مع انتهاء عقد مديرة بلدية هامترامك المعينة من قبل حكومة الولاية كاترينا باول التي استمرت في منصبها لمدة عامين ونصف، أتيح لمجلس بلدية المدينة ذي الأغلبية المسلمة، المكون من ستة أعضاء فرصة تعيين مديرة جديدة بعد رفض الأعضاء المسلمين الأربعة تمديد ولاية باول.
وهذه الخطوة أعادت إلى الأذهان موجة الاتهامات التي وجّهت لمدينة هامترامك في أعقاب انتخابات 2015 والتي أسفرت عن فوز أربعة مرشحين مسلمين، لتكون بذلك أول مدينة أميركية يشكل المسلمون أغلبية في مجلسها البلدي.
وكان ذلك الحدث قد استقطب اهتمام وسائل الإعلام الأميركية والعالمية، مثل صحيفة «واشنطن بوست» و«ذي نيويورك ديلي نيوز» و«سي أن أن» و«فوكس نيوز» وغيرها، التي اعتبرت نتائج الانتخابات خطوة انقلابية في «المدينة الأميركية»، وكأن العقيدة الإسلامية للمسؤولين الأربعة المنتخبين تتناقض مع الهوية الأميركية!
حينها، تكهنت وسائل الإعلام في جميع أنحاء البلاد، وبدون أية موجبات واقعية، بأن مجلس المدينة ذا الأغلبية المسلمة سيقوم بفرض أحكام الشريعة الإسلامية، وقد اغتنم المعلقون والمراقبون اليمينيون الفرصة لمهاجمة المجلس البلدي والادعاء زوراً وبهتاناً بأن الإرهابيين قد غزوا المدينة.
البعض قطع شوطاً أبعد من ذلك وأطلق على هامترامك لقب “شريعفيل” (في إشارة إلى أنها باتت معقلاً إسلامياً)، واستغل الكثيرون تلك الاتهامات وغياب الصوت المسلم في وسائل الإعلام لتأجيج مشاعر الكراهية الدينية في الولايات المتحدة، أو الاتجار بالمسألة لتحقيق مكاسب سياسية ومالية.
وقد بلغت تلك الاتهامات والمزاعم الباطلة حداً لايمكن تصوره، وتأنفه حتى الصحافة الصفراء، حين سأل موقع «تين فوغ» رئيسة بلدية هامترامك كارين ماجويسكي فيما إذا كانت تخشى على حياتها من الإقامة في مدينتها، على ضوء النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات البلدية.
وفي مقال بعنوان «أول مدينة ذات أغلبية مسلمة: السكان يقلقون على مستقبلهم»، كتبت صحيفة «واشنطن بوست»: إن هامترامك هي عالم مصغر من المخاوف التي تجتاح البلاد منذ هجمات باريس، لقد أقلق تدفق المسلمين إلى هنا (هامترامك) بعض سكان المدينة المعروفة بحبها للرقص والبيرة والحلويات البولونية!
وطبعاً، كان من البديهي لذلك الخوف والغضب أن ينسيا الناس التعديل الأول في الدستور الأميركي الذي ينص على فصل الدين عن الدولة.
وعلى الرغم من الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة بأن هامترامك سوف تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، فقد عيّن المجلس البلدي ذو الأغلبية المسلمة كاثي أنغيرر التي صادف أنها مسيحية كمديرة للبلدية (سيتي مانجر)، وكانت المفارقة أن الأعضاء المسلمين الأربعة صوتوا لأنغيرر فيما صوّت العضوان غير المسلمين ضدها، في سلوك يبرهن على أن الانتماء الديني لا يشكل منطلقاً لأعمال الأعضاء المسلمين وقراراتهم في المجلس البلدي.
وكانت «صدى الوطن» قد نشرت في قسمها الإنكليزي مقالاً، الأسبوع الماضي، تحت عنوان «مجلس هامترامك ذو الأغلبية المسلمة يعيّن مسيحية كمديرة للمدينة»، وقد قمنا باختيار العنوان على تلك الشاكلة كدليل يدحض ويناقض الادعاءات التي سيقت طوال السنوات الماضية، إذ على النقيض من التكهنات والمزاعم الباطلة بأن المجلس ذا الأغلبية المسلمة سيفرض بعض مظاهر وقيم الثقافة الإسلامية على سكان هامترامك، فقد اختار التصويت لامرأة من دين مختلف.. لماذ؟ بكل بساطة لأن مؤهلاتها هي ما يهم وليس معتقدها الديني!
مع ذلك، انتقد بعض القراء المقال لإشارته إلى ديانة مديرة البلدية الجديدة، ونحن إذ نوافق على أن الإشارة للمعتقد الديني ليست ذات صلة في هذا السياق، إلا أن اختيارنا للعنوان –وفي هذا الوقت بالذات– كان رداً على موجات الاتهام التي شنت على المدينة قبل أكثر من عامين، وجيّشت الكثير من مشاعر الاحتقان بين شرائح أميركية لا ينقصها التعصب والتطرف لكي تجاهر بعدائها للمسلمين.
والأهم، أن مجلس بلدية هامترامك تصرف بطريقة تعاكس –ولعلها تخذل– توقعات بعض الأميركيين المتشنجين، لا سيما وأنهم أبدوا مسؤولية جديرة بالاهتمام حول حكومة المدينة ومستقبل أبنائها، حين قاموا باختيار الشخص بناءً على كفاءته وليس بناءً على دينه، الذي هو مسألة تفصيلية وعابرة في مثل هذا السياق..
ونحن في «صدى الوطن» نؤكد أن ممارسة الشعائر الدينية هي حق دستوري، ومن الخطورة بمكان استغلال الدين لتعميق الشروخ والانقسامات بين مكونات المجتمع الواحد، سواء في أوطاننا الأم، أو في بلدنا –أميركا– الذي باتت تخترقه في العقود الأخيرة.. آفة الإسلاموفوبيا!
Leave a Reply