أحدث اقتراح مرشد «المنتدى الإسلامي في أميركا» السيد حسن القزويني، والداعي إلى السماح للشباب المسلم الراغب في متابعة فعاليات الشهر الفضيل، شهر رمضان، بأن يجلبوا أراكيلهم معهم إلى موقف السيارات التابع لمقر المنتدى للاستماع إلى البرنامج، الكثير من الجدل وردود الفعل في أوساط العرب الأميركيين في ميشيغن. ولا يخفى على أحد أن أركان المؤسسة التي تركها القزويني مؤخراً والمؤسسات التي أصبحت في موقع التنافس المباشر معها بعد انشقاقه عن «المركز الإسلامي في أميركا» يساهمون في إثارة المزيد من اللغط حول الأمر.
العجيب في أمر البيئة التي تعمل بموجب الحديث الشريف: «من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر»، أنّ نُخبها المعممة سارعت إلى التهكم على السيد القزويني وأوعزت لأتباعها الموثوقين بإثارة الغبار حول الاقتراح والتصويب على القزويني الذي يحاول أن يثبت موطئ قدم في مساحة تعج بالمعممين والمراكز الدينية والحجاج. هذه الظاهرة، بغض النظر عن التفاصيل، واكبت جميع المبادرات الجديدة على الساحة الدينية في ديربورن وجوارها منذ انشقاق الشيخ محمد علي برّو وحتى الانشقاق الأخير. والملفت أن كل مؤسسة كتب لها النجاح انضمت تلقائياً وطوعياً إلى السلطة الدينية الافتراضية لا سيما في ديربورن وضواحي ديترويت.
لكن هذا ليس لب المسألة. السيد يحاول أن يستقطب الجيل الشاب كأي كهنوتي يريد المزيد من المريدين والمرتادين، وهو يرى كما يرى غيره من مرشدي المراكز أن الشباب يفضل جلسات المقاهي والسمر والتواصل. لكن هل سأل السيد أو أصحاب العمائم والقلنسوات لماذا يبتعد الشباب العربي الأميركي عن المؤسسات الدينية؟ هل سأل الشيخ الذي رد على السيد نفسه كيف يعرف كل هذه الموبقات التي أوردها في رده؟ وهل صحيح أن المؤسسات الدينية فشلت في استمالة وجذب الشباب إليها؟
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة موجه إلى النخب الدينية. هل نظرتم بالفعل في مرآة ذواتكم لتروا ماذا فعلتم بالعرب الأميركيين؟ هل سألتم أنفسكم ما هو الدور الذي قمتم به فعلاً لتمكين الجالية وتفعيل دور الشباب ونشر ما تقولون إنه الايمان والتقوى ومكارم الأخلاق. منذ الاعتداء الإرهابي على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، ولأسباب موضوعية لا علاقة لكم بها أدت إلى انكفاء المؤسسات السياسية والحقوقية العربية الأميركية، ولأسباب تكوينية لمجتمعنا الجديد الذي يثمن الحرية الدينية، صارت المؤسسات الدينية الملاذ الأخير والوحيد للشباب العربي الأميركي. كيف تعاطيتم مع ذلك وكيف أثّرتم على المهاجرين الجدد ومعظمهم من اللاجئين؟ كم آية لله صار عندنا؟ آخر إحصاء يقول انهم ثلاثة، ما دفع الأول –إعلاناً– إلى التعظيم تمييزاً. كيف أصبحت بيوت الله التي هي بالمنطق أوقافاً، وبالفعل في مجتمعنا الجديد، مؤسسات أهلية بناها المؤمنون من عرق جبينهم ومن حر مالهم ومن تطوعهم وتفانيهم، إقطاعيات يصبح الشيخ فيها على غرار باباوات عصور الظلام محاطاً بأولاده المدججين بألقاب مجهولة المصداقية أو المصدر؟ وكيف يصبح الأبونا الذي حصل على جنسيته بشق النفس قادراً على استيراد أقاربه الكهنة المتدربين من الوطن الأم لإزاحة المستحقين من شباب كنيسته؟
انظروا إلى أنفسكم يا أصحاب السماحة والنيافة، انظروا إلى ما فعلتم قبل أن تقدموا من كان متقدماً بينكم، قرباناً على مذبح المزاودة الرخيصة، كلكم مسؤولون. مسؤولون لأنكم أنتم من أوصلتم العرب الأميركيين إلى هذا الدرك. كيف أصبح الهم الأكبر لمؤسسة إسلامية كبيرة وروادها هو معرفة ما إذا كان الشيخ سيحضر جنازة فلان أو أن يتحدث في مأتم علان؟ كيف صار الهم كم سيتأخر سماحته ليظهر على الجمهور المنتظر، وهل سيظهر بالفعل أم سيرسل أحد أولاده، ليظهر بأنه مهتم، أو سيكتفي بشيخ آخر من الحواضر الذين يقبلون المهمة بحماس؟ كيف صار جل الاهتمام من سيكون الشيخ الجديد في المؤسسة الأعرق؟ أعرف شخصياً أعضاءً من مجلس تلك المؤسسة يراهنون –بالمعنى الحرفي للرهان المشروط بالمال– على المدة التي سيمضيها الشيخ الجديد قبل انشقاقه.
أصحاب السماحة، أصحاب النيافة كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وكلكم مسؤولون. أنتم وخلال السنوات الخمس عشرة الماضية انفردتم تقريباً بالنفوذ والدور والموقع، وهذا ما آلت إليه حالتنا. التصويب على معمم اجتهد لن يعفيكم من المسؤولية. أنتم اليوم تحصدون ما زرعتم. فالقول إن الشباب عازفين عن المراكز الدينية أو الدين ليس صحيحاً. هل تريدون دليلاً؟ قريباً وفي ذكرى عاشوراء لن تجدوا مكاناً لاستيعاب الحشود، لن يكون في مواقف السيارات متسعاً للسيارات، ستغص مراكزكم ومجامعكم ومنتدياتكم بالبشر. أتعرفون لماذا؟ ليس حباً بالحسين. بل لأنكم حولتم مراكزكم الدينية إلى بؤر للتحريض والفتنة والتشنج. كيف تفسرون ذلك؟ أنتم حولتم المساجد والكنائس العربية الأميركية إلى موائل للأحقاد والتنابذ والضغينة وحولتم مناسبات كثيرة إلى عناوين لذلك وفي تلك المناسبات ستجدون الشباب متواجدين بدون حاجة إلى أراكيل أو بنغو أو أي نشاطات ثانية. فهل تعرفون السبب؟ لأن ذلك ما غرستم فيهم من قيم.
Leave a Reply