداد بأن الشرطة على اطلاع على بعض الممارسات الخاطئة من الأهل التي تدفع بالأبناء المراهقين إلى القيادة الجنونية والمتهورة. وأشار إلى أن السيارات الرياضية التي يستأجرها الأهل لأبنائهم (Lease) غالباً ما تستبدل إطاراتها بإطارات أكبر بهدف التشفيط والتسابق وحروق الإطارات بما يعرف بالـ«دراغ رايس»، ثم يقومون بإرجاع الإطارات العادية للسيارات عند إعادتها إلى الوكالة.
وحذر حداد الآباء من تمرير الرسائل الخاطئة إلى أبنائهم، وقال إن الآباء الذين يمنحنون أبنائهم مثل تلك السيارات العالية الأداء، التي غالباً ما يشار إليها بأسماء الصواريخ، كأنهم ينتظرون الفاجعة لتقع.
وحمّل حداد أولياء الأمور جزءاً من المسؤولية داعياً إياهم إلى إعادة التفكير فيما قد يفعله أبناؤهم بتلك السيارات أو الدراجات النارية، ولفت إلى أن شركات التأمين تزود الآن السيارات بوسائل مراقبة لمعرفة الطريقة التي تتم بها قيادتها، مضيفاً أن «الآباء كذلك لديهم حق في ذلك.. وعليهم واجب مراقبة أبنائهم وماذا يفعلون».
وأشار إلى أن «وجود أقارب أو أصدقاء داخل السيارة يزيد من الخطر، لأن السائق الشاب يمكن أن يتشتت ذهنه لدى تبادل الحديث معهم مما يصرف نظره عن تجنب المخاطر على الطريق».
وشدد حداد على وجوب أن يتوجه الآباء بالنصائح لأبنائهم، وقال «عندما نواجه اليافعين (بمخاطر) السرعة والتسابق فإن الجواب الأول الذي يقدمونه هو أن ذلك يمنحهم المتعة».
وأضاف «هذا ليس اتهاماً لشبابنا، ولكنهم قليلو الخبرة ولا يقدرون المخاطر بشكل جيد.. نريد أن نتواصل معهم وأن نعلمهم.. وأن ننفذ القوانين على مستوى عال، وكلنا أمل بأن تصلهم الرسالة».
دعم المجتمع
وفقاً لحداد فإن جميع أفراد المجتمع يقومون بالمساعدة والإبلاغ عن حالات القيادة المتهورة في أحيائهم، مؤكداً رغبتهم في الحفاظ على السلامة العامة في الجوار.
ولفت إلى أن «الشوارع أصبحت أكثر خطورة»، مشيراً إلى أن «السائقين المتقدمين في السن ليسوا بمنأى عن اللوم الذي يوجه للسائقين الشباب». وقال «بعض هؤلاء لا يبدون اهتماماً كافيا (بقواعد المرور)».
من ناحيته، أكد رئيس البلدية جاك أورايلي أن «الكثير من المسؤولين المنتخبين وأعضاء المجتمع وكذلك وسائل الإعلام يدعمون سياسة الشرطة وإجراءاتها» لمكافحة القيادة المتهورة في المدينة.
وقال «إن كامل المجتمع يشكو بصوت واحد».
وأضاف «الأعمال والمدارس والكنائس والمساجد والأحياء كلها عبرت عن دعمها.. لقد استلمتُ الرسالة وفهمتها بشكل جيد.. إن أفضل هدية يمكن أن نقدمها لمجتمعنا هي النظام، وهذا هو هدفنا».
سباقات التحدي: متعة الخطر .. وخطر الموت
كثيراً ما يتغنَّى العديد من طلاب المدارس الثانوية والجامعات فيما بينهم بالسباقات والقيادة الجنونية وتحدي قوانين السير، وخصوصا عندما يكونون في عمر حساس هو سن 16 عاماً وما فوق، لكن النتائج وخيمة وكارثية وتؤدي إلى حوادث مفجعة ضحاياها للأسف هم من شبابنا الذين هم في عمر الورود.
وحالما يجلس أولئك المراهقون وراء مقود السيَّارة يقومون بنهب الأرض نهباً متحللين من أي ضوابط أو مسؤولية إلى أن تقع الكارثة بحصول حادث مأساوي يودي بحياتهم أو بحياة شخص يعرفونه.
وفقاً لشاب فتي يبلغ من العمر 18 عاماً اسمه «مو» تخرج لتوه من ثانوية فوردسون، فإن الكثيرين من المراهقين ممن هم في نفس عمره وأصغر يشاركون دوماً وبحماس كبير بسباقات السيارات (دراغ رايس) في ديربورن وديترويت.
وأضاف «مو» أنه لطالما سمع زملاءَه في المدرسة وهم يتحدون بعضهم البعض في الصفوف للتسابق بالسيارات بعد انتهاء الدوام المدرسي إما على طريق فورد أو على شارع وورن الذي يمتد إلى ديترويت.
وأردف أن هؤلاء الطلاب عادة ممن يدخنون الحشيش أو يحتسون الكحول وأضاف «لقد كانوا يواظبون دائماً على إقامة سباقات التحدي في منتصف الليل في ديترويت، حيث تكون الشوارع شبه فارغة من السيارات.
كما تشهد شوارع المنطقة خلال ساعات النهار سباقات «عفوية»، تتولد من تبادل للنظرات بين سائقين على إشارة ضوئية حمراء، هذا عدا عن السباقات المنظمة التي يتنادى لها المراهقون ليلاً.
من جهته، ذكر طالب من «جامعة ميشيغن–ديربورن» يدعى «زاك» (١٩ عاماً)، أن بعض زملائه في الثانوية كانوا يقومون بغلق الطريق بأكمله في نهاية كل أسبوع ليقيموا سباقاتهم واستعراضاتهم بهدف الترفيه والترويح عن النفس.
تكون أصوات المحركات والإطارات سيدة الموقف، فـ«التشفيط» عادة لا بد منها خلال الاستعداد للسابقات. وتتم هذه الممارسة عبر إبقاء السيارة بلا حراك وغزل عجلاتها فقط من أجل تسخين الإطارات الذي تنتج عنه سحب من الدخان بسبب الاحتكاك إضافة إلى الصوت الذي تطرب إليه أسماع الحضور المتحمسين.
وأضاف «زاك» بأنهم «يقومون أحياناً بالمراهنة بمئات من الدولارات والناس يتفرجون عليهم». واستدرك «إنهم لا يخشون الشرطة. ذلك أن جل ما تفعله الشرطة لدى وصولها هو اعادة فتح الطريق فقط»، ثم يقفل الجميع عائدين إلى مناطقهم.
وعادة ما تكون السيارات رياضية مثل «موستانغ»، «كامارو»، «تشالنجر» و«كورفيت».
وزاد «مو» القول «ان هذه السيارات أرخص بكثير من السيارات الرياضية الأجنبية ويمكن تحمل نفقاتها». ولكن الساحة لا تخلو من سيارات فارهة أخرى من طرازت أوروبية مختلفة.
وتحدث «زاك» عن «طريق تفكير المراهقين الشباب الذين هم شغوفون بالمغامرة وروح التمرد وهم لا يفكرون في الخسارة». وتابع «عندما يقدمون عروضاً أو سباقاً على الطرق الرئيسية، هناك جائزة ترضية لهم في النهاية قد تكون المال أو حب المظاهر أو غير ذلك… ولكن هناك أيضاً عواقب وخيمة قد تغيب عن بالهم مثل إصابة أو قتل شخص ما أو حتى مصرعهم هم أنفسهم».
Leave a Reply