الحاجة نوال حمادة، اسم يعرفه العرب الأميركيون جيداً في منطقة ديترويت، لاسيما في أوساط العائلات التي تبحث لأبنائها عن مدارس تراعي خصوصيتهم الثقافية خارج نظام التعليم العام، وفي نفس الوقت إنها توفر النشاطات والمناهج الأكاديمية المطلوبة للنجاح في الدراسة والحياة.
غير أن قليلين هم من يعرفون حجم التحديات والعقبات التي كان على هذه المهاجرة اللبنانية الأصل أن تتجاوزها لكي تصل إلى المصاف الذي بلغته مجموعة مدارس مؤسسة «حمادة للخدمات التربوية» في ديربورن هايتس، ووستلاند، وستيرلنغ هايتس، وديترويت.
قرار جريء
البداية كانت في خطوة جريئة قررت حمادة الإقدام عليها منتصف التسعينات، وهو العقد الذي أُقرّت فيه ميشيغن نظام المدارس المشتركة (تشارتر)، وهي مدارس ميثاقية مستقلة بتمويل وإشراف حكومي.
بحلول عام ١٩٩٨، نجحت حمادة في افتتاح مدرستين هما «ستار انترناشونال أكاديمي» في ديربورن هايتس، و«يونيفرسال أكاديمي» في ديترويت، لتبدأ بهما مسيرة تربوية رائدة في المجتمع العربي تمكنت على مدى عقدين من تخريج آلاف الطلاب والطالبات، ومساعدتهم لتبوء مواقع ومراكز علمية وتربوية عليا.
تقول حمادة إنها لم تشعر خلال مسيرتها المهنية بأي نوع من المحدودية أو عدم القدرة على تحقيق أهدافها لكونها امرأة عربية مسلمة، ولكنها تقرّ بأنه كان عليها تذليل الكثير من العقبات الاجتماعية في أوساط الجالية أولاً، من ضمنها ملامح الدهشة والتشكيك التي كانت تعلو الوجوه عندما يدرك بعض أولياء الأمور أن هذه المدرسة أو تلك، هي نتاج تخطيط وتدبير وإدارة حمادة نفسها.
«مثلاً.. يفترض الناس تلقائياً أن زوجك هو من يقوم بالعمل»، تضيف حمادة: «أحياناً لا يعطونك حقك فتضطرين لأن تقولي لهم: لا، أنا من أقوم بهذا»، «قد يتطلب الأمر وقتاً لكي يستوعبوه، ولكن عندما يتقبلون الأمر ويبدأون بالتفاعل سرعان ما يغيرون نظرتهم كلياً».
لم تسمح حمادة لتحديات بسيطة كهذه أن تقيد رؤيتها بأي شكل من الأشكال، بل واصلت التركيز على المهمة التي تبنتها، وهي خدمة الجيل الجديد في مجتمعها.
مصدر إلهام
كما لكل قصة نجاح مصدر إلهام، فإن إلهام حمادة كان أمومتها أثناء سنوات الدراسة الجامعية والتي اكتشفت من خلالها شغفها بالتعليم والتربية، فسرعان ما قررت تغيير اختصاصها الجامعي وملاحقة حلمها الجديد.
كانت حمادة تدرس بدايةً التاريخ والعلوم السياسية من ضمن مسار أكاديمي للتخصص في المحاماة في «جامعة ديترويت»، حيث حصلت على درجة البكالوريوس في عام 1974. ولكن بدلاً من الانتساب إلى كلية الحقوق، حصلت حمادة على شهادة ماجستير بالقيادة التربوية والتعليم الثانوي في التاريخ والعلوم الاجتماعية من «جامعة إيسترن ميشيغن» في عام 1993.
بعد ذلك، بدأت حمادة بممارسة مهنة التدريس في المدارس الخاصة، حيث اكتشفت أنه وبالرغم من جودة التعليم الخاص إلا أن تكاليفه الباهظة تقف حائلاً أمام طموحات الأسر المتواضعة.
وفي الوقت نفسه، لمست حمادة أن «نظام التعليم العام لا يلبي احتياجات العديد من الأسر» غير أنها وجدت في مدارس الـ«تشارتر»، التي بدأت بالظهور في ميشيغن أواسط التسعينات، وسيلة فضلى للجمع بين مزايا التعليم العام والخاص، وقالت: «عندما عرفت بشأنها رأيتها بمثابة حل وسط بين التعليم الخاص والتقليدي، مما يجعل منها مناسبة تماماً للجالية، فقررت ترك ميدان التعليم الخاص».
إقبال كثيف
تقدمت حمادة بطلب لفتح مدرسة تشارتر في عام 1996 وحصلت الموافقة على الترخيص بعد عامين.
في البداية، كان هدفها الرئيسي إنشاء مدرسة صغيرة تستوعب حوالي 125 طالباً، ولكن الأمور اتخذت منعطفاً مختلفاً، في ظل الإقبال الكثيف على التسجيل.
وأسهبت حمادة قائلة «كل ما أردت القيام به هو مجرد تعليم الأطفال وإحداث فرق في حياتهم. لكننا تلقينا أكثر من 625 طلب تسجيل»، وأضافت «كان الأمر فوق طاقتنا الاستيعابية وكان من المحزن جدَّاً أن نضطر إلى حرمان الأهالي من فرصة تسجيل أبنائهم، لذلك انتهى بنا المطاف إلى أن نعمل على استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب».
تم قبول ما يقرب من 325 طالباً في المدرستين اللتين كانتا في البداية توفران الصفوف من مرحلة الروضة حتى الصف السابع متوسط، ثم نجحت الادارة في إضافة صف واحد كل عام، حتى وصلت الصفوف إلى الصف ١٢ ثانوي.
وأردفت أن الطلب الكثيف على التسجيل دفع الإدارة إلى استغلال الموارد والتوسع في أقصى سرعة ممكنة من اجل تلبية احتياجات أكبر عدد ممكن من الأسر.
بحلول العام ٢٠٠٤ قامت مؤسسة حمادة للخدمات التعليمية بإضافة مدرسة جديدة هي «يونيفرسال لرنينغ أكاديمي»، في مدينة وستلاند وهي توفر الصفوف من مرحلة الحضانة إلى الصف الثاني عشر ثانوي.
وفي عام ٢٠١٠ افتتحت أكاديمية «نور انترناشونال» وهي مدرسة من الروضة حتى الصف السابع في مدينة ستيرلنغ هايتس.
ومثل أي مهنة أخرى، تواجه حمادة وفريقها من الإداريين والمعلمين تحديات يومية، ولكن ما يجعل كل العمل الشاق جديراً بالتعب والجهد هو نجاح الطلاب والعرفان الذي يظهرونه لمدرستهم ومدرسيهم.
ولا تترد حمادة في التعبير عن بهجتها ورضاها العميق لرؤية طلاب مدارسها، وهم يتخرجون من الجامعات ويبدأون حياتهم المهنية بنجاح.
مسيرة مستمرة
لقد كرست حمادة ٣٠ سنة من حياتها في مجال التعليم، وهي تخطط للاستمرار والمواظبة على مسيرتها ورسالتها التربوية، فيما تعمل حالياً على تحضير شهادة دكتوراه من «جامعة نورثسنترال» بولاية كاليفورنيا والتي من المتوقع أن تنجزها في العام المقبل.
خلال مسيرتها الزاخرة، حازت حمادة ومؤسستها التعليمية على العديد من الجوائز التقديرية، بما في ذلك جائزة NES للتنوع من قبل مجلة «كورب مغازين»، و«جائزة مديرة العام» من قبل جمعية ميشيغن الأكاديمية للمدارس العامة MAPSA لعام ٢٠٠٧، إضافة إلى جائزة «سيدة الأعمال العربية الأميركية» لعام ٢٠٠٨ من قبل «المجلس العربي الأميركي لسيدات الأعمال»، وجوائز أخرى عديدة.
وعن الشهادة العليا التي تتطلع إليها، تقول الحاجة حمادة إنها سوف تجعلها أكثر قدرة على خدمة الطلاب من خلال التكنولوجيا الحديثة. كما تخطط حمادة لتعزيز خبراتها من خلال السفر حول العالم للاطلاع عن كثب على مختلف النظم التعليمية على أمل تحسين المدارس التابعة لمؤسستها فضلاً عن باقي المدارس في الولايات المتحدة. تقول حمادة «أنا لست أنانية إذ طالما الأمر يتعلق بخدمة الأطفال، فأنا منفتحة على تشاركي مع العالم». شعارها هو «قوموا بالعمل الصائب بشغف وجودة، للنوم الهانئ خلال الليل».
أما نصيحتها للجيل الجديد فهي أن «معايير العمل قد تغيرت على مر السنين» ولذلك لا بد من «العودة إلى الأساسيات: عندما يكون لديك هدف واضح، ابقِ مركّزاً وتحلّ بالأخلاق».
Leave a Reply