مما لا شك فيه أن إسرائيل هي متحف حي لأظمة «الأبارتايد» العنصرية، وهي من دون شك ثكنة عسكرية تقودها دولة منظمة تقوم بأدوارها الرسمية تجاه مواطنيها وأدوارها الاحتلالية بشكل انموذجي. ومن جملة أدوار الدولة التي تبزّ فيها مختلف أنماط السلطات العربية والاسلامية، نظامها القضائي، الذي يُخضِع للمحاكمة رؤساء حكومات وجنرالات واعضاء في الكنيست وأركان للدولة.
أنا أعبر عن غيرتي من المبادرات النظامية الإسرائيلية لـ«تنزيه الدولة» إلى حد اخضاع رئيس حكومة سابق للتحقيق أمام الشرطة ثم إيقافه كمتهم مصحوباً بالادلة أمام منصة القضاء الإسرائيلي، الذي يحرس الكيـان من الاستغلال أو الإساءة أو التعسف في استخدامه (إسرائيلياً) فيما يتخذ أقصى العقوبات ضد العرب الفلسطينيين، أعداء يهودية الدولة.
لم أكن أتصور أن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت يقبع في السجن لمدة 27 شهراً بسبب ثبوت تهم الفساد والرشوة عليه. لم أكن أتصور أن أولمرت الذي قاد إسرائيل في حرب تموز المدمرة عام 2006، سيحاكم كمتهم ولا يمجد كقائد أو كنبي من أنبياء إسرائيل الجدد، بسبب الدماء التي سفكها في تلك الحرب وغيرها.
لفت نظري أن أولمرت قدم مؤخراً التماساً إلى لجنة العفو لإطلاق سراحه في نهاية الثلث الثاني من محكوميته، في وقت بدأ فيه يواجه اتهامات بتسريب أسرار أمنية تتصل بعملية اغتيال القائد اللبناني المقاوم عماد مغنية.
في أثناء محكوميته يستثمر أولمرت على تأليف كتاب عن فترة رئاسته للحكومة الإسرائيلية بين عامي 2006 و2009 وهو كتاب سيحمل المعلومات التي تريد إسرائيل نشرها باعتبار أن الكتاب سيخضع للرقابة العسكرية.
عندنا في العالمين الإسلامي والعربي الفساد عام ومستشر ـ وهو يمثل دولة ضمن الدولة إذا لم نقل إنه الدولة نفسها، فهو يجثم كالأخطبوط على مفاصل الحكم المختلفة.
عندنا القضاء على وجه الخصوص ليس مستقلاً ليحاكم أي مظهر من مظاهر الفساد أو الرشوة، وكذلك الأمر بالنسبة لمختلف أجهزة الرقابة التي استحالت سوطاً بيد الحاكم.
عندنا تُهدر المليارات ثمن أسلحة الموت والمنازلة والمناورات بالذخيرة الحية على أجساد مدننا لاغتيال حقنا في الحياة (مشتريات الأسلحة التقليدية والحروب الصغيرة الدائرة قتلت أكثر من ضحايا قنبلة هيروشيما).
عندنا لا تمر معاملة رسمية دون رشوة أو واسطة. عندنا الكذب والفساد والرشوة ثقافة، ومن لا يحمل صفة مشابهة هو «مَضْحَكْهْ».
كذلك على سبيل المثال وليس الحصر، كيف يمكـن في لبنان أن تصل الديون الداخلية (للمصارف المحلية) والديون الخارجية إلى نحو 120 مليار دولار؟ وكيف يمكن أن يجري التطنيش و«الإبراء المستحيل» لاختفاء 11 مليار دولار؟ كيف نسكت على حيلة بواخر الكهرباء؟ وعلى تحويل الوطن إلى كسارات تهدد بيئته وأنهاره ومخزون ثروته الجوفية؟ ولماذا لا يريد أحد الانتباه إلى رشوة–تأخير وعرقلة الكشف على ثروة لبنان الطبيعية؟
هذا في لبنان والأمثلة على فساد الحكام كثيرة في كل الاوطان العربية. إذ يكفي السؤال عن أين ضاعت أموال الثروات النفطية الليبية والعراقية مثلاً؟ لماذا يجري الآن تهريب المعلومات المتصلة بقضايا الفساد في تونس والجزائر والسودان ومصر؟
متى ترانا نتشبه بعدونا ويصبح عندنا نظام قضائي أقوى من كل السلطات؟ متى تستطيع دورية شرطة أن تأتي وتصطحب أي مسؤول عربي إلى التحقيق في المعلومات حول إخبار ما؟
أنا أعبر عن خوفي لمجرد لفت الانظار إلى ما يجري حولنا وعندنا؟
انا أرتجف خوفاً من الفساد والمفسدين في الأرض!
Leave a Reply