صدر قانون الانتخابات النيابية الجديد في لبنان، وبات يعتمد على النظام النسبي، بدلاً من النظام الأكثري الذي حصلت عليه كل الدورات الانتخابية منذ الاستقلال في العام 1943، مما أفقد المجلس التمثيل الصحيح، فكانت المطالبة بالنسبية منذ نحو نصف قرن، لتحديث النظام السياسي، وتكوين السلطة وقد أدرجت «الحركة الوطنية اللبنانية» التي نشأت منتصف سبعينات القرن الماضي، هذا البند في برنامجها المرحلي للإصلاح السياسي.
لا شك أن القانون الجديد، أحدث خرقاً في النظام السياسي نحو الإصلاح، لكنه جاء منقوصاً أو مبتوراً، إذ أن المطالبة كانت من قبل القوى الوطنية و«حزب الله» وحركة «أمل» وهيئات في المجتمع المدني، أن تكون النسبية كاملة وقد حصلت، لكنها وزّعت على 15 دائرة انتخابية، وليس لبنان دائرة واحدة، مما شوّه النسبية أو جوّفها من مضمونها ومعناها، كما أكّدت القوى الوطنية في بياناتها كرد فعل على القانون الذي اعتبر خطوة على طريق ألف ميل لإصلاح النظام السياسي، والذي نص اتفاق الطائف، على أن يصدر قانون خارج القيد الطائفي، ليأتي القانون الجديد لينسفه، ويعزز الطائفية فيه من خلال استمرار توزيع القواعد على أساسها، وكذلك في إنشاء دوائر انتخابية بعضها صاف طائفياً.
انتخابات ما بعد الطائف
إلا أن القانون هو «أفضل الممكن»، حسب ما وصفه الرئيس نبيه برّي، كما سُمي اتفاق الطائف بـ«اتفاق الضرورة»، وهو نتاج تسويات قام عليها لبنان ونظامه السياسي، سواء كانت إقليمية أو دولية، أو لبنانية داخلية، كما في القانون الجديد الذي هو «صناعة لبنانية»، على عكس قوانين سابقة لا سيما تلك التي صدرت بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، وكانت من «صناعة سورية»، وتباع في الأسواق اللبنانية، لصالح قوى سياسية وحزبية معينة، حيث كانت القوانين تفصّل على قياس زعماء معينين ورجال مال وأعمال، وهذا ما حصل مع أول انتخابات جرت بعد اتفاق الطائف في العام 1992، قُسمت الدوائر على أساس المحافظات، وتم استثناء محافظة جبل لبنان، بناء على رغبة النائب وليد جنبلاط، واستجاب لها الرئيس السوري حافظ الأسد، تم تتالت القوانين في العامين 1996 و2000، وكانت تصنع من قبل ضباط المخابرات السورية، بناء لرغبة مسؤولين لبنانيين، حيث فصّل رئيس جهاز الأمن والإرتباط في القوات السورية في لبنان العميد غازي كنعان، قانوناً على مقياس لوائح الرئيس رفيق الحريري في انتخابات عام 2000، وسُمي القانون باسم كنعان، والذي لاقى رفضاً من رئيس الحكومة آنذاك سليم الحص، لكن النظام الأمني اللبناني–السوري المشترك لم يكترث للإعتراض، ومرّت الانتخابات على أساسه وفازت لائحة الحريري في بيروت كاملة وسقط الحص ولائحته.
وفي العام 2005، وبعد انسحاب القوات السورية ونظامها الأمني، بدأ العصر الأميركي في لبنان، ومشروع الرئيس جورج بوش للشرق الأوسط، وتفعيل الديمقراطية، جرت الانتخابات النيابية في ذلك العام والتي كان يستعجلها الرئيس الأميركي، لإنجاز سياسي في الشرق الأوسط، ولبنان مختبره لتحقيق أهداف ثورة ملونة فيه سُمّيت «ثورة الأرز».
أما في العام 2009، فجرت الانتخابات وفق اتفاق الدوحة الذي أعاد العمل بقانون الستين على أساس توزيع الدوائر على القضاء، ووفق النظام الأكثري، والذي رحّب به المسيحيون ليكتشفوا أن نصف نوابهم ينتخبون بأصوات المسلمين، فلجأوا إلى «المشروع الأرثوذكسي» الذي يدعو إلى أن تنتخب كل طائفة نوابها، لكنه سقط وحاول الوزير جبران باسيل تمريره بصيغ أخرى، من خلال التأهيل الطائفي أو الصوت التفضيلي على أساس طائفي، لكن جوبه بالرفض، ليرسو القانون على النسبية الكاملة التي رأى «حزب الله» ومع حلفاء له أنها الممر نحو الإصلاح والتمثيل السليم.
تمديد حتى أيار ٢٠١٨
ورغم الاتفاق، لم يتمكن مجلس النواب، من عدم التمديد لنفسه لمدة حوالي عام، فيكون أنهى ولاية كاملة دون انتخابات ودخل بثانية على أساس التحضير للقانون الجديد، بعد أن كانت الذريعة الأولى للتمديد أمنية، وفي التمديد الثاني سياسية لعدم التوافق على قانون انتخاب، ولشغور منصب رئاسة الجمهورية، والتمديد الثالث أسمّوه «تقنياً»، وتمّ ربطه بإنجاز «البطاقة الممغنطة» كأحد أساليب الإصلاح الانتخابي، وهي ستستخدم للمرة الأولى إذا أنجزت خلال الفترة التي حددها وزير الداخلية نهاد المشنوق ما بين 7 و9 أشهر، ليبقى شهران تدعو خلالهما الحكومة إلى انتخابات حُدّدت في 6 أيار من العام 2018. وقد بدأ على الفور التشكيك بإمكانية أن تنتهي البطاقة في الوقت المناسب لها، مما يعني تمديداً رابعاً، وهذا ما بدأ التداول به في بعض الأوساط السياسية، لكن المسؤولين الرسميين بدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري، وقيادات سياسية، يؤكّدون أن الانتخابات هذه المرة ستجري في موعدها.
معارضون
وسيبقى الطعن في القانون الجديد أمام المجلس الدستوري، خلال مدة شهر من سريانه، ويلزمه 10 نواب لتقديمه، حيث بدأ عدد من النواب المعترضين على القانون أو المتضررين منه، إتصالات لرفع طعن حيث أبدى ثمانية نواب موافقتهم، وهم 5 نواب من «حزب الكتائب» الذي عارض القانون ولم يصوّت عليه.
ويشنّ رئيسه النائب سامي الجميّل هجوماً قاسياً على القانون وصانعيه، لأنه لا يلتزم الدستور ومقدمته، ولا مساواة المواطنين أمامه، إذ هو اعتمد معايير مختلفة في توزيع الدوائر كما في الصوت التفضيلي وفي بنود تجري دراستها، حيث يؤيّد النائب عاصم قانصوه وهو من كتلة حزب «البعث العربي الإشتراكي» تقديم طعن وسيوقع عليه مع النواب الآخرين، كما جرى إتصال بنائبي «الحزب السوري القومي الإجتماعي» أسعد حردان ومروان فارس للتوقيع على الطعن فرفضا لأن فارس من النواب الذين وافقوا على القانون بالرغم من تسجيل ملاحظات عليه، واعتباره لا يمثّل النسبية التي يطالب بها الحزب وحلفاء له، إذ تمّ مسخها، وتحميلها بالطائفية والمذهبية، وتوزيع الدوائر وفق منطق المحاصصة الطائفية.
وتقف قوى وأحزاب أخرى ضد القانون، لأنه لا يمثل طموحاتها في الإصلاح، وأن النائب جنبلاط أعرب عن قلقه من هذا القانون الذي وصفه بالمعقد والهجين وأن لا مثيل له في العالم، إلا أنه وتحت ضغط التوافق السياسي قبل به، لكنه يتوقع أن تدخل عليه تعديلات، التي بدأ الوزير باسيل يطالب بها مثل انتخاب العسكريين من كل الفئات، واستحداث مقاعد نيابية للمغتربين، حيث تمّ إقتراح أن يتمّ إحتسابهم وهم ستة، من المقاعد الحالية والتي رفع عددها من 108 نواب كما ورد في نص إتفاق الطائف، إلى 128 لإرضاء حلفاء لسوريا، وتأمينهم بمقاعد نيابية، اتفق أن تكون ستة وتوزّع على القارات الخمس، على أن تحظى أميركا الشمالية والجنوبية بمقعدين.
وبقي موضوع «الكوتا النسائية» الذي استهلك الوقت الكافي من المناقشات، ووافقت غالبية الكتل النيابية عليها، إلا أن «حزب الله» تحفظّ عليها وتركها لمزيد من الدرس، فيما أعلن الرئيس الحريري أن ستكون المرأة مرشحة على لوائحه، إلا أن الموضوع أرجئ إلى دورة أخرى، مما حرّك الهيئات النسائية التي صُدمت بموقف الحكومة ثم مجلس النواب من رفض وضع بند «الكوتا النسائية» في القانون.
على طريق الإصلاح؟
هكذا يدخل لبنان عصر النظام النسبي في قانون الانتخاب، وهو تطوّر على طريق الإصلاح الذي سيكون على مراحل، وقد قررت الأحزاب الوطنية والتقدمية، الاستمرار في رفض ما أقرّ، لأنه لا يؤمّن صحة التمثيل، بل يفرض عودة غالبية الطبقة السياسية الحاكمة والفاسدة في أكثريتها الساحقة إلى السلطة ، وقد تمّ اختبار كل الأحزاب والتيارات في السلطة وإن بنسب متفاوتة للمشاركة، فكان أن إنكشفت في الممارسة، بأنها لم تقدم أي جهد لمحاربة الفساد وتطبيق القانون، وتعزيز الشفافية في الحكم.
وبعد حوالي العام سيكون اللبنانيون أمام انتخابات نيابية افتقدوها منذ تسع سنوات، ومثل هذا الوضع لم يحصل سوى في أثناء الحرب الأهلية، التي فرضت على مجلس النواب التمديد لنفسه، أما المجلس الحالي، فإن كتله الأساسية، كانت تبحث عن قانون يؤمن لها أكبر عدد من المقاعد، فكانت المناورات، هي سيدة الموقف، حيث سُجّل تقديم حوالي 20 مشروع واقتراح قانون للانتخاب، إلا أن النسبية تقدمت على ما عداها، وهي كانت أقرّت في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مع 13 دائرة انتخابية، كان اقترحها وزير الداخلية مروان شربل، فوافق عليها «لقاء بكركي» للأقطاب الموارنة مع 15 دائرة.
ولما وصل اللعب على حافة الهاوية، كان لا بدّ من القرار لصدور قانون، كي لا يحصل الفراغ في مجلس النواب، وتشل مؤسسات الدولة ويقع الفراغ، فكان اقتراح الـ15 دائرة مع النسبية الأوفر حظاً.
توزيع المقاعد النيابية على الدوائر الانتخابية الـ15
1 – دائرة بيروت الأولى (٨ نواب): 3 أرمن أرثوذكس، أرمني كاثوليكي وماروني ومقعد للروم الكاثوليك وآخر للأقليات.
2 – دائرة بيروت الثانية (11 نائباً): 6 سنة و2 شيعة ودرزي وأرثوذكسي وإنجيلي.
3 – دائرة صور والزهراني (7 نواب): 6 شيعة وكاثوليكي.
4 – دائرة صيدا وجزين (5 نواب): 2 موارنة و2 سنة وكاثوليكي.
5 – دائرة حاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل (11 نائباً): 8 شيعة وأرثوذكسي وسني ودرزي.
6 – دائرة الشوف وعالية (13 نائباً): 5 موارنة و4 دروز و2 سنة وكاثوليكي وأرثوذكسي.
7 – دائرة بعبدا (٦ نواب): ٣ موارنة و٢ شيعة ودرزي.
8 – دائرة المتن (8 نواب): 4 موارنة، 2 روم أرثوذكس، نائب روم كاثوليك وأرمني أرثوذكسي.
9 – دائرة كسروان وجبيل (8 نواب): 7 موارنة ونائب شيعي.
10 – دائرة البترون وبشري والكورة وزغرتا (10 نواب): 7 موارنة و3 أرثوذكس.
11 – دائرة طرابلس والمنية والضنية (11 نائباً): 8 سنة وماروني وأرثوذكسي وعلوي.
12 – دائرة عكار (7 نواب): ٣ سنة، ٢ أرثوذكس وماروني وعلوي.
13 – دائرة بعلبك الهرمل (10 نواب): 6 شيعة و2 سنة وماروني وكاثوليكي.
14 – دائرة زحلة (٦ نواب): ٢ روم كاثوليك وشيعي وسني وأرثوذكسي وأرمني أرثوذكسي.
15 – دائرة البقاع الغربي راشيا (6 نواب): 2 سنة وماروني وأرثوذكسي وشيعي ودرزي.
Leave a Reply