أصرَّ «مجلس العائلة» وألحَّ عليَّ بالخروج معهم يوم الرابع من تموز الفائت إلى أحد المنتزهات البعيدة عن مدينة ديربورن للاحتفال بعيد ميلادي الستين، الذي يصادف حسب إخراج القيد «عيد الاستقلال الأميركي». وقد قلت لأولادي مراراً إن يوم مولدي الحقيقي ربما ليس في هذا التاريخ، فدعوني وشأني واحتفلوا أنتم، حيث الجميع في عطلة، ولا داعي للاحتفال في يومٍ أتمنى أحياناً لو يكون نسياً منسياً. لكن لا مفر.
أنا إنسانة بسيطة جداً في حياتي ولباسي وتصرفاتي. ولأني إنسانة مسلمة، أحترم حجابي البسيط، ولا أحب أن أذهب إلى أماكن أشعر فيها بأنني غريبة، لكن الذي رأيته في المنتزه ذلك اليوم، جعلني أقتنع أكثر بأن لكل مجتمع خصوصيته وأن المرأة المسلمة الملتزمة دينياً من الأفضل لها أن تقرَّ في بيتها وأن لا تتواجد على شواطئ البحيرات والمسابح والمنتزهات التي يرتادها أناس فرحون منطلقون، يسبحون ويمرحون. لكن الذي رأيته ذلك اليوم أن العديد من السيدات المحجبات اللواتي حشرن أنفسهن في لباس ضيق يبرز المفاتن الأنثوية؛ صدوراً ومؤخرات وخصوراً وماكياجاً فاقعاً يعلوه غطاء للشعر، منظرهن عامل للإغراء والإغواء أكثر من الفتيات نصف العاريات بمايوهات السباحة.
أما المنظر المؤذي جداً والذي لم أستطع تفسيره، هو تواجد (ماذا أقول؟ سيدات، نسوان، ستات) في جلابيبهن السود ونقابهن الذي يغطي وجوههن ولا ترى منها إلَّا عيوناً، بعضها ينظر ببلاهة، وبعضها ينظر بحزن وبعضها ينظر كصقر حين يتأهب لينقضَّ على فريسته. والذي يدعو للحيرة، أن هذه «الكائنات السود» تتحرك حول الأزواج الذين يتمخترون بملابسهم الصيفية الخفيفة ولباس البحر من قطعة واحدة.
ترى الرجل منهم ينظر بشهوانية وقلة أدب حوله إلى صاحبات الجمال الأنثوي وهن يسبحن ويتمددن على الشاطىء، بينما زوجته تغرق في لباسها الأسود وتجره وراءها ركضاً وراء الأولاد أو تنفيذاً لطلبات زوجها «الدون جوان» لتصوِّره في «بوزات» عديدة حتى لا يظهر كرشه المندلق أمامه في الصورة، وحوله جيش من الأولاد هم سبب رفاهيته وعيشه من المساعدات الإجتماعية، التي كلما زاد عددهم زادت المساعدات، بينهم بنات صغيرات، تم حجز طفولتهن وبراءتهن داخل أسوار الحجاب والنقاب، من أجل المحافظة على الأخلاق كما يصور لهم الجهل والغباء، وهو أسلوب يفسدون به معنى الأخلاق، وأن الجمال وحده بمختلف صوره ومعانيه، هو المصدر الأول والأوحد للأخلاق بمعناها الحقيقي.
فهذا الإنسان الذي يخاف على زوجته وبناته من الفتنة، حشرهن في النقاب، وهو وغيره من أدعياء الحفاظ على «شرف العيلة» و«الشرف الرفيع»، الذين يؤثرون أن تكون المرأة التي «تخصُّهم» شنيعة تشبه كيس الفحم الأسود، كي يظل الشرف رفيعاً والمقام منيعاً، بينما هو يستمتع بالشمس والهواء والوجوه الحسنة والأجساد الممشوقة.
لماذا لا يتحجب ولا يتنقب أسوةً «بحريمه»، ويقرَّ معهن في بيوتهن، وكأن الشواطىء والبحيرات ليست لهن وليست لبنات حواء، خصوصاً المبهبطة والمرطرطة والمدورة ككسرة الشحم، والتي تمرغ مشفريها بالأحمر وتشحر محجريها بالأسود، وتلبس «بوركيني» شرعي وتغطي شعرها بحجاب أو نقاب. يعني لازم البحر والسباحة والسماجة والشناعة؟
هل الحجاب والنقاب عادة أم عبادة؟
إذا كان الحجاب الحديث والنقاب عادة، فهل هي عادة إيجابية يجب التمسك بها، أم هي سلبية يجب الإقلاع عنها؟ أما إذا كان الحجاب والنقاب عبادة، فالعبادة ليست على الشواطىء ولا في المقاهي والأماكن الساخنة، والسلام.
Leave a Reply